وطن الشموخ والإباء .. وثمانون عـاماً من الوحدة والعطاء
تمضي السنون ويبقى وطني العزيز شامخاً.. وتاجاً مرصعاً بالدين والأمن والوحدة والمبادئ والأخلاق الفاضلة.. والتطوير والإنماء.. مضت ثمانون سنة منذ أن أعلن المؤسس الإمام الملك عبد العزيز آل سعود توحيد هذا الكيان في الأول من برج الميزان, وقيام هذا الحصن المنيع, والقلعة الشامخة, والدولة الرائدة في تدينها وثباتها على معتقدها وأمنها وتكاتفها وتضامنها واقتصادها وتطورها وبذلها وعطائها وتنميتها الشاملة.. وذلك في أقوى وحدة عرفها التاريخ في جزيرة العرب في العصر الحديث.
هذه الدولة التي أطلق عليها المملكة العربية السعودية والتي تأتي امتداداً لدولتين عريقتين هما الدولة السعودية الأولى, والدولة السعودية الثانية والتي اتخذ حكامها من الشريعة الإسلامية ممثلة بالكتاب والسنة وسيرة سلف الأمة منهاجاً للحكم, ودستوراً للحياة, وأساساً للدعوة إلى الله, ومصدراً للقضاء والإفتاء, وتنفيذاً للحدود والعقوبات والتعزيرات, وتطبيقاً للعبادات والمعاملات.. يقول الملك عبد العزيز ـ رحمه الله -: «إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها, فلن يكون بعد اليوم سلطان إلا للشرع» .. نعم صدقت أيها الملك العظيم (لن يكون بعد اليوم سلطان إلا للشرع).
فمنذ التأسيس وهذه الدولة تسير بخطىً ثابتة واثقة, وفق خطط مرسومة, وتوجيهات سديدة راشدة, وأوامر سامية حكيمة, مصلحة الدين والعقيدة أصل لا يُعلى عليه.. وحب الوطن ومصلحة المواطن همّ وهاجس لا يساوم فيه.. وسياسة الباب المفتوح سنة حسنة لا يتنازل عنها, أو تزاحمها المشاغل, أو تحدّ منها كثرة الارتباطات, وضيق الأوقات.. ونصرة الحق والعدل, وتحقيق الأمن والسلام مطلب أساس، ومن ثم أثمر هذا النهج, اتحاداً وقوة وعزة ومنعة, وكسب احترام وتقدير الأمم، وأضحى بيتاً كبيراً لكل عربي ومسلم، وغدا رائداً في سياسته وحكمه وحنكة قادته سلفاً وخلفاً، وتحقق له في سنوات ليست بالكثيرة في عمر الدول ما لم يتحقق لغيره ممن سبقه تاريخاً وكياناً وتقدماً وحضارة، وذلك فضل من الله ومنة، حفظ الله فحفظه وصانه، وهتك ستر كل من عاداه, أو انتهك حرمته, أو حاول زعزعة أمنه, أو الاعتداء على حدوده، ورد عنه كيد كل عدوٍ ومرجف ومرهب وحاقد وحاسد ومتربص به الدوائر .. إنجازات وأعمال ونِعَمٌ, وخيرات تتوالى يشهد بها البعيد قبل القريب, والعدو قبل الصديق, والوافد والمقيم قبل المواطن.
وتمضي السنون وهي محملة بالأعمال السديدة, والإنجازات العظيمة, والمقدرات الكبيرة.. وما من سنة تمضي إلا والتي تليها خير منها ربّـانها وروّادهـا بعد المؤسس العظيم أبناؤه الملوك الأفذاذ.. لا سيما حينما تولّى ملك الإنسانية مقاليد الحكم لهذه الدولة المباركة حيث رسَّخ مسيرة هذا الكيان, ودفع عجلة البناء والحضارة فيه, وقفز به إلى مصاف الدول المتقدمة صناعياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً وتعليمياً وصحياً.. فهذه إنجازاته ومعطياته منارات تعلُو, وصور مجسمة تضيء, ونجاحات تتوالى سواء كان لشخصه العظيم, أو بأعماله وما تحقق للوطن خلال سنوات حكمه العامرة من رقي وتقدم وتنمية ومدنية وتطور.. أو بقراراته وتوجيهاته السديدة الحازمة والحاسمة والتاريخية .. التي يهدف من خلالها إلى مصلحة الدين والوطن والمواطن .. خمس سنوات أو تزيد مشرقة مضيئة مرت على هذه الدولة .. حملت بين جنباتها سحباً من الغيث هتان .. مرت سريعاً كلمح البصر أو أقل, تحدثت عن نفسها.. وها نحن نعيش عامها السادس, ونتفيأ ظلاله.. فعن ماذا يا ترى أتحدث؟
هل أتحدث عن جهوده الدينية والدعوية والتوعوية وترسيخ المعتقد الحق, وتطبيق أحكام الإسلام والشرع المطهر في شؤون الحياة كلها لا سيما في حق كل معتد ومجرم ومخالف ومرهب ومتستر ومؤو ومؤلب وجانٍ ..
