حينَ تتمردُ الأشياء!

يحدث أن تتمرد الأشياء التي بين أيدينا، دون أن نعلم كثيراً من الأسباب التي دفعتها إلى التمرد، ودون أن نبذل جهداً نحو فهم العلة من هذا المَسلك، إلا ما ينتابنا من غيظ وغضب ونحن نتعامل معها، فنراها لا تطيع ولا تأتمر، وكأنها تريد أن تترك رسالة.. لكن لا نفهم لها منطقاً..!.

الناسُ على اختلافِ مراتبهم في الحياة مُؤتمنون على ما سخره الله لهم في البر والبحر والجو، بيد أنهم يخطئون خطأً جسيماً حين يعتقدون بملكيتهم لتلك النعم، فلا يحسنون استعمالها على النحو المنقوش في بيان تشغيلها من قبل الذي خلقها وسخرها، فيزجون بها في درب الانحراف عن الجادة.. فتتمرد!.

قال أحد الصالحين: إذا عصيت الله، عرفتُ ذلك في خُلُق زوجتي ودابتي!، وعصيانُ الخالق لا يكون إلا بموجود من صحة أو مال أو جاه أو منصب.. الخ، وكل ذلك نِعَمٌ خُلِقتْ للإنسان ليَعْمُرَ بها الأرض، لا ليفسد فيها، ومن ثم فإن معصية الله بنعمه تكون مَدَعَاةٌ كبري لتمرد تلك الأشياء على صاحبها، في محاولة منها لرده أو لردعه!.

نعم، إنَّ السماء والأرض والجبال والبحار لتضيق من صنيع بني آدم، بل وتطلب التصريح من الله بإهلاكه والقضاء عليه.. يقول ربُّ العزة في الحديث القدسي الجلي.. « ما من يوم تطلع شمسه إلا وتقول السماء: يا رب دعني أساقط كسفاً على ابن آدم، فقد أكل خيرك ومنع شكرك، وتقول الأرض: يا رب دعني أخسف بابن آدم، فقد أكل خيرك ومنع شكرك، وتقول الجبال: يا رب دعني أطبق على ابن آدم، فقد أكل خيرك ومنع شكرك، وتقول البحار: يا رب دعني أغرق بابن آدم، فقد أكل خيرك ومنع شكرك، فيقول الله لهم: لو خلقتموه لرحمتموه.. دعوني وعبادي، إن تابوا إلىّ فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم»

نفهم هذا التمرد أكثر حين نعلم أن لكل مخلوق في الأرض عدا الثقلين دور يؤديه بدقة ونظام إكراهاً لا اختياراً.. هذا الدور ينسجم في هندسة بديعة مع أدوار المفردات الأخرى، وحين ينطلق الإنسان من منهج خالق الأشياء ومُوجِدُها، تنسجم حركته مع حركة الأشياء في شكل تفاعلي تكاملي تناغمي، أما إذا انطلق من هواه وأعرض عن منهج مولاه، عانده الحجر والشجر، والنهر والبحر، والنوم واليقظة..الخ، فتتحول حياته إلى ضنك مستمر، وصدق الله إذ قال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } طه.

الإنسان في لحظات التألق الفكري والبدني والعلمي، ينخدع- أحياناً - ببريق الأضواء، وبكلمات الإطراء والثناء، فيتخيل نفسه كائناً فوق الأحياء والأشياء، كِبراً وخُيلاءً، ويظن أنه قد حكم وتحكم، وملك وامتلك.. فتأتيه التذكرة من فيروس يتحور، أو بحر يثور، أو من سيل ينهمر، فيقف عاجزاً أمام الأشياء التي ظن نفسه سيداً عليها بمهارته وقدرته..!.

وهنا تبرز الرسالة الرائعة: لولا الله ما دان لإنس شيء في أرض ولا جو ولا بحر!.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي