جولة الملك عبد الله .. وأهمية التنسيق السعودي ـــ السوري
تكتسي الزيارة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى العاصمة السورية دمشق، بوصفها المحطة الثانية في إطار الجولة العربية التي قام بها إلى أربع عواصم عربية خلال ثلاثة أيام، أهمية خاصة، نظراً لأهمية التنسيق والتفاهم السعودي ـــ السوري وتأثيره في أوضاع وملفات المنطقة، ولما يملكه البلدان من حضور سياسي مؤثر في المشهد العربي والإقليمي، خصوصاً أن هذه الجولة تأتي في ظل هذا المشهد المعقد والمتوتر في المنطقة، وتؤكد على السعي الحثيث لدى الملك عبد الله شخصياً في تنشيط روح المصالحة التي أطلقها في قمة الكويت الاقتصادية.
#2#
كما تكتسي الزيارة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد معاً إلى بيروت رمزيتها وتأثيرها الخاص، بالنظر إلى الظرف السياسي الذي يعصف بلبنان، على خلفية تصاعد وتيرة الحديث عن دور المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق، وظهور تسريبات من المحكمة، تفيد بأنّ الاتهام سيوجّه إلى أعضاء في "حزب الله" بالمشاركة في تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال في 14 من شباط (فبراير) عام 2005، وما يعنيه ذلك من خلط جديد للأوراق في الساحة اللبنانية، التي لا تحتمل مزيدا من التوتر والاضطراب، كونها لا تزال تعاني من أثقال تراكمات الشحن الطائفي، البغيض، الذي ما زال يمارس فعله الطارد لكل فسحة استقرار في هذا البلد، ويضرب أحلام ناسه في العيش المشترك والطمأنينة، وبالتالي تقدم زيارة الزعيمين العربيين إلى بيروت، في هذه الظروف، حافزاً لجميع الساسة والزعماء اللبنانيين، كي يثبتوا حسن نواياهم حيال التعامل مع الملفات العالقة، التي تهم لبنان واللبنانيين، والتي لم تجد طريقها إلى الحلّ حتى يومنا هذا، وذلك باعتماد لغة الحوار والتفاهم، والابتعاد عن لغة التهديد والوعيد والتخوين.
ولا شك في أن الزيارة المشتركة للملك عبد الله والرئيس بشار الأسد إلى بيروت دليل على التوافق السعودي ـــ السوري حيال لبنان، الذي يعني في النهاية تقديم مددٍ من الاستقرار إلى لبنان، لكن بالقدر ذاته يلقي بالمسؤولية الكبرى على مختلف ألوان الطيف السياسي اللبناني، سواء في الحكومة أو في المعارضة، من أجل التوافق والقطع مع نهج التوتير والاضطراب.
#4#
وشكلت القمة الثلاثية في بيروت، التي جمعت الملك عبد الله والرئيس بشار الأسد والرئيس سليمان دليلاً على تعامل كل من السعودية وسورية مع الدولة اللبنانية، كمؤسسة حاضنة لجميع اللبنانيين، وممثلة للتوافق والتعايش اللبناني، خاصة أن الرياض ودمشق هما الراعيان الأساسيان لاتفاق الطائف، الذي أنهى مأساة الحرب اللبنانية، وأرسى دعائم التفاهم بين المكونات السياسية اللبنانية، وبالتالي، فإن القمة الثلاثية تؤكد مرة جديدة على تثبيت هذا الاتفاق.
وقد سبق هذه القمة، عودة العلاقة بين سورية ولبنان وتناميها مع الدولة اللبنانية، وليس مع بعض الفرقاء كما كان يتم في السابق، وأثمرت العودة عن زيارات عدة لسعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني، وتوقيع 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع الدولة اللبنانية في زيارته الأخيرة لدمشق.
ويعلم الجميع أن السعودية، رعت منذ البداية، عودة العلاقات السورية ـــ اللبنانية، وشجعت على تناميها وتطويرها، الأمر الذي يدعم استقرار لبنان، خصوصاً أن التركيبة اللبنانية قائمة على توازنات داخلية وفق صيغة دقيقة، بقيت معرضة لاهتزاز في غالب الأحيان، نظراً لعدم التنفيذ والتطبيق لاتفاق الطائف.
