إصدار جديد يرصد تاريخ المدن المنسية ويقترح لها مخططاً تنموياً متكاملاً
يسلط المؤرخ المعماري ناصر الرباط في كتابه "المدن الميتة.. دروس من ماضيها ورؤى لمستقبلها" الضوء على المجموعة العمرانية الريفية في شمال سورية بين حلب وأنطاكيا وحماة والتي تعد واحدة من أكثر النماذج وضوحاً على التلاقح الثقافي بين الأصول الشرقية من كنعانية وآرامية وفينيقية وغيرها مع الوافد الغربي من هلنيستي وروماني وبيزنطي.
واعتبر رباط في مقدمة كتابه الذي يقع في نحو 150 صفحة من القطع الصغير أن هذه المجموعة التي أطلق عليها اسم المدن الميتة هي في الحقيقة ليست مدناً بل قرى وليست ميتة تماماً وإن كانت قد قبعت منسية لقرون عدة قبل إعادة اكتشافها في القرن الثامن عشر.
وقال رباط.. إن هذه المجموعة المكونة من أكثر من ثمانمئة موقع منتشر على مساحة من الهضاب والتلال الجيرية تقارب الألفي كيلومتر مربع تحوي قرى ودساكر وكنائس وأديرة ومعابد ومدافن ومعاصر زيت وفنادق تعود في معظمها للفترة الواقعة بين بداية القرن الثالث ونهاية القرن الثامن الميلادي أي إنها تغطي الفترة الرومانية والبيزنطية والإسلامية الأموية ما يجعل هويتها سورية.
وعبر الفصول الثمانية التي وضعها لكتابه بحث رباط في المؤثرات مختلفة الأصول والمنابع والاتجاهات التي استطاع بناؤو هذه المجموعة العمرانية صياغتها بأشكال معمارية جديدة ومنفتحة وقابلة للتفاعل والنمو والتغير حيث أنتجوا عمارة متجانسة تمثل في أشكالها وزخرفاتها وإتقان نحت الحجر فيها إرهاصات عمارات لاحقة في سورية وحوض البحر الأبيض المتوسط تنسب عادة لثقافات أخرى بعيدة كل البعد عن شمالي سورية الريفية كعمارة الرومانسك في أوروبا وعمارة السلاجقة والزنكيين والأيوبيين في بلاد الشام والأناضول.
ولا يتوقف الباحث في كتابه عند إعادة النظر بتاريخ المدن الميتة بل يقدم أيضاً مخططاً متكاملاً لمشروع تنموي في هذه المنطقة التي تمثل ورقة جذب قوية في يد المستثمر السياحي الثقافي ولاسيما أن هذا المستثمر مهيأ معنوياً وفكرياً وعاطفياً للإعجاب بها والتماهي معها وتمثلها.
كما يقدم الباحث اقتراحات لما تحتاجه منطقة القرى المنسية لكي تستفيد من تاريخها العريق من خلال الاعتماد على الزراعة والصناعة الزراعية في آن واحد. وقد جاء الكتاب الصادر حديثاً عن دار الأوس للنشر بطبعة أنيقة وقالب طولاني ومدعم بصور وخرائط ملونة مزودة بشروح وتفاصيل تتعلق بالمدن المنسية.
يشار إلى أن مؤلف الكتاب الدكتور ناصر الرباط يشغل وظيفة أستاذ الآغا خان للعمارة الإسلامية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية وله بحوث عديدة في الدوريات والموسوعات المتخصصة.
وضع الرباط عدة كتب أهمها "ثقافة البناء وبناء الثقافة.. بحوث ومقالات في نقد وتاريخ العمارة" وهو حالياً بصدد نشر ثلاثة كتب عن الحقبة المملوكية في مصر وسورية وعن الموءرخ تقي الدين المقريزي ومجموعة مقالات تحت عنوان "النقد التزاماً.. نظرات في التاريخ والعروبة والعمارة".