البصمة الاستراتيجية المتسعة للصين

قررت الصين في الفترة الأخيرة إنشاء ميناء بحري ثانٍ في سريلانكا في كولومبو. وسيكون هذا الميناء هو الثاني إلى جانب الميناء الموجود من قبل في هامبانتوتا. وإلى جانب ذلك، وافقت الصين أيضا على إنشاء سكة حديد وطريق يربط بين مقاطعة يونان وشتياجونج، المدينة الساحلية في بنجلاديش. هذه الخطوات تعزز وجود الصين في الفناء الخلفي للهند.
تعمل الصين على تكثيف تنمية الأصول الاستراتيجية في جنوب آسيا في معظم أوقات هذا العقد. فقد بدأت بطريق كاراكورام السريع. وبعد ذلك، شيد الصينيون موانئ في سريلانكا وبنجلاديش وباكستان وميانمار. ورغم أن الهند تتمتع بعلاقات ودية مع جميع جيرانها باستثناء باكستان، إلا أن الانخراط الأكبر للصينيين في هذه الدول أتاح لها زيادة نفوذها على الهند.
قبل بضع سنوات، وقَّعت الهند اتفاقية تجارة حرة مع سريلانكا. وتبين أن اتفاقية التجارة الحرة هذه ناجحة جدا وجعلت من الهند أكبر شريك تجاري لها، إلا أن الصينيين بددوا هذه الميزة الآن تقريبا حين أصبحوا أكبر جهة مانحة أجنبية لتلك الدولة. وفي العام الماضي، تبرع الصينيون بمبلغ 1.2 مليار دولار لسريلانكا وحلوا محل اليابان التي كانت الجهة المانحة الأكبر. وجاء هذا التبرع لسيرلانكا في وقت كانت تخوض فيه حربا حاسمة مع حركة نمور تحرير تآميل إيلام، وبعد أن بدأ الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، في تقليص مساعدته لها.
كذلك ساعدت الهند حكومة راجاباكسا عن طريق تقديم مساعدة عسكرية غير فتاكة لخوض حربها ضد نمور تحرير تآميل إيلام، لكنها لم تكن تضاهي المساعدة العسكرية التي نشأت من الصين، وإلى حد أدنى من باكستان. وفي الآونة الأخيرة، زار وزير الدفاع السيرلانكي، جواتابايا راجاباكسا، الصين لتعميق التعاون الدفاعي مع بكين. وردت الصين بالموافقة على إنشاء ميناء بحري آخر في كولومبو.
لم تظهر أية شركة هندية أي اهتمام بإنشاء هذا الميناء، ولهذا أسباب هيكلية. فالشركات الهندية شركات خاصة في معظمها، في حين أن الشركات الصينية مملوكة من قبل الدولة. وهذه الأخيرة محمية من قبل بكين في الأوقات الصعبة وتستفيد من عدم إعاقتها من العوامل التي تقيد الشركات الخاصة، مثل قيمة المساهمين وتعظيم الأرباح. وهي تساعد أيضا وتضمن المشاريع التي تسمح للدولة الصينية باكتساب ميزة استراتيجية. وكان الهدف من إنشاء الميناء البحري العميق في هامبانتوتا والميناء الأخير في كولومبو هو بالتحديد تحقيق هذا الهدف الأخير؛ فاكتساب موطئ قدم قوي للصينيين في هامبانتوتا سيسمح لهم بالسيطرة على منطقة شاسعة من المحيط الهندي تمتد حتى القارة القطبية الجنوبية، إذا دعت الحاجة.
وعلاقة الصين مع بنجلاديش ليست مختلفة. فقد قرروا الآن إنشاء سكة حديد وطريق يربط بين مقاطعة يونان وميناء تشيتاجونج. وهذا مشروع ثلاثي تشترك فيه ميانمار أيضا. وسيقلل هذا المشروع المسافة بين يونان وتشيتاجونج إلى 111 كيلومترا فقط. ويستضيف الصينيون منذ الآن حقوق الشحن إلى مناطق أخرى في تشيتاجونج. والآن ستزيد سكة الحديد والطريق هذه وجودهم في تشيتاجونج. إضافة إلى ذلك، تخطط الصين لبناء ميناء بحري عميق في جزيرة سوناديا.
تقول كل من سيرلانكا وبنجلاديش إنهما تريدان أن تصبحا مراكز إعادة الشحن في جنوب آسيا. وتخطط سيرلانكا لأن تحل محل دبي وسنغافورة كمراكز إعادة شحن للهند. وتريد بنجلاديش أن تصبح مركز إعادة شحن للسلع المتجهة نحو نيبال وبوتان وشمال شرق الهند. والصين مهتمة بهذه الموانئ لحماية خطوط اتصالها البحرية ولضمان طرق الوصول برا في حالة نشوء مشكلة استراتيجية غير متوقعة في مضائق ملقا.
وفي كلتا الحالتين، إذا تم تحقيق المصالح الاقتصادية الصينية، من المتوقع أن تستفيد الهند أيضا بطريقة مماثلة، لكن تنشأ مشكلة بالمعنى الاستراتيجي إذا وضعنا في الاعتبار السياسة الخارجية القوية التي تبنتها الصين أخيرا ضد الهند. وبما أنه ليس هناك أمل كبير بأن تتمكن الهند من إبعاد باكستان عن الصين، لا يسعها إلا التفكير في العمل مع جيرانها الآخرين.
وحاول جيران الهند الأصغر لعب ورقة الصين ضد الهند لإبقاء جارتهم الكبرى في جنوب آسيا تحت السيطرة وأيضا للحصول على أفضل الصفقات من الطرفين. وفي هذه الحالة، فإن المبالغة في لعب ورقة الخطر الصيني من شأنها العمل ضد مصلحة الهند. وفي الوقت نفسه، لا يمكن للهند تجاهل التوسع المتزايد للنفوذ الصيني في جنوب آسيا. وفي الوقت الراهن، قالت كل من سيرلانكا وبنجلاديش: إن المرافق التي يتم إنشاؤها مع الصين هي لأغراض تجارية فقط. وعلى الهند أن تسعى لضمان أن تظل الحال كذلك.
وينبغي للهند أيضا أن تحاول الاستفادة اقتصاديا من هذه المرافق الجديدة التي يتم تطويرها. إلى جانب ذلك، يجب أيضا أن تحاول وتقنع جيرانها بعدم السماح بتحويل هذه المرافق إلى ثكنات عسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد احتمالات عسكرة جنوب آسيا. ولا بد أن يكون جيران الهند مدركين فعليا لهذه الاحتمالات.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي