أبغى أرمي نفسي في البحر

أبغى أرمي نفسي في البحر

سمعته يقولها بعد أن ذكر ظروف معيشته التي يعاني منها ...

هل تصدقون ..

هذا رجل يعمل كالماكينة في ثلاث وظائف جميعها برواتب ضعيفة وأعمال شاقة.

- رب أسرة.

- مسؤول أيضاً عن أم وأخت.

يقول لي: أبغى أرمي نفسي في البحر.

لا أدري ماذا أقول له:

أأقول له بأنك ستغرق؟

أم أن بطن الحوت سيكون مصيرك؟

أم أن القدر سينجيك؟

لا أدري ..

الكثير منا يبيحون لنا بمعاناتهم .. همومهم .. أصداء آلامهم .. كثير منهم من قال لي أبي طردني من البيت .. أبي طلق أمي .. أخي ظلمني في الميراث .. مديري حرمني من الترقية .. جاري ضيق علي عيشي..

لا أدري بما أجيب فالمعاناة كبيرة حقاً لكن يبقى السؤال: هل يرمون أنفسهم في البحر؟!.

أسمعوا لحال هذه المرأة: في فترة زمنية سابقة قريبة من زمان جداتنا وأجدادنا .. سئمت عمل البيت، ورعاية الأبناء، والأشد سياط الزوج القاسي على أتفه الأسباب.

قبلت أطفالها، وألقمتهم عشائها، وطمأنت بأن الجميع نائم، فخرجت كعادة الناس في ذلك الوقت عند قيام الصلاة، أي أن الإمام يصلي والجميع في المسجد ولا أحد في الشارع باتجاه بيت أهلها الذي ليس بالقريب.

وعند مرورها بجانب المسجد والإمام في إحدى ركعتيه الأوليين سمعته يقرأ هذه الآية: (لقد خلقنا الإنسان في كبد).

فأمسكت بقدمها، وتوقفت حركتها، وقالت: أين أنا عن هذه الآية؟ (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أي في نصب وتعب ومشقة.

فعادت إلى منزلها، وطمأنت على أطفالها، واستعدت ليومها القادم في بيتها السعيد.

عن الأمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- أنه قال في كلام طويل في ذم الدنيا:

"إنما الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه يحق عليك اغتنامه، ويوم لا تدري من أهله؟ ولعلك راحل فيه".

هاهي الحياة، تعب ونصب ومشقة.

تأمل معي أبيات هذا الشاعر الحكيم:

حكم المنية في البرية جــــار *** ما هذه الدنيا بـــدار قـــــرار

بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً *** حتى يُرى خبراً من الأخبار

بنيت على كدر وأنت تريدها *** صفوا ً من الأقذار والأكــدار

وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على شفير هار

فالعيش نوم والمنية يقظــــة *** والمرء بينهما خيـــال ســـار.

في النهاية أقول: صدقوني بأن البحر أيضاً ليس بأقل حالاً ممن يريد أن يرمي نفسه به؛ فهو مليء بكائنات حية ومعادن وطحالب لا تعد ولا تحصى ... وسوف يطفو أي كائن حي رمى نفسه به، في حين سوف يستمتع أي صاحب عقل حاول التمتع فوق سطحه بزورق صغير .
فأختر يا صحاب الهم إلى أي مكان تذهب.

الأكثر قراءة