إعطاء المشاريع لأقل سعر .. خطأ!!
قرأت قبل فترة في جريدة ''الرياض'' مقالا للدكتور هاشم عبده هاشم، تحدث خلاله عن عدم جدوى إعطاء المشاريع بأقل الأسعار، وبصفتي مارست الدخول في هذه المشاريع واطلعت حسب خبرتي على خلفياتها، أحب أن أؤيد ما ذهب إليه الدكتور هاشم في مقالته تلك، وذلك من واقع الممارسة التي عشناها وأمورها كثيرة جدا، لكن سوف أضرب مثالين كدلالة في هذا السياق، الأول في جانب المقاولات وجانب تأمين المستلزمات، ففيما يتعلق بالمقاولات سبق أن طرح مشروع قبل نحو 30 عاما وهو إنشاء نادي ضباط خفر السواحل والحدود في مناقصة عامة، وتقدمت من ضمن المتقدمين وبعد فتح المظاريف كانت الأسعار تراوح بين 30 و40 مليون ريال، وفجأة وجدنا مؤسسة صغيرة الحجم متقدمة بسعر سبعة عشرة مليون ريال، وقد درست العطاءات ووجدت أن هذا العرض منخفضا ومن غير الممكن تنفيذ المشروع بهذه القيمة، وحاول المسؤولون في ذلك الوقت إقناع المتقدم وتنبيهه إلى أن سعره سيكون خسارة عليه إضافة إلى تعطيل المشروع، إلا أنه أصر على ذلك بحجة أنه سوف يقدم الضمانات اللازمة كافة، وحسبما يفرضه النظام تمت ترسية المشروع عليه وأخذ يتخبط في المشروع يميناً وشمالاً حتى انتهت مدة التنفيذ وتم سحب المشروع منه بعد فترة طويلة فخسر المقاول وتعطل المشروع، ولا أعلم ماذا تم بعد ذلك.
المثال الآخر هو طرح مناقصة لوزارة الدفاع لتأمين ملابس عسكرية مموهة وهذا النوع كان جديدا، وتمت ترسيته علينا حسبما نملك من خبرة في هذا المجال، وأثناء فترة التأمين تم غزو الكويت واحتاجت الوزارة إلى كميات كبيرة من هذا النوع فتم تكليفنا بتأمينها امتدادا لتلك المناقصة السابقة، وبما أن هذه الملابس تم تعميمها على قطاعات القوات المسلحة كافة، بما فيها الخدمات الطبية، استدعيت لأقوم بتأمينها لهم وقد فوجئنا بأن هناك أحد الأشخاص قد تقدم لتأمين المطلوب وكانت أسعاره أقل من سعرنا، وبحجة النظام وبضغط من الممثل المالي تمت ترسية المشروع عليه ولا يلام الممثل المالي أو المسؤولون لأن هذا ما يفرضه نظام المناقصات رغم أنني حاولت إقناعهم بأن المتقدم لا يستطيع تأمين هذا النوع وأن مقدرتي تكمن في أنني سوف أزودهم من الطلبيات الكبيرة التي سبق أن التزمت بها لوزارة الدفاع، وبعد مضي نحو شهر تقريبا اتصل علي مدير مكتب اللواء الفرائضي، حيث كان مديرا للخدمات الطبية في ذلك الوقت، وطلب مني مقابلته، وعندما دخلت عليه استقبلني قائلا أرجو ألا تشمت بنا، فقلت له مازحا: هل أتاكم بملابس من مخلفات الحرب العالمية؟ أجابني: نعم ولكنها من مخلفات الحرب العالمية الأولى وليست حتى الثانية، وضحكنا وأمنت لهم المطلوب سريعا وكانوا مسرورين، وهذه هي نتائج إعطاء المشاريع لأقل الأسعار.
المفترض والذي يجب تطبيقه هو ما يتم العمل به في شركة أرامكو مثلا، حيث يدرس المشروع من قبل المختصين ويوضع له تقييم، فإذا كان الفرق كبيراً سواء بالصعود أو النزول يؤخذ بالأقرب لما هو مقدر للمشروع وبهذا نكون سلمنا من التأخير والتعطيل والتسبب أيضاً في خسارة الآخرين، في ظل هذه الإمكانات الحالية الكبيرة ووجود الاستشاريين السعوديين الأكفاء بالإمكان تطبيق ما اقترحته بكل بساطة.