الخطوط الدفاعية لحماية أموال العملاء في البنوك
تم الكشف خلال الأسبوع الماضي عن إنشاء لجنة التوعية والإعلام للبنوك السعودية تهدف إلى حماية أموال العملاء، ويجيء تشكيل هذه اللجنة في وقت مهم تتزايد فيه شكاوى بعض عملاء البنوك من عمليات احتيال يتعرضون لها تسببت في فقدان مدخرات البعض وتسرب معلومات شخصية ومالية للبعض الآخر.
وجاء إنشاء اللجنة في إطار الحماية الوقائية الدفاعية للعملاء وإرشادهم لاتباع الأسلوب الصحيح في التعامل مع المنتجات البنكية المختلفة، وبتعيين الأخ الأستاذ طلعت حافظ أمينا عاماً للجنة وهو الشخصية المصرفية والإعلامية المعروفة والعتيدة والمشهود بتوازنه ليضفي مزيداً من القوة والمصداقية على هذه اللجنة لتحقيق أهدافها بصورة صحيحة لتحقيق النتائج المرجوة منها.
إننا نتوقع أن يصدر عن لجنة الإعلام والتوعية المصرفية إرشادات وقائية دفاعية مغلفة بهيئة إعلامية تتسم بالبساطة والوضوح ليصل مفهومها لكل شرائح العملاء، ولا تنجح مثل هذه الإرشادات ما لم يتم تطبيقها بصورة صحيحة من قبل الأشخاص الموجهة لهم وهم العملاء أنفسهم، وأعتقد أنه يجب على المصرفيين المتخصصين أن يسهموا بفاعلية في نشر الوعي المصرفي عبر جميع القنوات الإعلامية المتاحة وعدم الاكتفاء والاعتماد على البروشورات الموجودة في استاندات فروع البنوك التي في أغلبيتها اكسسوارات مكملة تهمل ولا تقرأ.
ومن أصعب الأمور على حياة الإنسان بعد فقدان الأرواح هو فقدان المال الذي تعب على جمعه سنوات طويلة، وأصعب ما فيها هو فقدان هذه الأموال بسبب الجهل والإهمال والثقة المفرطة ورغم وجود تباين في التعاطي مع عملاء مختلفين إلا أن أكثر شريحة بحاجة إلى توعية وتوجيه هي شريحة العملاء الأفراد سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، وتتميز هذه الشريحة باختلاف تفكيري كبير بين عناصرها فمنهم من هو واع بالثقافة المصرفية ولو في إطارها العام ومنهم من يجهل أبسط مقومات الحفاظ على رقمه السري في بطاقة الصراف الآلي على سبيل المثال، في حين تبقى الشريحة الأخرى وهي القطاع التجاري والحكومي أكثر وعيا وإدراكا للمخاطر لكون أفرادها الذين يتعاملون مع البنوك متخصصين في الشؤون المالية إلا أنه لا يعني عدم وجود قصور حتى لدى هذه الشريحة.
يواجه العاملون في القطاع المصرفي بشكل عام شكاوى ومشكلات متعددة ويومية من عملاء تعرضوا لعملية نصب واحتيال وابتزاز أدت إلى فقدانهم أموالهم التي جاهدوا في تجميعها أعواما طويلة، وللأسف الشديد فإنه وبعد التحقيقات في الشكاوي يتضح أن الإهمال وعدم المبالاة والثقة في غير محلها أهم أسباب ضياع الأموال، وبمعنى آخر فإن عدم الالتزام بالنصائح المصرفية المقدمة من قبل موظفي البنك وقلة الوعي الثقافي المصرفي سبب في فقدان المدخرات، وإذا أتيحت لنا الفرصة سنتحدث بتوسع عن أهم الإرشادات الواجب على العملاء الالتزام بها.
