خادم الحرمين.. قيادة استراتيجية ودبلوماسية عربية فاعلة
عندما قام خادم الحرمين الشريفين بزيارته إلى الأردن قبل سنوات قليلة تعامل كل الأردن قيادة وشعبا مع تلك الزيارة بصدق وعفوية وفرح عربي حقيقي لاتحظى به أي زيارة أخرى، فالسعودية ليس بلدا شقيقا أو جارا عزيزا فحسب، بل هو تلك الحالة العربية الصادقة التي تقف دائما إلى جانب الأردن في كل المراحل.
والقيادة السعودية اليوم في نظر الأردن وأهله قيادة لرؤية عربية في التعامل مع مشكلات الأمة المعقدة في فلسطين والعراق والعلاقة مع إيران وكل الملفات التي تعانيها الأمة وتواجهها، وهذه الرؤية قائمة على الواقعية والتمسك بالحقوق بعيدا عن المزايدة والضجيج السياسي والإعلامي وافتعال البطولات الوهمية.
والعلاقات الأردنية - السعودية خلال العقد الأخير مثلا تشهد توافقا بل تطابقا في التعامل مع كل القضايا والملفات العربية والإقليمية، وحالة التنسيق والتفاعل بين قيادتي البلدين تعيش مرحلة ذهبية، وهو تنسيق يتجاوز الشكليات والبروتوكولات إلى وجود فهم مشترك للقضايا وتبني مواقف موحدة ليست في داخل الإطار العربي فقط بل في التواصل الدولي واللقاءات التي يقوم بها زعيما البلدين مع قادة العالم وعواصم صنع القرار في العالم.
والتداخل الإيجابي بين الأردن والسعودية فيه من التفاصيل الكثير مما لايدركه الكثيرون، فالبلدان الشقيقان تربط بينهما وشائق قربى وعلاقات اجتماعية راسخة وحدود طويلة تفرض تحديات أمنية وتعاونا يتجاوز الأعمال الإدارية إلى الحرص العربي الجاد من كل طرف على حماية الآخر، وهنالك تحديات فرضتها الحرب على الإرهاب والتطرف، الذي أصبح عابرا للدول ومصدر قلق للأمن الدولي، ومما أسهم في تعاون جاد ومثمر وجود الرؤية الفكرية والسياسية المشتركة التي تحدد آليات مواجهة الإرهاب والتطرف، وتعد السعودية والأردن من الدول المتقدمة في مواجهة الفكر المتطرف وأعماله العدوانية.
وهنالك تحدي الحرب على المخدرات ومحاولات التهريب والاتجار بها، وبعض وجودها يأتي في إطار الحرب السياسية والأمنية، وربما لا يعلم كثيرون الجهود الكبيرة التي يبذلها البلدان الشقيقان في الحرب على تجار السموم، وعلى آلة قتل المجتمعات وإزهاق شبابها في العبث واللامبالاة والضياع، وهذا ملف كبير يمثل واحدا من الأجندات المشتركة بين البلدين.
وإذا انتقلنا من الأمن إلى الاقتصاد فإن الأردن واحد من المقاصد الرئيسة للمواطن والأسرة السعودية لغايات السياحة وقضاء الإجازات العائلية نظرا لتقارب العادات والتقاليد والثقافة، فالأردن بما يحمله من عوامل المحافظة والأمن يعد بلدا مناسبا للسياحة العائلية التي تتناسب مع قيم المجتمع السعودي والعربي، وهذا الأمر ليس اقتصادا وسياحة فحسب، بل تواصل وتداخل بين الأشقاء في البلدين الشقيقين مثلما يتواصل الأردني مع المجتمع السعودي في مواسم الحج والعمرة التي تتواصل دون انقطاع خلال أشهر العام.
وإذا ذهبنا إلى تفاصيل أخرى في الملف الاقتصادي فإن الاستثمارات والمنتجات والسعودية تسجل اليوم حضورا متميزا في الأسواق الأردنية، وأصبحت حاضرة في الحياة اليومية للأردنيين وبديلا متميزا بأسعار معقولة وجودة عالية دخلت بيوت الأردنيين ووجدت لها كل القبول، مثلما يجد المواطن السعودي في أسواقه مواد ومنتجات أردنية اعتاد أن يجد فيها التميز والجودة.
ويذكر الأردنيون في زيارة خادم الحرمين الشريفين قبل أعوام ظهور مشروع كبير ومهم في مدينة الزرقاء على بعد نحو 20 كيلو مترا من العاصمة عمان يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين، وهو مدينة خادم الحرمين الشريفين السكنية، وهي أحد الشواهد الحية على عمق ورسوخ العلاقة وتنوع مجالاتها والتعاضد والعون بين البلدين الشقيقين.
واعتاد الأردنيون أن يستمعوا في خطابات ملكهم جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين أو في خطابات الحكومات إشادة كبيرة بالدعم الكبير الذي تلقاه الأردن من السعودية الشقيقة وقيادتها العربية، ودور هذا الدعم في تعزيز قدرات الأردن الاقتصادية ومواجهة المشكلات.
كل من يعلم تركيبة الساحة الأردنية يدرك ما تحتله العلاقة الأردنية - السعودية من مكانة في عقل وقلب أصحاب القرار الأردني، وهم على ثقة وبما تؤكده كل الشواهد أن ذات المكانة في نفس وقلب وعقل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومن المؤكد أن الزيارة التي ستتم هذا الأسبوع إلى عمان من قبل خادم الحرمين ستكون بالنسبة إلى الأردنيين حدثا عربيا ومحطة تعزيز لمسار إيجابي في العلاقة بين البلدين الشقيقين، وهي زيارة لها من القيمة بذات مكانة الضيف الكبير، كما أنها زيارة تأتي في ظل حالة من القلق والترقب الإقليمي واحتمالات تفجر الصراع من جديد على غرار حرب تموز 2006 لكنها هذه المرة بأجندات مختلفة وتصورات بعيدة المدى، وعليه تكون زيارة خادم الحرمين لدول المنطقة خطوة استراتيجية مهمة في توقيتها وفي مكانتها وسحباً للبساط من تحت أقدام الدعاية السياسية التي بدأ التحريض عليها الآن، فالمملكة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز جعلت من السعودية دولة محور رئيس للتوازن الاستراتيجي في المنطقة ومرتكزاً للاعتدال والعقلانية السياسية، وضامناً حقيقياً للأمن والنظام السياسي العربي.