تداول المعلومات وإتاحتها لنهضة الوطن ونمائه

كانت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، في كلمته التي ألقاها نيابة عنه معالي وزير التجارة والصناعة عبد الله زينل، خلال رعايته المؤتمر العربي الرابع للمعلومات والشبكات، الذي نظمته هيئة المواصفات والمقاييس بالتعاون مع المنظمة العربية للتعدين والبنك الإسلامي، يوم الأحد 3 المحرم 1431هــ، بمثابة تدعيم لجذور التقنية في أرض الوطن حتى تتحول المملكة إلي دولة منتجة لعناصر التطور وتحويلها إلى قاعدة لصناعة المعلومات في عصر العولمة‏.‏ وتأكيده، حفظه الله، على أهمية تطوير قطاع الصناعة العربية، ونقل وتوطين التقنية، وغرس روح الإبداع والابتكار في الصناعة لتعزيز قدراتها التنافسية والوصول بها إلى العالمية؛ ووجه بالاستفادة من التطورات التقنية الحديثة في مجال المعلومات الصناعية والشبكات، ونظم المعلومات وأنظمة الجودة الشاملة لتطوير القطاع الصناعي العربي وفق أحدث تطورات تقنيات المعلومات والاتصالات، وإدارة المعرفة، للمساهمة في توفير المعلومات الصناعية الحديثة وبناء قواعد المعلومات وتشجيع الاعتماد على الاقتصاد الرقمي والمعرفي، وتوفير مزيد من فرص العمل للأجيال المقبلة.
وغير خاف على أحد ما أحدثته العولمة من آثار عميقة على جميع الأصعدة الدولية والمحلية‏,‏ وباتت توجها راسخا مفروضا على العالم بل من أهم تحدياته: تسارعا في العلم والتقنية؛ وكسرا للحواجز؛ وتطورا للنظم الإلكترونية؛ وسيادة لعصر المعلومات. لذا أصبح لزاما علينا مراجعة موقفنا المعلوماتي والتقني بدقة وتجرد في ضوء عديد من الاعتبارات التي نبرز منها: التقدم فائق السرعة في مجالات العلوم والفنون اعتمادا على وسائل تقنية غاية في الدقة‏؛ وكذا ضرورة تجاوز الحواجز التي تصطنعها الوسائل والإجراءات المحلية بنظم معلومات والاتصالات هائلة التقدم‏ .‏..؛ في ظل بروز عنصر المنافسة كأحد أهم الظواهر المهمة الحاكمة للعلاقات على مستوى العالم من خلال شعار السيادة للأجود‏.‏ ومن هذا المنطلق فإنه من المنطقي أن يتعاظم في المملكة شعار نكون أو لا نكون! لما للمملكة العربية السعودية من دور محوري وقيادي لن يكتب له الاستمرار إلا بإحراز التقدم العلمي والتقني حسب توجيه خادم الحرمين الشريفين، الذي تمثل المعلومات والاتصالات أهم ركائزه‏,‏ ولتحقيق هذا التقدم المتكامل لا بد من امتلاك وسائله ‏.. التي من أهمها: القدرة على امتلاك وسائل تحقيق نهضة المعلومات وتطبيقها بجدية في جميع مجالات الحياة والانتقال من مرحلة نقل التكنولوجيا إلى توطينها والمساهمة في التطوير المستمر لوسائلها عن طريق نظام معلومات متقدم دائم التحديث‏.‏
إلا أن أول تحد جاد وحقيقي يواجه بناء مجتمع عصري قوامه المعلومة‏,‏ هو الثقافة العامة والاعتقاد السائد عما إذا كانت المعلومات والبيانات الدقيقة يحتاج إليها الأفراد والمواطنون ورجال الأعمال وأجهزة الدولة وغيرهم أم لا؟ وهل تتاح هذه المعلومات أم تحجب عن العامة والخاصة؟
إن عدم حجب المعلومات الدقيقة والحقيقية وإتاحتها وسهولة الوصول إليها يساعد على دعم عملية صنع القرار‏,‏ كما أنه يعد عاملاً مهما في جذب الاستثمارات والمنافسة في الأسواق العالمية‏؛‏ وتعظيم مجتمع المعلومات لن يتم إلا بالتعامل مع المعلومة كسلعة لها عرض وطلب وصناعة‏ ..‏ وتلك العناصر الثلاثة التي تشكل قوام المجتمع المعلوماتي تعاني كثيرا‏ ..‏ فعلى مستوى الطلب‏,‏ لا يشعر أحد من المواطنين أو المسؤولين التنفيذيين بقيمة وأهمية توافر المعلومات‏,‏ بينما يفتقد مجتمع الأعمال ــ في أغلبه ــ الوعي بأهمية امتلاكه لمعلومات دقيقة ولم يستوعب القطاع الأكبر منه فكرة ثروة البيانات باعتبارها الطريق الآمن والسريع لضمان نجاح مشروعه أو استثماره‏,‏ وبالتالي تحقيق أقصى أرباح ممكنة؛ فضلاً عن أن القطاعات الوسطِِى والدنيا من الجهاز التنفيذي والإداري قد لا تعي أهمية المعلومات وتفتقد الشعور بتقدير المعلومة وإمكانية أن تصبح في حد ذاتها سلعة‏,‏ مثلما هي الآن ثروة لدى شعوب الأمم المتقدمة‏..‏!