أو أتحدث عن تبنيه للحوار ودعوته إليه وفتح مجالاته وفق أصوله وضوابطه الشرعية والنظامية، ودعمه وتشريفه لملتقى حوار الأديان العالمي، والذي وجد تفاعلاً عالمياً, وعمّت أصداؤه أرجاء المعمورة. أو أتحدث عن اهتمامه بالتعليم بشقيه العام والعالي وتطويره وتوسيع دائرته أفقياً ورأسياً كمّاً ونوعاً، وإنهاء عصر المدارس المؤجرة, وازدياد عدد الجامعات، ودخول المملكة عصر التعليم الإلكتروني والتعاملات الإلكترونية، واحتلال المملكة المرتبة الثامنة عالمياً في مجال الإنفاق على التعليم وتطوره وإنمائه والبحث العلمي. أو أتحدث عن الابتعاث وما له من إيجابيات ومحاسن، وإتاحة الفرصة لأبناء الوطن وبناته للنهل من معين العلوم المختلفة في مختلف الدول المتقدمة. أو أتحدث عن تطوير القضاء والارتقاء به وتأهيل منسوبيه وما رصد لذلك من مبالغ باهظة وأموال كبيرة، وما لذلك من آثار إيجابية على البلاد والعباد عاجلاً وآجلاً.
أو أتحدث عن الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وما تحظى به من خدمات متميزة شاملة وبإشراف مباشر من لدن هذا الملك العظيم, وما اختصت به من مشروعات عملاقة ضخمة أثلجت صدر كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها كتوسعة المسعى وقطار المشاعر, وتشييد جسر الجمرات الذي يعدّ من عجائب الدنيا السّبـع ـ هكذا أراه. أو أتحدث عن تلك الجامعة التقنية العالمية الرائدة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وما أحدثته من صدىً إعلامي عالمي واسع وما يؤمل منها من ثمار يانعة، تخدم هذا الوطن وغيره في مجال البحوث وتقنية المعلومات.
هل أتحدث عن مدن اقتصادية رائدة في غرب المملكة وشرقها ووسطها وشمالها وجنوبها، أو أتحدث عن محاربته للفساد أياً كان مصدره ونوعه سواء كان مالياً أو إدارياً.. وردعه للظلم بشتى صوره وأشكاله، أم أتحدث عن دعمه للسياحة الداخلية واهتمامه بتراث هذا الوطن وحضارته وتاريخه المجيد.
هل أتحدث عن رعايته وعنايته بحقوق الإنسان كما رعاها الإسلام ومجّدها الشرع المطهر، أم أتحدث عن عنايته ورعايته بالفقراء والمساكين والنازحين وعطفه عليهم, وتأمينه لاحتياجاتهم من المأكل والمشرب والمسكن والدواء والمأوى، وإنشاء المدن السكنية الراقية لهم، ودعمه للضمان الاجتماعي، وزيارته للمرضى والمصابين وتسليته للمكلومين، وإسهامه في عتق رقاب من استحق عليهم القصاص من الجناة والمعتدين.
هل أتحدث عن دعمه للأمن في كافة قطاعاته ووحداته, وحرصه على استتبابه والضرب بيد من حديد على كل عابث بأمن هذا الوطن ومقدراته ومكتسباته، ومحاربته للإفساد والإرهاب, وتجفيف منابعه، أم أتحدث عن دعوته للوحدة والاتحاد ونبذ الفرقة والخلاف والاختلاف ولزوم الجماعة.. ورفع شعار الالتفاف حول ولاة أمر هذا الوطن, وجعل مصلحته فوق أي اعتبار من قومية أو عنصرية أو قبلية أو مذهبية أو طائفية، واحتوائه لكل طوائف الشعب. أو أتحدث عن اعتزازه بجنودنا البواسل في مختلف مواقعهم وثكناتهم, وتكريمه لشهداء الواجب منهم, وعطفه ورعايته لأسرهم، ودعمه المادي والمعنوي لهم. أو أتحدث عن فتح الباب للاستثمار الخارجي وفق ضوابط محددة أعادت الأموال المهاجرة للوطن, ورسخت الثقة به.
هل أتحدث عن عنايته بالمرأة ورعايته لها واهتمامه بشؤونها، وإنشاء وتشييد المدن التعليمية من أجلها, والرفع من مكانتها, وفق ضوابط الإسلام وقيمه, وعادات المجتمع وتقاليده. أو أتحدث عن حرصه على بناء الإنسان وتأهيله بالعلم والمعرفة, واهتمامه بالبنية التحتية لهذا الوطن ودعم مشروعاته ومكتسباته المادية والبشرية, والتخطيط المستقبلي السليم والرشيد للاستفادة المثلى من خيراته وثرواته. أو أتحدث عن قراراته التاريخية الصارمة والحاسمة التي أتت في موضعها وفي وقتها المناسب, ومنها ذلك القرار التاريخي الحكيم المتعلق بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء وعلى رأسهم سماحة المفتي العام للمملكة وأعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء ومن يراه سماحته ويرشحه بالرفع عنه للمقام السامي الكريم. هذا القرار الذي جاء كالسيف القاطع والشهاب الثاقب الملجم لكل من يتعدى على مؤسساتنا الدينية ومرجعياتنا العلمية والفقهية وعلمائنا الأجلاء الموثوقين لينال من وحدتنا ويزرع بذور الخلاف والفرقة بيننا, متذرعاً بالدين, ومتلبساً بلباس المتقين, ومتسلحاً بسلاح العلم الشرعي المبين, متخذاً من الفتوى زاده وقوته لذلك،أو يتخذ من منابر الجمع وغيرها من مواقع الإنترنت فرصة للخوض في أمور هي من مهمات الدين, ومن خصائص أهل العلم الأكابر المنصوبين.