أما من الناحية الأخرى وهي ناحية البنوك، فللإنصاف هناك قصور كبير في التوعية المقدمة من البنوك لعملائها، ولا أقصد بالقصور هنا عدم وجود برامج توعية لدى البنوك تجاه عملائها بل المقصود آلية للتأكد من طريقة إيصال الموظفين للإرشادات والنصائح وفهمها من قبل العملاء، وأيضا التأكد من فهم الموظفين أنفسهم أهمية هذه النصائح وما تعنيه من أهمية في جانب العمل المصرفي وعدم التركيز على الجانب البيعي والسلوكي فقط، متناسين أهمية الجانب الخدمي الذي يندرج تحته التوجيه والإرشاد للاستخدام الصحيح للمنتج.
إن الالتزام بتقديم الإرشادات الوقائية والتوجيه الصحيح للعملاء سيقلل من نسبة شكاوى العملاء اللاحقة وبالتالي يقلل من مخاطر فقدان هؤلاء العملاء أموالهم.
ومن هنا أوجه دعوة لإدارات البنوك بضرورة تبني استراتيجية الحماية الوقائية عبر رفع الوعي الرقابي وزيادة المفهوم الثقافي لموظفيها خاصة موظفي المواجهة المعنيين بالتعامل المباشر مع العميل مثل مديري الفروع وموظفي خدمات العملاء والصرافين في الفروع واعتماد هذه الاستراتيجية كجزء أساسي من مهام العمل اليومي. وأقترح في هذا الصدد بعض الإرشادات المعينة التي تسهم في تفعيل هذا الدور:
1- إضافة إرشادات ونصائح توعوية إلى كتيب المنتجات المصرفية الموجود في الفروع، وعدم الاكتفاء فقط بمزايا وشروط كل منتج، وبإضافة هذه النصائح ستتحول إلى عادة ثقافية لدى منسوبي الفرع عند قيامهم بشرح منتج ما للعميل، من الضروري أن يكون العميل مطلعا على المخاطر المحتملة والمتوقعة في المنتج الذي يتعامل معه كما أنه من الضروري أن يقوم الموظف بتقديم النصائح اللازمة للعميل بكيفية التعامل مع المنتج بما لا يتسبب في أية خسائر مالية مستقبلية
2- أن تضاف النصائح والإرشادات أعلاه إلى البروشورات الموزعة في صالات الفروع حتى يتسنى للعملاء الاطلاع عليها ومعرفة كيفية التعامل مع المنتجات بصورة صحيحة، والأهم حث العملاء أثناء انتظارهم في الصالة أو عند مغادرتهم بأخذ البروشور وقراءته وبيان أهمية المعلومات المتوافرة فيه.
3- إضافة جملة "هل شرحت للعميل كيفية تجنب المخاطر التي يمكن أن يقع فيها؟!" وذلك في قائمة التعليمات المخصصة لموظفي الفروع من صرافين وخدمات عملاء التي غالبا ما تكون على شكل بوستر صغير يوضع أمام الموظف، للأسف بعض البنوك تتجاهل أهمية مثل هذا البوستر الإرشادي بينما هو مفعل لدى بنوك أخرى.
4- إعادة تأهيل موظفي المواجهة في الفروع والمراكز البيعية في الجانب الرقابي والوقائي عبر عقد ورش عمل يحضرها أصحاب الخبرة الذين تمرسوا سنين طويلة في مواجهة وحل مشكلات العملاء، والاستفادة من توصيات هذه الورش عبر تعميمها على الفروع للتعامل مع الحالات المشابهة، ولا يخفى على الجميع أن موظفي المواجهة هم الأكثر اختلاطا وتواصلا مع العملاء.
هناك جوانب كثيرة متعددة ومتشعبة في كيفية حماية أموال العملاء من الضياع وهي لا تتم إلا بتفهم كلا الجانبين البنوك والعملاء مهام كل طرف وأنهما مكملان لبعضهما ويهدفان إلى تجنب الخسائر المالية رأيت في هذه المقالة القصيرة أن أبدأ بالجانب الأهم وهو جانب البنوك الذي يعد الخط الدفاعي الأول وهناك الكثير من الحديث في هذا الجانب، وسنحاول أن نتطرق في المقالات المقبلة عن الجوانب الأساسية الدفاعية المقدمة للعملاء لحماية أموالهم من الضياع.