وثمة مشكلات أخرى تضرب مجتمع المعلومات في الصميم‏,‏ تتعلق بالنظم والتشريعات التي تحمي سوق المعلومات وتوفر الأمان لصناعة المعلومات‏ ..؛‏ فيجدر الانتهاء سريعا من تشريع يحدد طبيعة المعلومات التي يمكن توافرها، وإتاحتها‏,‏ من حيث تعارضها مع الأمن الوطني من عدمه‏,‏ أو من حيث إلزام الجهات الرسمية بتوفير المعلومات كافةً وإتاحتها لمن يشاء‏,‏ لكن الإبقاء على حالة الخوف والتوجس التي قد تتلبَّس ببعض المسؤولين من الإفصاح عن المعلومات‏,‏ لن تسفر عن تعطل حركة تدفق الاستثمارات فحسب‏,‏ إنما ستعوق التنمية في المملكة أيضًا‏ ..؛‏ لذلك يجب أن يكون التشريع مهتما أكثر بتجريم حجب المعلومات‏,‏ لا نشرها!‏
إضافة إلى ذلك؛ يجب حماية مراكز المعلومات وكل الكيانات العاملة في هذا المجال بتشريع يضمن شفافيتها وعدم المساس بها‏؛ جنبا إلى جنب مع سن تشريع يتيح للقطاع الخاص العمل في قطاع المعلومات‏,‏ بوصفه السبيل الوحيد لإنشاء سوق مزدهرة فيها عرض وطلب وصناعة‏,‏ خاصة أن المجتمع السعودي يتجه بقوة نحو تعظيم دور القطاع الخاص في التنمية والاستثمار‏. وتتضمن هذه التشريعات جزءا رئيسا يتعلق بإلزام الجهات الحكومية بالنشر والإعلان بشكل دوري عن أنواع معينة من المعلومات حتِى لو لم يسأل أحد عنها‏!‏ وعادة ما تتضمن معلومات عن المؤسسة ووظائفها الرئيسة ونظامها الداخلي والعاملين فيها‏,‏ والخدمات التي تقدمها للمواطن وطريقة الحصول عليها وغيرها من المعلومات والإلزام بإتاحتها على شبكة المعلومات العالمية (إنترنت) أو نشرها في الصحف في بعض الأحيان‏! كما تحمي هذه النظم، في الوقت نفسه، الموظفين العموميين، الذين يطبقون قانون حرية المعلومات‏,‏ وحماية الأفراد من أية عقوبات قانونية أو إدارية أو وظيفية تترتب على إفشاء معلومات عن الفساد‏,‏ وفي الوقت نفسه يفرض القانون عقوبات على الذين يعرقلون الإفراج عن المعلومات أو يتلفون مصادرها‏.
وهكذا تبقى فلسفة هذه التشريعات قائمة على أن ضمان حصول المواطن على المعلومة هو أحد معايير تحقيق التطوير والتحديث والشفافية في المجتمع‏,‏ وأحد أدوات محاربة الفساد وإساءة استخدام السلطة‏,‏ ورفع مستوى المعرفة والنقاش بين أفراد المجتمع‏,‏ وبناء الثقة بين المواطن والدولة‏؛ حتى لا يؤثر ذلك بشكل سلبي في عملية التخطيط للتنمية في ظل عدم توافر معلومات دقيقة حول المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة اللازمة لذلك‏.
إن الجامعات السعودية مسؤولة بشكل مباشر عن تعليم وتدريب الكوادر الوطنية في إطار صحيح لمفهوم المعلومات وخصائصها ونظمها‏,‏ وإزاء هذه المسؤولية‏؛‏ فقد تحتم على الجامعات أن تطور هياكلها وبرامجها ولوائحها ونظم ووسائل الدراسة فيها‏,‏ وأن توفق أوضاعها بما يجعلها قادرة على المساهمة الإيجابية في برامج تطوير نهضة المعلومات تدريسا وبحثا وتدريبا.
إن تناول قضية المعلومات في المملكة بالذات بما تملكه من إمكانات‏,‏ وفي ظل هذا الاهتمام الكبير الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من أوجهها المتعددة صناعة‏ تأمين في هذا التوقيت إنما يمثل منعطفا لحشد نظم المعلومات للتأكيد على أنه ليس بالعسير على المملكة أن تحقق تلك الطفرة المعلوماتية المطلوبة بما لديها من خبراء ومتخصصين في مجالات متنوعة تشكّل ركيزة أساسية للانطلاق نحو التحديث والمعاصرة‏,‏ كما أن لديها جامعات ومراكز بحوث واتصال ومعلومات وصناعة برمجيات تعد أساسا لتحقيق نهضة سعودية في مجال المعلومات باعتبارها أحد أهم روافد تحقيق النهضة التقنية المتكاملة‏.‏

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي