الشيخ عبد الله بن خميس.. تجربة الريادة في تاريخ الأدب وجغرافيا الإعلام

الشيخ عبد الله بن خميس.. تجربة الريادة في تاريخ الأدب وجغرافيا الإعلام
الشيخ عبد الله بن خميس.. تجربة الريادة في تاريخ الأدب وجغرافيا الإعلام
الشيخ عبد الله بن خميس.. تجربة الريادة في تاريخ الأدب وجغرافيا الإعلام

منذ الساعات الأولى لمساء الثلاثاء الماضي، بدأ مركز الملك فهد الثقافي بوضع اللمسات الأخيرة على ليلته التي ستشهد تكريم مرحلة كاملة من الثقافة والصحافة والفكر عنوانها دائما «الشيخ عبد الله بن خميس» الذي اختاره منتدى ثلوثية بامحسون وملتقى تريم الثقافيين ليكون شخصية العام تقديرا لإسهاماته الكبيرة في المشهدين الأدبي والإعلامي وإنجازاته في مجالات عدة بمؤلفاته وأبحاثه المتنوعة.
على مقربة من وادي حنيفة الذي عشقه ابن خميس وتغنى به، كان العدد الكبير من المثقفين والأدباء الحاضرين على موعد وفاء جديد لأحد الرموز الثقافية التي صنعت تاريخا حافلا على مدى عقود من الزمن، حيث بدأ الدكتور عمر بامحسون بتقديم التحية للجميع نيابة عن راعي الحفل الأمير عبد العزيز بن سلمان، قبل أن يستعرض جوانب من سيرة الأديب عبد الله بن خميس, موضحا أن تكريمه يأتي ضمن ما درج عليه المنتدى الثلوثي من اختتام موسمه بتكريم أحد رموز العلم أو الثقافة أو الخدمة الاجتماعية.
من جانبه, تحدث الشيخ عبد الله بن سالم باحمدان في كلمته عن استحقاق الأديب الكبير للتكريم نظير مجهوداته التاريخية في التأليف والأدب والإعلام, حيث وصفه بمتعدد المواهب الذي كان سباقا لإصدار صحيفة كانت تمثل في وقتها أحد أهم وسائل الثقافة وأضاف باحمدان» ولم تكن الصحافة وحدها ما تميز به عطاء عبد الله بن خميس، بل امتدت إسهاماته إلى مجالات التربية والتعليم والعمل الإداري وعضويته للمجلس الأعلى للإعلام، فضلا عن كونه مؤلفا غزير الإنتاج وشاعرا يكتب بالفصحى والعامية».
وبعد عرض فيلم وثائقي عن سيرة الأديب ابن خميس، منح مدير الجلسة الدكتور عبد الله الوشمي الكلمة للباحثة هيا السمهري التي قدمت ورقة حول الحياة المبكرة لابن خميس التي وصفته «بالشاعر الباحث الأديب المحقق الصحافي الرحال» في محاولة لاختزال بعض ملامح تلك التجربة الثرية، وكان للسمهري إضاءات مهمة على تلك المرحلة من حياة ابن خميس وهي المشتغلة في رسائلها الأكاديمية على سيرته وأدبه، حيث ذكرت جوانب من ولادته في قرية الملقا قرب الدرعية في عام 1339هـ مشيرة إلى قصة امرأة رأت في منامها وفي ليلة مولده تحديدا أن والده يحمل بيده سيفا وهي الرؤية التي أخبرته بها ففسرها بكونه «سيرزق بولد يكون له شأن كبير».
واستمرت السمهري في ورقتها بتناول مراحله الدراسية بين كتاب الدرعية ورحلته إلى حائل, حيث تعلم القراءة والكتابة والحساب، ثم انتقاله إلى مدرسة دار التوحيد الشهيرة في الطائف وهناك كون جزءا كبيرا من ثقافته، وألقى قصائده الأولى بين يدي الملك عبدالعزيز ومن ثم أمام الشاعر الأمير عبد الله الفيصل الذي أعجب به. وفي الورقة التي تشير فيها الباحثة إلى نجاح الشيخ في الجمع بين العلم والعمل، تذكر أن كثرة تجواله في الصحراء إبان عمله في جباية الزكاة قد منحته المعلومات الجغرافية التي بنى عليها عددا من أهم مؤلفاته في هذا الصدد بعد أن تجول في كافة مناطق المملكة لدرجة أنه أجاب مرة بقوله «لا أعتقد» حين سئل عن وجود شبر في الجزيرة العربية لم تطأه قدماه!
أما المعلومات المهمة التي تضمنتها ورقة السمهري عن الشيخ ابن خميس فقد شملت الإشارة إلى محطاته في معهد الأحساء العلمي ورئاسته العامة لمعهد القضاء الذي يعد نواة وزارة العدل الحالية ، ومنها مالم يكن معروفا لدى الكثيرين مثل أنه تتلمذ على الشيخ المعروف محمد متولي الشعراوي والذي درسه في كلية الشريعة واللغة العربية بمكة حيث تنبأ له بالنبوغ في بيتين كتبهما الشعراوي ردا على قصيدة كاملة كتبها ابن خميس حين لم يكن مطلوبا منه أن يكتب أكثر من موضوع تعبير.

