بلد واحد ونظامان .. هونج كونج ومأساة رهائن مانيلا

سلطت عملية احتجاز رهائن مانيلا التي أسفرت عن مقتل ثمانية من المقيمين في هونج كونج الضوء على تلك الحالة الغامضة في المستعمرة البريطانية السابقة التي هي الآن ضمن السيادة الصينية، وفق مفهوم ''بلد واحد ونظامان''. ووفقاً للقانون الأساسي، فإن دستور هونج كونج الذي قام بتفعيله البرلمان الصيني، فإن هونج كونج تتمتع بدرجة عالية من الاستقلال الذاتي، بينما تظل الحكومة المركزية في بكين مسؤولة عن الدفاع، وكذلك الشؤون الخارجية. غير أنه حتى حين يتعلق الأمر بالشؤون الخارجية، يسمح لهونج كونج بإقامة، وتطوير، علاقات اقتصادية، وتجارية، ومالية، ونقدية، وكذلك في مجالات النقل البحري، والاتصالات، والسياحة، والثقافة، والرياضة، مع البلدان الأخرى. ويضاف إلى كل ذلك. أن هونج كونج عضو في منظمة التجارة العالمية، حيث نالت هذه العضوية قبل الصين، كما أنها عضو في منتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا الباسيفيكية، وكذلك في بنك التنمية الآسيوي.
وهكذا، فإن الرئيس التنفيذي لهونج كونج، غالباً ما يعامل معاملة رؤساء الدول. غير أنه حين تم احتجاز 15 شخصاً من المقيمين في هونج كونج كرهائن في مانيلا في 23 من آب (أغسطس)، من جانب الشرطي المطرود من عمله، رونالدو مندوزا، فإن الرئيس التنفيذي لهونج كونج، دونالد تسانج، لم يستطع حتى الاتصال الهاتفي مع الرئيس الفلبيني، أكينو. وقد أراد الرئيس التنفيذي حث رئيس الفلبين على منح الأولوية لسلامة الرهائن، إلا أنه لم يتمكن من ذلك. ولقد شبه أكينو، رئيس هونج كونج التنفيذي في مؤتمر صحافي عقده في التاسع من الشهر الحالي بالحاكم الإقليمي، وقال ''إذا كان حاكم أحد الأقاليم في الفلبين قد طلب، على نحو مفاجئ، التحدث مع الرئيس أوباما، أو الرئيس هو جنتاو، فلن يسمح له بذلك''. وأضاف كذلك أنه تلقى رسالة من هون كونج وصفها بأنها مهينة، وقال إنه لن يرد عليها.
وبينما لم يتم الكشف عن مضمون تلك الرسالة، فإن كبير الأمناء، هنري تانج، قال حين التقى في المطار الناجين من ذلك الحادث''. إن الحكومة خططت للاتصال بالحكومة الفلبينية من خلال وزارة الشؤون الخارجية في الحكومة المركزية في بكين التي لا بد من إدخالها على خط مثل هذا النوع من التحقيقات''. وقد اعتبر الرئيس الفلبيني محتوى الرسالة مهيناً ''لأنه يملي علينا، بكل تفصيل، ما يفترض أن نقوم به''.
مع ذلك، فإن تلك التفاصيل التي ربما يكون فيها شيء من الإهانة، كانت ضرورية للغاية. ولم تقم الشرطة في الفلبين بواجباتها، بل إن رقم هاتف المختطف الذي أعطي للمسؤولين في هونج كونج، كان يفترض أنه رقم أحد الرهائن. وكانت حكومة بكين المركزية مؤيدة تماماً لهونج كونج، حيث قام الرئيس الصيني، ورئيس الوزراء، ونائب الرئيس، بكتابة رسالة للرئيسة التنفيذية لهونج كونج لتعزيته بضحايا هذه المأساة.
أصرت الصين كذلك على موقف متشدد، حيث تقوم حكومة الفلبين ''بتحقيق مستقل ونزيه''، كما أن حكومة بكين رفضت استقبال عدد من كبار المسؤولين الفلبينيين، وكان من بينهم نائب الرئيس، بيناي، ووزير الخارجية رومولو، بانتظار اكتمال تقرير التحقيق المطلوب. والأكثر من ذلك، هو أنه حين اكتشفت بكين أن المختطف، مندوزا، سيدفن بكامل زيه العسكري، ويلف التابوت بعلم البلاد، قدمت احتجاجاً شديد اللهجة، وبالتالي قررت الحكومة عدم لف التابوت بالعلم الوطني.
لا تنظر الصين إلى محاولة الرئيس التنفيذي الاتصال برئيس الفلبين على أساس أنه إجراء غير ملائم. غير أن مسؤولاً صينياً رفيع المستوى قال إنه كان من الأنسب لو أن الرئيس التنفيذي تصرف من خلال وزارة الخارجية في بكين التي كان يمكن لها أن تشير على الحكومة الفلبينية بقبول مثل ذلك الاتصال.
غير أنه حتى لو لم يكن هنالك عائق رسمي وقانوني أمام اتصال الرئيس التنفيذي لهونج كونج بزعماء البلدان الأخرى، إلا أن هناك مشكلات عملية. ولدى وزارة خارجية الصين عدة مئات من البعثات الدبلوماسية حول العالم، حيث يمكن لسلطات هونج كونج اللجوء إليها في حالات الطوارئ. وإن معظم سكان هونج كونج هم من أصول صينية، كما تشعر الحكومة في بكين بأنها ملزمة بحمايتهم.
لا تمتلك هونج كونج بحد ذاتها مثل هذه الإمكانيات، حيث لديها مكاتب اقتصادية وتجارية في نحو عشرة بلدان حول العالم. كما أن واحداً منها يقع في جنوب شرق آسيا، وذلك في سنغافورة. وهكذا فإن الواقع العملي يقول إنه ليس أمام هونج كونج من خيارات متعددة سوى العمل من خلال وزارة الخارجية الصينية ذات الإمكانيات التي يمكن توظيفها في الحالات الطارئة. ولكن يجب النظر إلى الرئيس التنفيذي كممثل لهونج كونج. ويمكنه العمل عبر وزارة الخارجية الصينية، ولكنه في النهاية الشخص المسؤول عن سكان هونج كونج. وهذا ما يجب أن يعنيه شعار '' بلد واحد ونظامان'' من الناحية العملية.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي