إشاعة قوية
ما معدل الإشاعات الذي تسمعه أو تقرأه كل يوم؟ لا شك أنه كثير لدى البعض، إذ إننا أصبحنا اليوم نعيش في زمن تسيطر عليه الإشاعات، فهناك إشاعة بتعيينات جديدة في دائرة معينة وإشاعة بإعفاء آخرين، وأخرى بشأن تعديل بعض الأنظمة وإشاعة حول تقديم امتيازات لفئات معينة وإشاعة بشأن تصحيح بعض الأوضاع.. وهكذا أصبحت الحياة عبارة عن مسلسل إشاعات تحيط بنا من كل جانب، فما إن تجلس في مجلس إلا ويبادرك البعض بالبداية الأساسية والافتتاحية الرسمية والمصدر الموحد لمعظم الإشاعات هو كلمة (يقولوا) وعمد بعض الأفراد إلى تحسين وتطوير هذا المصطلح ليزيد من قيمته ويرفع مستوى الثقة به ويطور منه فمنهم من يسند قوله إلى (مصدر مطلع)، وآخرون يفضلون استخدام (مقربين)، وهناك من يلجأ إلى مسمى (أناس ثقات)، والبعض يفضل استخدام مفهوم (شخص يفضل عدم ذكر اسمه)، فضلا عما يتم تناقله من خلال مصادر الإعلام سواء كانت في الصحف أو المجلات أو مواقع الإنترنت ومنتدياتها.
وعلى الرغم من صحة بعض تلك الإشاعات التي تظهر إلا أن أسلوب التعامل معها خصوصاً لدى كثير من الجهات الحكومية يبقى محدوداً بل وضعيفاً في بعض الأحيان، فقد تظهر إشاعة ما لها علاقة بجهة معينة وتنتشر تلك الإشاعة ويتم التفاعل معها وتظهر بعض المواقف المعينة التي تؤكدها ومع ذلك تجد أن الجهة ذات العلاقة بهذه الإشاعة لم تحرك ساكناً بل وكأن الأمر لا يعنيها في شيء. وفي المقابل تعمد بعض الجهات إلى نفي أية إشاعة تظهر حتى لو كان يصاحبها الكثير من الدلالات، التي تؤكدها حتى أصبح الكثيرون يؤكدون أن أي نفي لأية إشاعة تصدر بشأن جهة معينة إنما هو تأكيد لها.
وهناك جهات حرصت على تعيين متحدثين رسميين ليتصدوا لمثل تلك الإشاعات، التي قد تمس دوائرهم إلا أن بعض أولئك لا يزال دورهم محدودا فهم ليسوا أصحاب قرار وبعضهم لا يملك الصلاحية للتحدث أو التوضيح إلا بعد إجراءات محددة ومراجعة متكررة لما يجب التصريح به وفي بعض الأحيان تأتي بعض تلك التصريحات غير واضحة وأحياناً تأتي متأخرة كثيراً حتى إن البعض يكاد ينسى علاقة ذلك التصريح بما سبقه من إشاعة.
بعض المسؤولين يفضلون تجاهل الإشاعة ظناً منهم أن هذا هو أفضل علاج لها والبعض يفضل الرد السريع حرصاً منه على قتل الإشاعة في مهدها والبعض يفضل أن يترك الإشاعة تروج بين الناس لأمد معين ليعرف ردود الأفعال ولتتكشف له بعض الجبهات والبعض يكون هو مصدر الإشاعة ليعرف من خلالها ما سيكون في حالة اتخاذ قرار ما، بل إن البعض يطلق الإشاعة وهو يعرف أنها غير صحيحة ثم يصدقها.
الإشاعة ليست شيئاً جديداً بل هي قديمة، فأنبياء الله ابتداء من نوح عليه السلام ونبي الله هود وسيدنا موسى عليه السلام وانتهاء بنبي الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عانوا الإشاعات، فهي مرض من أمراض المجتمع ونحتاج إلى أن نحصن أنفسنا منه أولاً بأول ومن سبل التحصين حسن الظن في الآخرين، والبحث عن الحقيقة، والحرص على عدم التحدث بما يتم سماعه ونقله للآخرين، ثم التأكيد على إعادة الأمور إلى أصحابها ومحاصرة مثل هذه الإشاعات وعدم ترويجها، بل والإعلان عن مروجيها ومعاقبتهم وفق نظام يتم وضعه لمحاربة الإشاعات، إضافة إلى ذلك فيجب على كل فرد منا أن يكون له دور في محاربة هذه الظاهرة وذلك من خلال وضع حد من انتشارها وعدم المشاركة في نقل كل ما يصل إليه.