#2#

#3#

في جانب آخر، قرأ الدكتور محمد الربيع جوانب من ورقة مطولة أعدها بعنوان «ابن خميس أديبا» قال فيها إن الأديب الكبير يعد من عمالقة الشعر والأدب بعد أن ارتبط بهما في مرحلة مبكرة من حياته، لينكب بعدها على قراءة ديوان الشعر العربي – كما يشير الربيّع- حفظاً ونقداً وتحليلاً لدرجة أن من يقرأ شعره وبحوثه يصنفه بين أبرز شعراء العربية. وحول عشقه الواضح للجزيرة العربية تناولت ورقة الربيّع ظهور هذا الجانب في قصائد ابن خميس التي تزخر عناوينها بأبطال الجزيرة وأماكنها ومواقعها كما تتضمن مؤلفاته أهازيج الحرب والقصص والحكايات المرتبطة بتراث وتاريخ هذه المنطقة. ويضيف الربيع إلى حديثه جوانب أخرى في أدب الشيخ ومنها دفاعه عن قضايا الأمة ومخاطبته المدن العربية في نصوصه وكذلك كتابته للمقالة السياسية والاجتماعية واعتناؤه بالتراث والمنافحة عن اللغة ومطالبته بمجمع لها.
وعن الرجل الذي يصنع ملحمته ويعيشها بعد أن يزيل برزخ ما بين الحلم وركاكة الواقع، تحدثت الأديبة والكاتبة المعروفة أميمة الخميس عن «الشاعر الفارس» فيما لايمكن اعتباره ورقة احتفاء بقدر ماهو نص قابل لاشتغالات تتجاوز بكثير مجرد فكرة الكلمة المعجبة بأبيها المعنى، ففي المبحث المعنون «ابن خميس إنسانا..»أسالت روائية البحريات نهرا لغويا بالغ التأثير قبل أن تعيد بنبرتها السردية المعروفة تخيل مشاهد طفولتها وهي تلهج بكثير من الامتنان لتلك النشأة التي وجدت نفسها فيها بين كتب تمتد على مدى نظرها وفي كنف والدين يتبادلان القراءة ويتداولان المراجعة في مساءات ثقافية تستثير المواهب وتحفز العقل والفكر. وعن ذلك الظل التربوي تضيف الأديبة الوارفة «كان المتنبي يشارك الوالد في تربيتنا وطالما استخدم أبياته في تأنيبنا أو عتابنا أو استحثاث هممنا» متناولة كذلك ارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينية حيث تجاوز الكتابة عنها في قصائده إلى العمل الميداني نائبا للجنة الشعبية لرعاية أبناء فلسطين، وكشفت عن وجود العلم الفلسطيني في مكتبته وعن وجود شارع في مدينة غزة يحمل اسمه.
وإن كانت أميمة الخميس قد أشارت إلى اعتياد والدها الأديب الكبير أن يقرأ عليهم بعضا من نصوصه ومعاركة الأديبة الشهيرة إلا أن متعة من نوع آخر تضمنها حديثها عن تجربة السفر البري إلى الطائف في فصل الصيف برفقة الشيخ عبدالله بن خميس وهي الرحلة التي تشعرها بوجود بعثة جغرافية كاملة في شخص رجل واحد هو الوالد الذي يجعل تجربة كتلك لا تنسى بفضل مايرويه طيلة الطريق من قصص وأدب وأخبار فضلا عن الشرح التاريخي و الجغرافي المواكب للمرور بكل المحطات والمواقع على طريق المجاز باتجاه الحجاز..أو رحلة السفر إلى عروس المصائف.
