رؤية بديلة لإدارة تنفيذ الإصلاح الاقتصادي (1)
نقلا عن ''الاقتصادية'' وصحف أخرى، ناقش ويناقش هذه الأيام كل من مجلس الشورى والمجلس الاقتصادي الأعلى ما يمكن أن أسميه عملية الإصلاح الاقتصادي في المملكة, كما ناقش هذه العملية عدد من الكتاب. ويدخل في هذه المناقشات مدى نجاح مساعي تنويع مصادر الدخل، وربط الميزانية والإصلاح الإداري بخطة التنمية، وتفعيل اختصاص المجلس الاقتصادي في دراسة الميزانية والمتابعة والتنسيق بين أجهزة الحكومة في رسم وتنفيذ خطط التنمية وقضايا السعودة والتوظيف, وقضايا أخرى كثيرة. طبعا المناقشات تدل على وجود نقص وخلل في البنية المؤسسية والآليات القائمة, التي من خلالها يمارس المجلس الاقتصادي اختصاصاته في الإصلاح والتطوير الاقتصادي. ومن ثم لا بد من رؤية بديلة تقوم على تطوير التنظيم المؤسسي القائم وإصلاحه، وعلى كفاءة العاملين فيه. إدارة ''الإصلاح الاقتصادي'' لا بد أن تكون عالية الفاعلية، تتلافى عيوب تضعف أداء الأجهزة القائمة. ولا بد أن تتلافى التنظيم المؤسسي المضخم أو المعقد، إذ قد يسبب ذلك خلق بيروقراطية تعوق أو تبطئ الإصلاح. لا يوجد شكل محدد للتنظيم المؤسسي الواجب اتباعه، إذ هناك تفاوت بين الدول في كيفية تنظيم جهازها الحكومي لتولي إدارة تنفيذ القضايا الاقتصادية الكبرى.
ووفقا للمادة الثانية من تنظيم المجلس الاقتصادي الأعلى، فإن هذا المجلس هو المعني بالأعمال والمهام اللازمة لأداء مجلس الوزراء مسؤولياته وممارسته اختصاصه، فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية. وقد تحدثت المادة الخامسة من تنظيم المجلس عن اختصاصاته، ويمكن اختصارها في أربعة اختصاصات: الأول بلورة السياسات الاقتصادية وصياغة البدائل الملائمة، أما الثاني فهو التنسيق بين الجهات الحكومية في الأمور الاقتصادية، وأما الثالث فمتابعة تنفيذ السياسة الاقتصادية، وما تقضي به قرارات مجلس الوزراء في الشؤون والقضايا الاقتصادية، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لذلك، وأما الاختصاص الرابع فدراسة القضايا والموضوعات الاقتصادية ومراجعتها مثل خطط التنمية والميزانية والسياسات الاقتصادية ومشاريع الأنظمة ذات الطبيعة الاقتصادية. هذه الاختصاصات تمثل في الحقيقة جوهر أعمال إدارة تنفيذ الإصلاح الاقتصادي, لكن هناك مشكلتين أساسيتين في قيام المجلس الاقتصادي الأعلى بإدارة تنفيذ الإصلاح الاقتصادي، المشكلة الأولى هي أن أعضاء المجلس يشغلون مناصب وزارية، والأخرى أنهم مشغولون بأعمال وارتباطات كثيرة، ومن ثم كيف نتوقع منهم توفير وقت كاف لدراسة وتنسيق ومتابعة تنفيذ ما أنيط بالمجلس من أعمال كثيرة ومتشعبة، وبعضها ذو طابع فني اختصاصي؟
لا شك أن المجلس في حاجة إلى ذراع تنفيذية تساعده على ممارسة اختصاصاته, وبالأخص إدارة الإصلاح الاقتصادي، تحت إشراف مباشر من المجلس.
يبدو أن وزارة الاقتصاد والتخطيط هي أقرب جهة تنفيذية قائمة، لكن هذه الوزارة تعاني ضعفا في صلاحياتها، كما تعاني وبصفة عامة, أداء منخفضا، وقدرات إشرافية وفنية دون المؤمل أو المرغوب فيه. وللحق، فإن ضعف الأداء والقدرات ليس مقصورا على هذه الوزارة, بل تشاركها في ذلك, وبصفة عامة, الأجهزة الحكومية الأخرى، وهذا الضعف في حد ذاته من مظاهر التخلف الاقتصادي. هناك مشكلات في الالتزام باستراتيجيات ومسار خطط التنمية، وتنفيذها. يضاف إلى ذلك مشكلة ضعف التنسيق بين وزارتي التخطيط والمالية. وباختصار هناك عيوب لا أدل على وجودها من وجود الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي.
ومن ثم، فإنه لا بد من تطوير وإعادة بناء الجهازين السابقين, المجلس والوزارة, خطوة أولى في إدارة الإصلاح الاقتصادي. هذا التطوير يبدأ بإعادة بناء ودمج اللجنة التحضيرية ولجنة التخصيص.
