إسرائيل والمؤامرة على وحدة السودان
لا شك أن القلق على مستقبل السودان يتزايد كلما اقترب موعد استفتاء الجنوب في كانون الثاني (يناير) المقبل، حتى يكاد المراقبون يجمعون في ظل المعطيات القائمة على أن الانفصال مقرر منذ اتفاق نيفاشا عام 2005، وأن سنده القانوني هو حق تقرير المصير من خلال الاستفتاء في الجنوب وحده حول الوحدة أو الانفصال، وحيث انصرفت الجبهة الشعبية بمساندة إسرائيل والولايات المتحدة ودول إفريقية مجاورة إلى دعم ركائز الانفصال. ويبدو أن العزم على الانفصال لا يهمه أن يجرى الاستفتاء تحت إشراف المفوضية القومية للاستفتاء؛ أي دون مشاركة حكومة الخرطوم ما دام الجيش السوداني لا وجود له عمليا في الجنوب، وأن الجبهة الشعبية تسيطر فعليا على الجنوب بعد إقصاء كل أثر لحكومة الخرطوم.
على الجانب الآخر، فإن محاولات تسوية مشكلة دارفور تتعثر، لأسباب كثيرة أهمها أن فصل الجنوب وفصل دارفور وتفتيت السودان هو حزمة واحدة تنفذ حسب الظروف، ولذلك فإن حركة عبد الواحد نور قررت أن استقلال دارفور سيتبعه الاعتراف بإسرائيل، حيث تحتضن التمرد في الجنوب ودارفور تنفيذاً لمخطط إسرائيل كان في السابق محل اجتهاد واتهام، ولكنه صار حقيقة على الأرض، فضلاً عن اعترافات إسرائيل بهذا المخطط وإصرارها على تنفيذه في السودان كله، بل إن العقد الجديد 2011 حتى 2020 يراد له أن يكون عقد تفتيت الأوطان العربية حتى يُقضى تماما على قدرة العالم العربي على مواجهة هذا المشروع.
وقد اتهمت حكومة الخرطوم رسميا إسرائيل بمساندتها للتمرد في دارفور والجنوب وكشفت عن وثائق مصورة تؤكد هذه الحقيقة.
وقد اعترف آفى ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في محاضرته التي نشرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في أيلول (سبتمبر) 2008، بأن لدى إسرائيل خطة استراتيجية ثابتة تجاه السودان، حتى لا يصبح دولة مهمة في المنطقة تُضم إلى قدرات العالم العربي. وكشف الوزير الإسرائيلي عن أن هذه الخطة تبلورت منذ استقلال السودان عام 1956. وتقضي خطة إسرائيل بتمزيق السودان عبر الحروب والفتن الداخلية على خلفية الدعم الأمريكي والأوروبي. وكانت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل قد أكدت عام 1967 أن تقويض الأوضاع الداخلية في السودان والعراق باستغلال الثغرات العرقية وغيرها جزء أساسي في استراتيجية إسرائيل. وقد أسرعت إسرائيل إلى بلورة هذا المخطط وتركيزه بعد أن أدركت أهمية السودان كعمق استراتيجي لمصر. واعترف الوزير الإسرائيلي بما قامت به إسرائيل في جنوب السودان انطلاقا من إثيوبيا وأوغندا وكينيا وزائير، وأن ضرب السودان من الداخل في الجنوب ثم دارفور هو خط جميع زعماء إسرائيل منذ بن جوريون. وأكد الوزير الإسرائيلي أن مخطط الجنوب ودارفور سيستمر، وأنه ''من حسن الحظ فإن العالم يتفق معنا ويدعمنا الدور الأمريكى''، وكشف عن خطة شارون عام 2003 للتدخل في دارفور، حيث قال في اجتماع الحكومة حينذاك حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبالآلية والوسائل نفسها وبأهداف تدخلهم في جنوب السودان نفسه.
أكد الوزير أيضا أن مستقبل السودان هو فصل الجنوب ودارفور مثل كوسوفو، حيث لا يختلف الوضع في الأقاليم السودانية في نظره عن وضع كوسوفو، وهو ما سبق أن نبهنا إليه في مقالاتنا في ''الاقتصادية'' منذ عام 2004، وبشكل متواتر.
فهل يسارع العرب إلى وقف تداعيات دارفور بعد جنوب السودان؟