من ناحية أخرى, تحدث الإعلامي المعروف الدكتور عبد الرحمن الشبيلي الذي كان يحاور الشيخ ابن خميس في لقاء تلفزيوني عمره يتجاوز 30 عاما تم عرض جزئية منه في الحفل، وفي الورقة التي تناولت الشخصية الإعلامية العريقة لابن خميس، أشار الشبيلي إلى مراحل مهمة كان أبرزها تأسيس الشيخ صحيفة الجزيرة في عام 1960 م لتكون صنواً لمجلة اليمامة التي أسسها العلامة حمد الجاسر، وقال إن الصورة الذهنية للمثقفين لا تفصل ابن خميس الناقد عن الأديب ولا الجغرافي عن الإعلامي، وأضاف «لقد قدح زناد فكره بخجل تحت اسم فتى اليمامة حين كان في دار التوحيد وقاد طلابه في الهفوف لإصدار مجلة هجر قبل أن يعود إلى الرياض ويؤسس صحيفة رائدة بدأت فكرتها في داره في شارع الخزان، وطبعت في شارع السويلم، وتنقلت بين شارع جرير والناصرية حتى استقرت في موقعها الشامخ شمالي العاصمة»، وقد تناولت ورقة الشبيلي ذات الحس التوثيقي العالي محطات إعلامية مهمة في سيرة ابن خميس ومنها مشاركته في عضوية المجلس الأعلى للإعلام في 1396هـ ، وإنشاؤه مطابع الفرزدق الشهيرة من منزله في الملز، وبرنامجه المعروف في الإذاعة «من القائل» والذي اشتهر في الفترة بين 1402 و1405 هـ ، وكذلك احترافه الكتابة الصحافية التي وصلت باسمه إلى العالم العربي، ويضيف الشبيلي «لم يكن ناقدا فقط ولكنه كان منظرا إعلاميا يدعو إلى الصحافة الحرة النزيهة ويفسح المجال للاسم النسائي الصريح بالكتابة ويعبر عن فكره شعراً ونثرا» واشار في ختام حديثه إلى أن الشيخ عبد الله بن خميس أهدى مكتبته الغنية إلى مكتبة الملك فهد الوطنية حيث يعلق الأديب عبد الله الناصر الذي اطلع على محتوياتها بأنها كانت تتفوق على ماهو موجود في المكتبة بما في ذلك مقتنيات الأدباء الكبار، فضلا عن وجود ما يفوق 800 عنوان لا يوجد لها مثيل في قوائم المكتبة.
وبعد مداخلة للأديب والمؤرخ عبد الله الحقيل الأمين السابق لدارة الملك عبد العزيز تحدث فيها عن العلاقة التي ربطته بابن خميس على مدى 40 عاما لمس فيه شخصيته المتفردة في الأدب والنقد والتاريخ والجغرافيا ، بجانب موهبته الشعرية التي وصفها بأنها امتداد لمدرسة أبي تمام الشعرية، تحدث عصام الخميس نيابة عن إخوته متوجها بالشكر لمنتدى ثلوثية بامحسون معتبرا أن تكريم الرواد من صفات الأمم المتقدمة، ليختتم الحفل بمفاجأة أسعدت الكثيرين وهي قصيدة «جبل طويق» بإلقاء الشاعر الكبير والرمز المحتفى به عبد الله بن خميس. لتختتم الليلة التي اكتملت بلفتة رائعة من صديقه ورفيق دربه الأديب الشيخ عبد الله بن إدريس حيث أبى إلا أن يكون حاضرا في هذا الحفل.

الأكثر قراءة