في ذكرى يوم الوطن .. ملامح من سيرة الملك عبد العزيز مع خصومه (2 من 2)

تسامح الملك عبد العزيز مع خصومه وترفعه عن زلاتهم رغم قوته وقدرته على البطش بهم، كان من أسباب القبول الذي لقيه مشروع الملك عبد العزيز لبناء دولة الوحدة، فهذا التسامح والكرم من الملك عبد العزيز دفع أعداء الأمس ومن دبروا المكائد وحملوا السلاح ضده إلى أن يصبحوا جزءا من الدولة، ومن أقرب الناس إلى الملك عبد العزيز، يقدمهم في مجلسه على أبنائه، ويكرمهم ويحفظ لهم مكانتهم بين قبائلهم وجماعتهم.
هذا الملمح الإنساني المهم في سيرة الملك عبد العزيز تناوله صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز في كتابه ''ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز''، وهو كتاب من إصدارات دارة الملك عبد العزيز، وأصله محاضرة ألقاها سموه في جامعة أم القرى بتاريخ 21/3/1429هـ، ففي هذا الكتاب عقد سموه فصلا تحت عنوان ''تعامله مع خصومه''، وأشار إلى أن الملك عبد العزيز تعامل ''مع من عارضه أو حاربه من أجل إقامة هذه الدولة تعاملا إنسانيا وكريما حتى قيل ''إنه ما من شخص عاداه، وبقي حياً يرزق إلا عاد إليه طوعاً، بسبب حسن تعامله، وصدقه مع الناس''، مشيرا إلى أنه من النادر أن تقترن صفة العفو مع صفة الشدة والحزم، خصوصا لدى القادة الذين ينشغلون بالتأسيس والمواجهات. وقال سموه إن الملك عبد العزيز ''أثبت للجميع قدرته على العفو حتى مع أشد الخصوم''.
وأورد الأمير سلمان عديدا من مواقف الملك عبد العزيز الإنسانية التي حولت أشد الرجال خصومة له، إلى رجال أوفياء، ولاهم مناصب مهمة في الدولة، فأدوا الأمانة على أكمل وجه. وأشار إلى ما قاله هاشم الرفاعي في كتابه ''من ذكرياتي'': ''ميز الله الملك عبد العزيز العبد الرحمن الفيصل السعود بمميزات حميدة قل أن تجدها مجتمعة في سواه من عظماء الرجال البارزين، ومنها انطباع نفسه الكبيرة بطابع احترام من لوى الدهر عنان عزهم من الأمراء، وذوي الوجاهة بين قومهم، ومواساتهم بنفسه في جميع الحالات التي تستوجب راحتهم وتسليتهم، فيحفظ هيبتهم بين الناس ـــ حفظا من شأنه أن يجعلهم ينسون أن سلطانهم قد دال، ونفوذهم قد ذهب''.وقال الأمير سلمان: ''لأهمية هذا المبدأ لدى الملك عبد العزيز فإنني أشرحه لعدد من الضيوف الذين أقابلهم، وأوضح لهم كيف أصبحت هذه البلاد متماسكة وموحدة بفضل الله ـــ عز وجل ـــ أولا، ثم بفضل هذه الخصال الحميدة، والمبادئ العظيمة التي التزمها الملك المؤسس ـــ رحمه الله ـــ كما أبين لهم اهتمامه بتنظيم الجالسين، إذ كان يقرب أولئك الرجال الذين كانوا في يوم من الأيام خصومه، ثم أصبحوا من أخلص رجاله، فكانوا يجلسون عن يمينه وعن شماله مباشرة، بينما كان يجلس أمامهم غير قريبين من الملك كبار أسرته وإخوانه وولي عهده الملك سعود، ونائبه في الحجاز الملك فيصل، وأبنائه الكبار إذا حضروا، وكان بقية أبنائه يجلسون في آخر المجلس عن يمينه''.
هذا التعامل مع الخصوم لم يأت من فراغ، وإنما كان التزاماً وتعزيزاً للأسس التي قامت عليها الدولة، منذ الدولة السعودية الأولى، وهي الكتاب والسنة، فالدولة السعودية ـــ كما أشار الأمير سلمان ـــ قامت على ''أساس الكتاب والسنة، ولم تقم على أساس إقليمي أو قبلي أو أيديولوجي (فكر بشري)''.
إن من المهم ونحن نعيش الذكرى الثمانين لتوحيد المملكة تحت اسم ''المملكة العربية السعودية''، أن نستذكر هذه المواقف الكريمة التي وقفها المؤسس ـــ رحمه الله ـــ ليس مع أتباعه، وإنما مع خصومه، وكانت من أسباب تقوية أركان الدولة، وبناء المجتمع الواحد القائم على المحبة والتعاون، لتكون نبراسا لنا، ونحن نعيش في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ طفرة اقتصادية واجتماعية كبيرة، بحيث ندرك أن تطور الوطن ووحدته وتماسك أركانه، لا يمكن أن يتحقق دون عمل جماعي، تقدم فيه مصلحة الوطن وأبنائه على المصلحة الفردية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي