تطورات نوعية في قطاع الاتصالات الخليجي
يتميز التقرير الحديث الذي أصدره ''بيت الاستثمار العالمي'' أو ''جلوبال هاوس'', ومقره الكويت, بكثير من الواقعية فيما يخص تأكيده أهمية قيام شركات الاتصالات في دول مجلس التعاون الخليجي بتعزيز خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض للتعويض عن التراجع النسبي لنمو عوائد خدمة الجوال. من جملة الأمور المثيرة، يشير التقرير إلى الارتفاع النسبي لمعدل تغلغل خدمة الجوال من 172 في المائة عام 2009 مرتفعا إلى 184 في المائة في 2010 ومن ثم 195 في المائة في 2012. وعلى هذا الأساس، أصبحنا قريبين جدا من فرضية امتلاك كل فرد خطين وليس خطا واحدا للنقال. تكمن بعض الأسباب الحيوية لهذا التطور اللافت, في تعزيز حالة المنافسة وعمليات التسويق بين شركات الاتصالات الخليجية في أسواق بعضها، وهذا ما سنتطرق إليه في فقرات لاحقة.
إحصاءات حيوية
يلاحظ أن هناك 67.5 مليون مشترك لخدمة الجوال في دول مجلس التعاون الخليجي, أي أكثر من عدد السكان بشكل واضح. استنادا إلى دراسة حديثة من إعداد وحدة الاستقصاء في مجموعة الإيكونوميست البريطانية، بلغ عدد السكان في دول الخليج 39.6 مليون نسمة في 2008 متوقعا ارتفاعه إلى 41.4 مليون في 2010.
لكن لكل شيء نهاية، حيث يفترض تقرير ''بيت الاستثمار العالمي'' تراجع نسبة نمو المشتركين من 30 في المائة سنويا في الفترة ما بين 2005 و2009 إلى 8.5 في المائة سنويا فقط في الفترة ما بين 2010 و2012. كما يوفر التقرير تفاصيل حول متوسط عائد خدمة الاتصالات في السعودية, حيث تراجع من 43.3 دولار لكل مستخدم في 2005 إلى 22.2 دولار في 2009. ومرد هذا التراجع دخول ''موبايلي'' التابعة لشركة اتصالات الإماراتية, فضلا عن ''زين'' السعودية, التي بدورها تتبع شركة زين الكويتية لقطاع الاتصالات في المملكة ومنافسة شركة الاتصالات السعودية.
وعلى هذا الأساس، يجانب التقرير الصواب في دعوته شركات الاتصالات في دول الخليج إلى التركيز على تقديم خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض أو البروباند. حسب التقرير، بلغت نسبة تغلغل الإنترنت ذات النطاق العريض نحو 50 في المائة من جميع مستخدمي الإنترنت في الخليج في 2009 مقارنة بـ 38 في المائة فقط في السنوات القليلة الماضية. وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت بشكك عام نحو 17 مليون فرد في العام الماضي. بل من شأن تعزيز نطاق الإنترنت ذات النطاق العريض تسهيل المعاملات التجارية, الأمر الذي يخدم تطور الاقتصاديات المحلية, بما في ذلك الفرص المتاحة أمام قطاع الاتصالات.
السوق الخليجية المشتركة
كلمة حق لا بد من قولها في حق قطاع الاتصالات, وهي لعبها دورا محوريا في تطبيق مشروع السوق المشتركة الخليجية, الذي دخل حيز التنفيذ مطلع عام 2008. يهدف المشروع إلى إيجاد سوق واحدة تتم من خلالها استفادة مواطني دول المجلس من الفرص المتاحة في الاقتصاد الخليجي، وتعظيم الفوائد الناجمة عن اقتصاديات الحجم، ورفع الكفاءة في الإنتاج، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
يشتمل مشروع السوق المشتركة على عشرة مسارات, وهي: حرية التنقل والإقامة, العمل في القطاعات الحكومية والأهلية, التأمين الاجتماعي والتقاعد, ممارسة المهن والحرف, مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية, تملك العقار, انتقال رؤوس الأموال, المساواة في المعاملة الضريبة, تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات, والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
الاتصالات السعودية
الأمر الجميل هو استمرار قيام شركات قطاع الاتصالات بتجربة أسواق الدول الخليجية الأخرى مستفيدة من تخفيف القيود التنظيمية وتشجيع السلطات على دخول شركات أخرى كمشغل ثان أو ثالث, وبالأخص في مجال الهاتف النقال. على سبيل المثال، بدأت شركة الاتصالات السعودية في الآونة الأخيرة أعمالها في السوق البحرينية عبر شركة فيفا منافسة بذلك شركتي بتلكو البحرينية وزين الكويتية. وكانت الشركة السعودية قد فازت بالرخصة الثالثة في مزاد علني بتقديمها عرضا ماليا قدره 230 مليون دولار, فضلا عن إبداء رغبتها في بناء البنية التحتية وتقنية المعلومات والاتصالات, الأمر الذي يخدم النشاط الاقتصادي, وبالتالي مستوى نمو الناتج المحلي الإجمالي في البحرين.
حقيقة القول، يعد وجود شركة الاتصالات السعودية في البحرين أمرا منطقيا, بل جاء متأخرا نسبيا, نظرا لقيام عدد من المواطنين السعوديين, أي زبائن الشركة, بتنفيذ زيارات متكررة لبلدهم الثاني, خصوصا في عطلة نهاية الأسبوع, ما يعني حاجتهم إلى الحصول على خدمات الاتصالات. كما من شأن المواطنين البحرينيين الاستفادة بشكل خاص من خدمات شركة الاتصالات السعودية أثناء زيارتهم الديار المقدسة خلال الحج, فضلا عن العمرة على مدار السنة.
المعروف أن ستاندرد تشارترد بنك أول مصرف بدأ نشاطه في البحرين, حيث يعود تاريخه لعام 1918. وعند البحث تبين أن السبب الجوهري يعود إلى رغبة البنك في تقديم خدماته لزبائنه من الإنجليز في الوقت الذي كانت فيه الشمس لا تغيب عن المستعمرات البريطانية.