حل وسط بخصوص «شيونان» .. تفعيل الدبلوماسية الصينية
تم التعامل مع النزاع المتعلق بإغراق قطعة بحرية كورية جنوبية في آذار (مارس) الماضي، من خلال بيان رئاسي نال تأييد جميع الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي. ونتيجة لذلك، نشأ لدينا وضع غريب، حيث رحبت كوريا الجنوبية التي هي الضحية في هذا الحادث بالبيان، كما رحبت به في الوقت ذاته كوريا الشمالية المتهمة بإغراق تلك القطعة البحرية. وأصبح هذا الأمر ممكناً بسبب حل وسط تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة التي هي حليفة لكوريا الجنوبية، والصين التي هي أبرز داعمي كوريا الشمالية. وتجنب البيان الإشارة إلى القضية المتعلقة بهوية الجهة التي قامت بإغراق القطعة البحرية، وذلك لأن الصين لم تكن موافقة على إدانة كوريا الشمالية. وبالتالي، فإن البيان أشار إلى وجهة نظر كوريا الجنوبية المستندة إلى تحقيق مفاده أن كوريا الشمالية هي التي أغرقت القطعة البحرية، كما أشار إلى إنكار الجانب الكوري الشمالي مسؤوليته عن ذلك.
وهكذا كان بإمكان الصين، والولايات المتحدة، أن تعملا معاً، حيث استطاع هذان البلدان احتواء الحادث، بينما كان كل منهما يتطلع إلى تحقيق مصالح حليفه. ومن الطبيعي أن الصين ليست في الجانب الكوري الشمالي تماماً، كما أنها لا تريد وقوع مثل هذه الهجمات على كوريا الجنوبية في المستقبل. وبالمثل تريد الولايات المتحدة، والصين ألاّ يتم تصعيد ما حدث. وهكذا فقد أثنى بيان مجلس الأمن الدولي على ضبط النفس الذي مارسته كوريا الجنوبية، كما أكد، مرة أخرى، على ضرورة ضمان الأمن والاستقرار في هذه المنطقة من العالم.
ومنذ أن كشفت كوريا الجنوبية عن نتائج تحقيقها في أيار (مايو)، كانت الصين، والولايات المتحدة على وعي بما يمكن أن يتسبب فيه حادث إغراق القطعة البحرية الكورية الجنوبية، شيونان، من عدم استقرار لهذه المنطقة.
وبينما كانت الولايات المتحدة داعمة للموقف الكوري الجنوبي، بما في ذلك تحويل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، فليس لها مصلحة كبيرة في السماح لهذه القضية بأن تتفجر، وتخرج عن الحجم المعقول لها.
كانت الصين غير متحمسة بصورة واضحة لقرار كوريا الجنوبية الخاص بتحويل القضية إلى مجلس الأمن الدولي، كما أنها دعت منذ اندلاع هذا النزاع، جميع البلدان إلى ممارسة ضبط النفس، والتفكير الملي ''بالمصالح الشاملة الخاصة بالسلام والاستقرار على شبه الجزيرة الكورية''. وما إن صدر البيان الرئاسي من جانب مجلس الأمن الدولي، حتى سارعت الصين إلى دعوة جميع الأطراف إلى ''طي صفحة هذا الحادث في أسرع وقت ممكن، وبذل جهود مشتركة للمحافظة على السلام، والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية''. وطبيعي كذلك أن لدى الولايات المتحدة اهتماماً بمسألة استئناف المحادثات السداسية بخصوص نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة هذه، كما أنها تدرك أن هنالك حاجة إلى فترة من التهدئة. وهناك أمر آخر يتمثل في أن كوريا الجنوبية تطالب بأن تعتذر كوريا الشمالية أولاً، وأن تثبت كذلك رغبتها في نزع سلاحها النووي قبل استئناف هذه المحادثات.
وإذا كان صدور البيان الرئاسي من جانب مجلس الأمن الدولي ينهي مشاركة المجلس في هذا النزاع، فإن التداعيات الناجمة عن الحادث ما زالت أبعد من أن تزول. ولقد رفضت كوريا الجنوبية اقتراحات كوريا الشمالية بأن تتم مناقشة هذا النزاع في محادثات ثنائية بين الطرفين، وأكدت أن حادث إغراق القطعة البحرية الكورية الجنوبية كان خرقاً لاتفاقية الهدنة بين البلدين التي تم توقيعها في عام 1953، وبالتالي فإنه لا بد من مناقشة هذا الأمر على مستوى لجنة الأمم المتحدة العسكرية الخاصة بالهدنة التي تتابع شؤون تلك الهدنة. وما يلفت الانتباه أن البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي دعا إلى ''التقيد الكامل ببنود اتفاقية الهدنة''، كما أنه شجع ''حل أي نزاع بين الكوريتين بالوسائل السلمية، وذلك لاستئناف الحوار والمحادثات من خلال القنوات المناسبة في أسرع وقت ممكن''.
هكذا يبدو أن مجلس الأمن الذي يضم في عضويته الولايات المتحدة، والصين، إضافة إلى دول أخرى، قد تبنى إجراء محادثات بين كوريا الشمالية، ولجنة الأمم المتحدة التي تقودها الولايات المتحدة. واستجابت كوريا الشمالية في التاسع من حزيران (يونيو)، أي يوم صدور البيان الرئاسي من جانب مجلس الأمن الدولي، بأن اقترحت إجراء محادثات تمهيدية خلال هذا الأسبوع. وتم بالفعل عقد جلسة أولى من هذه المحادثات، على أن تكون بمثابة تمهيد لمحادثات عسكرية على مستوى أعلى حول تبعات هذا الحادث. ومن المستبعد تماماً أن يكون توقيت هذا الاجتماع مجرد مصادفة.
إن كل ما تفيد به هذه التطورات هو أن هنالك تنسيقاً يتم خلف الكواليس بين الصين، والولايات المتحدة. ومن المحتمل كذلك أن يشمل التنسيق كوريا الشمالية. غير أن حادث القطعة البحرية ما زال مرشحاً لإحداث التوتر بين الصين من جانب، والولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية من جانب آخر. وتخطط كوريا الجنوبية لإجراء مناورات بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة في البحر الأصفر، وذلك في إشارة إلى كوريا الشمالية بأن حادثاً مثل إغراق القطعة البحرية ليس بالأمر المقبول. وأثناء ذلك حذر ناطق رسمي باسم وزارة الخارجية الصينية من أن بكين ''تعارض بقوة مشاركة سفن حربية أجنبية في نشاطات تعمل على الإضرار بالمصالح الأمنية الصينية في البحر الأصفر، أو أي مياه قريبة من الصين''.
هكذا، فإن إشارة موجهة إلى كوريا الشمالية قد تصبح بمثابة نوع من الاستفزاز للصين، وتكون بذلك أشد أثراً في إحداث عدم الاستقرار بما يتجاوز حادث إغراق القطعة البحرية. وهو أمر لا ترغب الولايات المتحدة، ولا الصين، ولا كوريا الجنوبية، في حدوثه.
خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: Opinion Asia