تطوير لجنتي التحضير والتخصيص إلى مجلس تنفيذي متفرغ
نص تنظيم المجلس الاقتصادي الأعلى على تكوين لجنة تحضيرية، كما شكل هذا المجلس لجنة للتخصيص، برئاسة أمين المجلس، كما نص التنظيم على أن للمجلس تأليف لجان من بين أعضائه أو من غيرهم لبحث مسألة يراها، وتقديم تقرير عنها. لذا, فإننا نقترح تطوير هذه اللجان القائمة أو المقترحة من خارج أعضائه عبر دمجها في تنظيم محدد، تحت اسم مناسب مثل اللجنة التنفيذية (للمجلس الاقتصادي الأعلى)، أو المجلس الاقتصادي التنفيذي، ونحو ذلك من الأسماء، وتسهيلا سنطلق عليه اسم المجلس التنفيذي. هذا المجلس يعمل تحت إشراف المجلس الاقتصادي مباشرة، ويستمد منه قوته واختصاصاته، الذي يعني أن إدارة تنفيذ الإصلاح الاقتصادي من أعماله، بل هو جوهر أعماله. هذه الإدارة ينبغي أن توضح مسؤولياتها وصلاحياتها بالتفصيل، وأن تعنى بالتبكير والاستمرار والشمول والتنسيق في الإصلاح الاقتصادي.
مهام مقترحة للمجلس التنفيذي:
1. تكليف من يرى لعمل دراسات تفصيلية وتقارير وبحوث مطلوبة للبرنامج. وعلى المجلس التنفيذي رفع تقارير دورية مفصلة عن سير البرنامج إلى المجلس الأعلى، الذي بدوره يفترض أن يعقد اجتماعات كافية عددا ووقتا لمناقشة ومتابعة سير البرنامج وغيرها من الاختصاصات.
2. مساعدة المجلس الأعلى في دراسة مشروع الميزانية، ومراجعة أولويات أوجه الإنفاق.
3. أعمال التنسيق ومراقبة ومتابعة تنفيذ البرامج والسياسات المقرة من المجلس الاقتصادي الأعلى، وعلى المجلس رفع تقارير دورية بذلك إلى المجلس الأعلى.
4. عضو المجلس التنفيذي يكون حلقة اتصال دائمة بين جهته والمجلس.
لا شك في أن ممارسة المهام السابقة بكفاءة تتطلب ـ من ضمن ما تتطلب- وضع لوائح إجرائية مفصلة لعمل المجلس التنفيذي، وآلية عمله.
أعضاء المجلس التنفيذي
يمثل لأعضاء:
- الجهات الحكومية التي رؤساؤها أعضاء في المجلس الاقتصادي الأعلى.
- كل مناطق المملكة للتأكيد على إصلاح خلل توازن توزيع الجهود بين المناطق.
- القطاع الخاص نظرا لأن تطوير وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد قضية استراتيجية، ومن ثم فلا بد من مشاركة هذا القطاع في رسم الإصلاح الاقتصادي وتنفيذه، وهنا أشير إلى تمثيل هذا القطاع بما يعكس تنوع الاختصاصات والتوزيع الجغرافي.
- وأخيرا يمكن أن يضم للمجلس التنفيذي مساعدون للوزير وأمين المجلس الاقتصادي، كما يمكن أن يضم عدد صغير من أعضاء الهيئة الاستشارية المنصوص على قيامها ضمن تشكيلات المجلس الاقتصادي، بعد جعلهم مستشارين اقتصاديين متفرغين لرئيس المجلس الأعلى.
اختيار وتفرغ أعضاء المجلس التنفيذي
يجب الاهتمام في اختيار أعضاء المجلس التنفيذي، وينبغي أن تتوافر فيهم حدود دنيا من المعرفة الاقتصادية، ويقترح أن تكون عضويتهم لفترة محددة قابلة للتجديد. من المهم جدا, وأؤكد جدا, أن يكون أعضاء المجلس متفرغين، أما تكوين مجلس أو لجنة غير متفرغة تمثل فيها مختلف الجهات المعنية بالطريقة المعتادة التقليدية في تكوين اللجان فلا يتوقع له النجاح في أداء الأعمال المنوطة باللجنة. ذلك لأن برنامج الإصلاح الاقتصادي واسع جدا يتطلب إنجاز ومراجعة أعمال كثيرة بصورة مستمرة، كما أن نجاح الإصلاح يعتمد أيضا على عوامل أخرى من أهمها: شمولية الإصلاح، وتنسيق أجزائه وانسجامها وترابطها، وسرعة البدء في التنفيذ، وتنسيقه، كما يتطلب اتصالا مستمرا بين المجلس والجهات الأخرى ذات النشاط الاقتصادي، لمناقشة وتبادل الرأي حول قضايا الإصلاح الاقتصادي، ومتابعة ومراقبة التنفيذ بدرجة قوية، تتبعها عمليات تقويم. وكل هذه الأعمال لا بد لها من كفاءات يعتمد عليها في الأداء. وفي المقابل، هناك قناعة بأن المجالس واللجان المعتاد تشكيلها تعاني مشكلة أساسية في عملها، تتمثل في أن الأعضاء لا يمتلكون الوقت الكافي لعقد اجتماعات بالقدر والوقت المناسبين للصلاحيات والمهام المعطاة لها، كما أن أولئك الأعضاء لا يمتلكون الوقت الكافي قبل عقد الاجتماع للنظر المتمعن في القضايا المطروحة في جدول الأعمال. وأهم أسباب هذه المشكلة كون الأعضاء لديهم أصلا أعمال ومهام أخرى تستغرق كل وقتهم تقريبا. وقد رأينا أثر هذا بالتسبب إما في تأخير إنجاز الأعمال وإما البت فيها بتا يتسم بالارتجال.