أسطول الحرية
الجميع في كل أنحاء العالم تابع الفجيعة التي حدثت بالهجوم الصهيوني الوحشي على أسطول الحرية, الذي شارك فيه المئات من أحرار العالم المنتمين إلى دول عدة وأديان مختلفة, الداعمين فك الحصار الظالم على قطاع غزة, الذي فرض منذ الانتخابات الفلسطينية التي جاءت بحماس إلى السلطة, وعقاباً للشعب الفلسطيني الذي مارس حقه في انتخاب حكومته فرض الحصار من قبل الغرب خدمة لإسرائيل وبتواطؤ عربي مخز.
تركيا ومعها المئات من أحرار العالم رأوا في هذا الحصار ظلماً وجوراً يلزم إزالته والتصدي له, لذا سيرت تركيا سفينة مرمرة ومعها خمس سفن أخرى تحمل المؤن والدواء للشعب المحاصر, تعبيراً عن التعاطف مع الشعب الفلسطيني ورفضاً للظلم الذي يمارسه الغرب وإسرائيل ضد هذا الشعب المسكين, الذي عانى ويعاني منذ أن نكب باحتلال وطنه من قبل اليهود المهاجرين من العالم الغربي وتبعهم المهاجرون من العالم العربي. ردود الفعل إزاء المذبحة التي مارسها الصهاينة تباينت بين رسمية وشعبية, وما رصدته كاميرات الإعلام كشف أن الشعوب ساخطة, خاصة في تركيا وبعض الدول الغربية, وكذلك بعض المجتمعات العربية التي سمح لها بالتعبير عن غضبها, لكن شعوباً أخرى تغلي من الداخل وترغب في التعبير الحر والمباشر عن مشاعرها, لكنها تعجز عن ذلك بسبب رفض أنظمتها مثل هذه الممارسات.
أما ردود الفعل الرسمية فلم تكن بأكثر من الشجب والتنديد التي اعتادتها الأنظمة, وكأني بهذه البيانات جاهزة في درج من الأدراج وكلما حدث حادث وفجيعة كهذه المذبحة أو كمذبحة الحرب على غزة فتح الدرج وأخرج منه البيان ونشر عبر وسائل الإعلام لإرضاء الشعوب ولو لفترة وجيزة امتصاصاً للغضب وأخذاً بالخاطر. بان كي مون أمين عام هيئة الأمم المتحدة عبر عن صدمته إزاء الجريمة, كما أن ساركوزي شعر بالصدمة كذلك, وعندما قرأت الخبر خفت على الاثنين وخشيت أن يصابا بالانهيار العصبي نتيجة هذه الصدمة, وهذا من شأنه أن يعطل دوريهما كأمين للأمم المتحدة أو كرئيس لدولة فرنسا.
الرئيس الأمريكي من جانبه عبر عن شعوره بالامتعاض مما حدث, وفي ظني أن الرئيس الأمريكي بهذه العبارة أثبت بصورة عملية سياسته نحو العالم الإسلامي التي عبر عنها في خطاب تنصيبه رئيساً لأمريكا, وكذلك في خطابه في جامعة القاهرة, ولعل الواهمين من العرب يعرفون حقيقة من يتعاملون معه وحجم القوة أو الدور الذي من الممكن أن يؤديه الرئيس أوباما أو أي رئيس أمريكي آخر.
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كان رد فعله عنيفاً وتوعد بمعاقبة المسؤولين عن هذه الجريمة, أما العرب فتمثل رد الفعل في مجلس الوزراء العرب الذي أحال الموضوع إلى مجلس الأمن, ويعجب المرء من هذا التصرف, حيث إن مجلس الأمن لم يقف ولو لمرة واحدة مع الحق والعدل وكيف يرتجى خير ومجلس الأمن توجد فيه روسيا أول دولة اعترفت بالكيان الصهيوني وأمريكا الداعم الأساس اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وبريطانيا البلد الذي أوجد الكيان الصهيوني وفرنسا التي بنت مفاعل ديمونة؟ هل مع هذه التركيبة يرتجى خير؟ وما حدث من مداولات ومن ثم قرار هزيل حاولت أمريكا تعطيله أكبر دليل على سوء تقدير مجلس وزراء الخارجية العرب الذي خيب آمال الشعوب وزادها إحباطاً يضاف إلى القرارات المحبطة السابقة.
الشعب الإسرائيلي وقف بجانب حكومته وأيد تصرفاتها العدوانية والوحشية, وما المظاهرة الحاشدة أمام السفارة التركية إلا دليل قاطع على أن سياسات حكومة الصهاينة مدعومة بموقف شعبي يرى أن الغطرسة والقوة والقتل وسفك الدماء هي السبيل الأمثل للمحافظة على الكيان المغتصب, كما أن المشاجرات التي حدثت في الكنيست بين اليهود والعرب أعضاء الكنيست تؤكد وبشكل قاطع أن هذا الكيان لا يفهم سوى سياسة القهر وما عدا ذلك ما هو إلا شعارات يراد منها تحسين الوجه القبيح وتخدير النظام الرسمي العربي, الذي يلهث وراء اليهود عارضاً عليهم المبادرة العربية للسلام, التي ماتت قبل مولدها حين اقتحم شارون أراضي الضفة وسفك الدماء على مرأى من العالم, وفي وقت كان العرب مجتمعين فيه في بيروت يدرسون مبادرتهم.
مع ما رأته شعوب العالم أجمع, والشعب العربي والإسلامي على وجه الخصوص, في هذه الفاجعة أو الفواجع الأخرى التي حدثت خلال العقود الماضية يتساءل المرء: ما الذي يجعل الغرب يستميت في الدفاع عن اليهود الصهاينة وممارساتهم العدوانية المنافية لكل القيم الإنسانية والدينية؟ هل من مصلحة الغرب دعم هذه الممارسات مادياً وعسكرياً وسياسياً؟! الجميع يعلم أن مصالح الغرب الكبرى في الوقت الراهن مرتبطة بالعالم العربي والإسلامي حيث البترول والشركات العاملة وتجارة السلاح التي يشتريها العرب بأغلى الأثمان, ومع هذه المصالح ينحاز الغرب لليهود. لا يمكن أن يفسر هذا الدعم إلا بوجود عامل أقوى من عامل المصالح, وفي تقديري أن الجانب العقائدي المتمثل في إيمان المسيحيين بأن عودة عيسى ــ عليه السلام ــ تتم حين يتجمع اليهود في أرض فلسطين, أو أرض الميعاد كما يعتقدون, هو العامل الأساس في الصراع القائم.
بقي أن يبحث المرء في سر مواقف العرب المتخاذلة, هل هي بسبب الضعف والهوان أم بسبب المصالح الضيقة التي تجمع بين النظام الرسمي العربي والغرب, أم سوء تقدير لما قد تؤول إليه الأمور مستقبلاً إذا استمر الوضع على ما هو عليه؟! إن التعلق بالمجتمع الدولي والضمير العالمي وهيئة الأمم ومجلس الأمن ما هو إلا ضحك على الذات قبل أن يكون مقنعاً للشعوب, وما على الجميع شعوبا وحكومات إلا العمل الدؤوب لبناء الذات وفسح المجال لأبناء الأمة كي يسهموا إسهاماً حقيقياً في رد الصهاينة وإيقافهم عند حدهم .. فهل نأخذ الدروس والعبر أم نستمر في السبات؟!