أو أتحدث عن إغاثته للمنكوبين, وإسراعه في تقديم الدعم المادي والمعنوي للمتضررين من الكوارث والجوائح والفيضانات في باكستان وإندونيسيا وتشاد والسنغال والسودان وهاييتي وغيرها.. أو أتحدث عن أمره الكريم أيده الله بإنشاء مؤسسة خيرية عالمية تحمل اسم (خادم الحرمين الشريفين) للأعمال الخيرية والإنسانية, تهدف إلى خدمة الدين والوطن والأمة والإنسانية جمعاء, ونشر التسامح والسلام وتحقيق الرفاهية وتطوير العلوم. أو أتحدث عن ازدهار اقتصادي محلي رغم تلك الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية .. حتى إن الميزانية في عهده الزاهر حققت أعلى رقم مالي في تاريخ المملكة هذا العام.
ما ذكرناه ليس إلا غيضاً من فيض من سيرة هذا الملك الفذ العظيم ملك الإنسانية التي عاشت وتعيش المملكة في عهده الميمون أبهى صورها, وأزهى أيامها، هي محل ثناء وتقدير العالم أجمع، يعيش فيها الكل بأمن وأمان وسلام واطمئنان, وعيش رغيد, ونعم وافرة, وخيرات متنوعة، تقر بها الأعين, وتهنأ النفوس, وتنشرح الصدور, وتعتز بها الأفئدة والقلوب، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم دستورها, والفيصل في أحكامها، وسيرة سلف هذه الأمة الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، منهج حياتها, وسلوك أفرادها، أخذت بأسباب النصر والتمكين فمكّن الله لها.
من هذا المنطلق الشرعي السديد, والسياسة الحكيمة الصافية المبنية على ثوابت راسخة, وأسس قوية متينة اندفعت عجلة البناء, وتسارعت مسيرة التنمية والعطاء، في ظل ولاة أمر أوفياء, وقادة حكماء, وحكام حنكاء, وخلفاء نصحاء, ووحدة تُغِيظ الأعداء, وتماسك يُفرِحُ الأصدقاء، ووطنية تُبهر النجباء، يجب على كل مواطن أن يجسدها واقعاً ملموساً في كل وقت وحين لا مجرد شعارات ترفع فحسب في أيام معدودة أو مناسبات معينة ثم تنسى أو تتجاهل من غير ما أثر فاعل محسوس, أو تطبيق ملموس، أو يتغنى بها ظاهراً, وتهدم في الباطن أو من خلال الواقع والتصرفات، نحن في مرحلة تحتاج منا إلى استثمار كل دقيقة من أوقاتنا, وإلى أن نشمّر جادين إلى التوكيد على حب الوطن وتنمية شعور الانتماء إليه قولاً وفعلاً وتصرفاً وسلُوكاً، كل في مجاله, وحسب تخصصه، وبغض النظر عن جنسه أو عمره أو ثقافته.
هذا هو وطني، وطن الشموخ والإباء, والتضحية والفداء، موطن الحرمين، ومهوى القلوب, ومأرز الإيمان، ومملكة الإنسانية، قصص من التاريخ خالدة، وحضارة وارفة، وجامعة في الحكم والإدارة، ونهضة شاملة، وعجلة تنمية سائرة، وهمم رجال عالية، ومنارات علم شامخة، وإنجازات شاخصة، يقود لواءه ملك مسدد رشيد, وولي عهد أمين, ونائب ثانٍ معين.
بعد هذا أليس من الواجب علينا محبته والإخلاص له ومحبة ولاته والدعاء لهم في السر والعلن, والاعتزاز به وحمايته والدفاع عنه, والموت دونه، والعمل على رقيه وتقدمه وتنميته، والحفاظ على حرماته وممتلكاته، وترسيخ وحدته وتماسكه وائتلافه، وتحقيق أمنه وسلامته واستقراره وراحته؟ نقول بلسان حالنا ومقالنا (نعم).
أسأل الله أن يحفظ هذا الوطن آمناً مطمئناً، وأن يحفظ ولاة أمره وقادته وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, وولي عهده الأمير سلطان بن عبد العزيز, والنائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز ـ حفظهم الله تعالى- وأعضاء حكومتهم الرشيدة، داعياً الله أن يعيد هذه المناسبة الوطنية الغالية ووطننا وولاة أمرنا يرفلون بأثواب الصحة والعافية والسعادة، فكلمات الثناء في حقهم خجلى أمام عطاءاتهم الكبرى, وإنجازاتهم العظمى.