#3#
وتعرض الاتفاق للتشكيك في عدة مراحل، نتيجة الأزمة السياسية التي عصفت بلبنان منذ عام 2005، ودعت بعض الأطراف إلى تعديل صيغة الاتفاق، لكن الأمر برسم التفاهم الداخلي اللبناني، بغية دعم أسس استقرار البلد، حيث يشكل اتفاق الطائف وثيقة لهذا الاستقرار، ومانعاً لأي إخلال بالتوازنات اللبنانية.
غير أن الملف اللبناني لا يرمي بثقله وحده على جولة الملك عبد الله، بل هناك ملف العلاقات العربية ـــ العربية، وخصوصاً إمكانات عودة العلاقات السورية ـــ المصرية إلى طبيعتها، وعودة الروح إلى المثلث السعودي ـــ السوري ـــ المصري، والتي من المرحج أن يكون قد بحثها خادم الحرمين مع الرئيس المصري حسني مبارك، قبل قدومه إلى دمشق.
وعليه أكد الملك عبد الله والرئيس الأسد، من دمشق، أن الوضع العربي الراهن والتحديات التي تواجه العرب، ولا سيما في فلسطين المحتلة، يتطلب من الجميع مضاعفة الجهود للارتقاء بالعلاقات العربية ـــ العربية والبحث عن آليات عمل تعزز التضامن وتدعم العمل العربي المشترك، وضرورة تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، كضامن أساسي لحقوق الشعب الفلسطيني، وأشادا بالمواقف المشرفة التي اتخذتها تركيا لنصرة الفلسطينيين وكسر الحصار اللاإنساني المفروض على قطاع غزة.
واعتبرا أنه من الضروري تشكيل حكومة وطنية عراقية في أسرع وقت ممكن، تضمن مشاركة جميع الأطياف السياسية وتحفظ عروبة العراق وأمنه واستقراره.
وهناك الوضع الفلسطيني، والمفاوضات الفلسطينية ـــ الإسرائيلية، حيث تسعى حكومة بنيامين نتانياهو إلى استبعاد أية مفاوضات جدية، وتستمر في فرض وقائع جديدة على الأرض الفلسطينية، مع انسداد أفق التفاوض الذي يطرح أسئلة حول مستقبل السلطة الفلسطينية، حيث إن انهيارها سيقدم ـــ في حال حدوثه ـــ ذريعة تتمناها إسرائيل كي تعلن عدم وجود محاور مقبول عربياً ودولياً.
وتعيش الإدارة الأمريكية مأزقا تبدو معه غير قادرة على اتخاذ القرارات التي تلزم بها الحكومة الإسرائيلية حيال المفاوضات مع الفلسطينيين، وبما يفضي إلى حل الدولتين.
وفي الوضع العراقي، ما زالت إدارة باراك أوباما متمسكة بالمواعيد التي حددتها للانسحاب من العراق، في حين أن المشهد العراقي كارثي ومفجع، حيث إن القوى السياسية ما زالت عاجزة عن تشكيل حكومة بعد الانتخابات النيابية، الأمر الذي يترجم في مزيد من التفجيرات ومزيد من الدمار الذي يعصف بهذا البلد.
ويبدو أن الانتخابات الأخيرة لم تنقذ العراق من ورطته، كما تمنى العراقيون، بل زادها تمسك المالكي برئاسة الوزراء، حيث شكّل الاختلاف على تشكيل حكومة، بعد مرور أكثر من أربعة أشهر، ظاهرة على انتفاء المشترك والقاسم بين القوى السياسية العراقية.
وفي الجانب الإيراني، تلقي تعقيدات أزمة الملف النووي الإيراني بثقلها، بعد تبني الاتحاد الأوروبي جملة من العقوبات ضد إيران، حيث يشير تصاعد وتيرة الانتقادات المتبادلة بين روسيا وإيران إلى أن السياسة الإيرانية تدفع إيران نحو عزلة دولية متزايدة، ويدفعها ذلك إلى الرد في أفغانستان والعراق، وربما قد تدفعها العقوبات والعزلة إلى الرد في لبنان.
وبالنظر إلى كل تعقيدات المشهدين العربي والإقليمي، فإن مهمة الملك عبد الله بن عبد العزيز في جولته العربية ليست سهلة بكل تأكيد، لكنه يمتلك أوراقاً عديدة، أهمها ثقل المملكة العربية السعودية، ورصيدها على المستويات العربية والإسلامية والدولية، والإحساس العربي العام بخطورة المشهد، الذي قد ينفتح على احتمالات خطيرة، إضافة إلى الرصيد الشخصي للملك عبد الله والثقة به التي يقدرها الزعماء الذين التقى بهم في جولته.