الصين تتحرك بصورة حقيقية هذه المرة لجعل التعذيب غير قانوني

يتضمن تقرير حقوق الإنسان السنوي حول الصين مادة تبعث على الكآبة، حيث يورد في كل عام «أن سجل الحكومة فيما يتعلق بحقوق الإنسان ما زال سيئاً». بل يكاد يرد فيه على نحو متكرر أن الأمور تتجه إلى الأسوأ. ومن المؤمل أن تظهر في هذا التقرير نقطة مضيئة في العام المقبل، وذلك لأن الصين أعلنت للتو أن الأدلة التي يتم التوصل إليها نتيجة لعمليات التعذيب أصبحت غير مسموح بها في القضايا المنظورة أمام المحاكم، وبالذات فيما يتعلق بالجرائم التي تكون عقوبتها الإعدام.
كان من المفروض أن يكون التعذيب غير قانوني، لكن هنالك أدلة على أنه كان يتم باستمرار قبول الأدلة القائمة على اعترافات من يتم تعذيبهم. ولم يكن لدى الشرطة ما يردعها عن انتزاع الاعترافات من خلال تعذيب المتهمين، وتقديمها إلى المحاكم التي كانت في العادة تقبل بها.
جعلت الصين التعذيب غير قانوني من الناحية الرسمية عام 1996. لكن تعريفها للإجراءات غير القانونية كان ضيقاً للغاية، الأمر الذي كان يسمح لرجال التحقيق باستخدام طيف واسع من أساليب الشدة في معاملة المتهمين بما يخالف المعايير المحددة من جانب هيئة الأمم المتحدة. وقام مانفريد نوواك، مقرر الأمم المتحدة لشؤون التعذيب، بزيارة إلى الصين عام 2005، وتم السماح له بزيارة السجون، وكذلك مراكز الاحتجاز، ومراكز «إعادة التأهيل من خلال التعليم» في كل من العاصمة بكين وإقليم التيبت، وكذلك في إقليم كسنجانج. وذكر أنه لاحظ «حالة من الخوف السائد بين السجناء» بصورة لم يشاهدها في أي بلد آخر. وأضاف هذا المقرر أنه «يعتقد أن ممارسة التعذيب، على الرغم من نفيها من جانب السلطات الرسمية، تظل منتشرة في الصين على نطاق واسع، وبصفة خاصة في مناطق المدن».
سارعت الصين في ذلك الحين إلى نفي ذلك، مشيرة إلى أن مقرر الأمم المتحدة لم يزر سوى ثلاث مدن صينية فقط. غير أن القرار الخاص بعدم الأخذ بالاعترافات التي يتم انتزاعها من المتهمين من خلال ممارسة عمليات التعذيب يدل بصورة واضحة على أنه ما زالت هنالك ممارسات لمثل هذه الحالات في الصين. وصدر إلى الآن قانونان حول عدم الأخذ بالاعترافات الناتجة عن التعذيب، حيث أعلنت المحكمة الصينية العليا أنها لا تقبل بمثل هذه الاعترافات، كما تبعتها في ذلك جهات قضائية تابعة لوزارة الأمن العام ووزارة امن الدولة ووزارة العدل. وتنطبق هذه الأمور فقط على القضاء التي يحكم فيها بالإعدام، بينما لم تشمل بعد القضايا الأخف من ذلك.
جاءت هذه الأحكام بعد الكشف عن حكم بالإعدام صدر في إقليم هينان في قضية زهلو زوهاي الذي أمضى في السجن 11 عاماً، وقال إنه تعرض خلال ذلك إلى عدة جلسات من التعذيب في سبيل نزع الاعترافات منه. وتبين أن القاتل والضحية سبق لهما أن تشاجرا عام 1997 حيث تلقى زهو ضربة على رأسه. واختفى الطرف الآخر بعد ذلك لمدة 11 سنة، ودخل زهاو السجن، حيث تزوجت زوجته رجلاً آخر قام برعايتها مع أطفاله. وحين تم الإفراج عن زهاو في التاسع من أيار (مايو) من العام الحالي، أصدرت محكمة إقليم هينان تحذيراً حول استخدام التعذيب مع المتهمين، وقالت إن هذا اليوم مناسبة يجب أن تصبح ذكرى لوقف القبول بالاعترافات المنتزعة من خلال التعذيب، وإن ذلك يجب تعميمه على مختلف أرجاء الصين.
ليست قضية زهاو الوحيدة من نوعها في الصين، حيث شهد عام 2005 إطلاق سراح رجل اعترف بقتل زوجته،لكن تبين أنها على قيد الحياة بعد 11 عاماً من ذلك، حيث كانت قد هربت مع رجل آخر, ولم تستطع الشرطة تقديم دليل بوجود الجثة في ذلك الحين.
وكان المتهمان في هاتين القضيتين من المحظوظين، حيث كانا على قيد الحياة حين تبين أنهما لم يقترفا الجريمة. ولقي كثير من المتهمين حتفهم من خلال أحكام بالإعدام صدرت بحقهم قبل أن يتبين خطأ تلك الأحكام. ولذلك تركز الصين في الوقت الراهن بصفة خاصة على التدقيق الشديد في القضايا التي يمكن أن تؤدي إلى الحكم بالإعدام. ويتم إعدام عدد من الأشخاص في الصين سنوياً بما يزيد على مجموع من يتم إعدامهم في بقية دول العالم. وتمثل القواعد القانونية الجديدة خطوة جيدة إلى الأمام، سواء على صعيد النظام القانوني أو حماية حقوق الإنسان.
إن جعل الاعترافات المنتزعة بالتعذيب غير مقبولة في المحاكم الصينية يمثل تحولاً إيجابياً في العقلية القانونية في الصين. ويركز هذا التوجه على الحرص على عدم إدانة الأبرياء من الناس.
غير أنه ما زال علينا أن ننتظر كي نرى الكيفية التي يمكن أن تطبق بها مثل هذه القواعد القانونية الجديدة، وذلك في ظل وجود كثير من القواعد القانونية الجيدة في الصين، لكن التنفيذ كثيراً ما يمكن أن يكون بصورة انتقائية.
إن هنالك طريقاً طويلاً ما زال على النظام القانوني في الصين أن يقطعه، حيث ما زال الناس في انتظار أن يتم فرض حق كل مواطن في أن يكون لديه محام يدافع عنه. وطالما يعمل القضاة في ظل سيطرة الحزب الشيوعي الصيني، فلن يكون في الصين قضاء حقيقي، وتطبيق فعلي لسيادة القانون. غير أن معظم القضايا ليست ذات طبيعة سياسية, ولذلك فإن حرص المحاكم على تطبيق القانون في القضايا غير السياسية يعد خطوة واسعة إلى الأمام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي