فائض مالي ضخم في الكويت
كما كان متوقعا حققت ميزانية الكويت للسنة المالية 2009 ـــ 2010 المنتهية في آذار (مارس)، فائضا مريحا بسبب تعزيز الإيرادات النفطية، فضلا عن تراجع النفقات الفعلية.
في التفاصيل، بلغت قيمة الإيرادات والنفقات العامة 61.5 مليار دولار و39.1 مليار دولار على التوالي, الأمر الذي أفسح المجال أمام تحقيق فائض قدره 22.4 مليار دولار. يعد حجم الفائض للسنة المالية 2009 ــ 2010 ثالث أكبر فائض في تاريخ الميزانيات العامة للكويت, فقد تم تسجيل فائض قدره 32.3 مليار دولار في السنة المالية 2007 ــ 2008 وآخر قدره 24 مليار دولار في السنة المالية 2005 ــ 2006.
مالية محافظة
كانت السلطات الكويتية قد أعدت ميزانية السنة المالية 2009 ـــ 2010 بافتراض متوسط متدن بشكل نوعي قدره 35 دولارا للبرميل. من المؤكد فرضت تداعيات الأزمة المالية العالمية نفسها على هذا الخيار على خلفية انخفاض أسعار النفط لأقل من 40 دولارا للبرميل في الربع الأول من 2009 مقارنة بـ 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) من عام 2008. من جملة الأمور السلبية، تسببت الأزمة المالية ومردها معضلة الرهن العقاري في الولايات المتحدة في تراجع الثقة بالاقتصاد العالمي.
لكن يعتقد أن السلطات الحكومية تعمدت تبني رقم محافظ لمتوسط سعر النفط, وبالتالي مستوى الإيرادات للسنة المالية 2009 ــ 2010 لهدف آخر، وتحديدا وضع حد لمطالبات أعضاء مجلس الأمة بزيادة رواتب موظفي القطاع العام. تتمثل المطالب الاعتيادية لأعضاء المجلس التشريعي بزيادة الرواتب في إطار إعادة توزيع الثروة في البلاد بين المواطنين. يشار إلى أن نحو 92 في المائة من العمالة الوطنية في الكويت تعمل في المؤسسات التابعة للدولة.
العائدات النفطية
افترضت الميزانية عائدات نفطية بقيمة 24.1 مليار دولار، لكنها ارتفعت مع إغلاق الحسابات إلى 57.6 مليار دولار, ما يعني عمليا حدوث تغير مادي. وعلى هذا الأساس شكلت الإيرادات النفطية أكثر من 88 في المائة من دخل الخزانة العامة للسنة المالية 2009 ــ 2010. تؤكد الأرقام الفعلية للسنة المالية الماضية أن الخزانة العامة للكويت تعتمد بشكل مبالغ فيه على الإيرادات النفطية, الأمر الذي يجعل السياسة المالية العامة للدولة تحت رحمة التطورات في القطاع النفطي.
حقيقة القول، تعتبر الخزانة العامة في الكويت الأكثر اعتمادا على النفط بين شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يشكل الدخل النفطي نحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة في البحرين, إضافة إلى ذلك، تتكون الإيرادات الأخرى من العائد على الاستثمارات، فضلا عن مبيعات الحكومة من السلع والخدمات والتعرفة المفروضة على الواردات.
تراجع النفقات
الغريب في الأمر تحاشي السلطات تنفيذ النفقات المنصوص عليها في الميزانية العامة، مع أن الفرصة كانت مواتية لزيادة المصروفات نظرا لتعزيز الإيرادات. عموما، بلغت النفقات الفعلية 39.1 مليار دولار مقارنة بـ 42.1 مليار دولار في الميزانية التقديرية. وربما كان من الأجدى المحافظة على النفقات العامة على أقل تقدير نظرا لأهميتها النسبية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية وفي ظل غياب تهديد فعلي لمتغير التضخم.
وكما تبيّن آثرت السلطات تسجيل فائض كبير نسبيا بدل الصرف. وبعد إضافة الفائض المالي للسنة المالية يرتفع المجموع التراكمي للفوائض المالية التي تحققت في 11 عاما إلى نحو 145 مليار دولار. يزيد هذا الرقم بنحو الربع عن حجم الناتج المحلي الإجمالي للكويت, فضلا عن عدة مرات على قيمة الميزانية العامة.
بيد أنه ليس من الصواب تبني رقم متحفظ جدا للنفط لأنه يحد من فاعلية المالية العامة في إدارة دفة النشاط الاقتصادي, وبالتالي حرمان الجهات المسؤولة من التخطيط السليم للمشاريع. تعد نفقات الدولة حيوية في الكويت كونها تشكل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. فحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للكويت نحو 115 مليار دولار في عام 2009.
تنويع مصادر الدخل
في كل الأحوال، المطلوب من الجهات الرسمية توظيف الفوائض النفطية لتحقيق هدف استراتيجي وهو تنويع اقتصادها بعيدا عن القطاع النفطي عبر تنفيذ استثمارات في قطاعات استراتيجية مثل الصناعة. بل هناك حاجة إلى الإسراع في تنفيذ برنامج الخصخصة, الذي يرتكز على تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي عن طريق بيع بعض المؤسسات المملوكة للقطاع العام. لا شك أنه ليس من الواقعي استمرار اعتماد أكثر من 90 في المائة من المواطنين على الوظائف الحكومية في ظل النمو السكاني المقدر بنحو 3 في المائة.
تتميز الكويت باقتطاع 10 في المائة من إيرادات الخزانة العامة للدولة لصندوق خاص للأجيال القادمة. يهدف هذا البرنامج إلى ضمان حصول الأجيال القادمة على حقهم من خيرات البلاد, وهي سياسية جديرة بالاتباع. يعد هذا في حد ذاته دليلا على تبني الكويت سياسة مالية عامة تحد من المصروفات.
كما هو الحال مع قطر، تبدأ السنة المالية في الكويت في نيسان (أبريل) وتنتهي في آذار (مارس) وليس مع بداية السنة الميلادية ونهايتها, ما يعد دليلا آخر على تبني سياسية مالية محافظة.