من ذاكرة المونديال: النجم ماركو فان باستن
سيبقى تاريخ كرة القدم محتفظا بيوم 25 يونيو 1988، ومعه تحتفظ ذاكرة المتتبعين بهدف من طراز نادر سجله لاعب هولندي اسمه ماركو فان باستن في مرمى المنتخب الاتحاد السوفياتي سابقا في المباراة النهائية لبطولة الأمم الأوروبية التي أقيمت على الملعب الاولمبي في ميونيخ وانتهت بفوز المنتخب "البرتقالي" باللقب للمرة الأولى في تاريخه.
عندما مرر موهرن من الجهة اليسرى كرة عرضية داخل المنطقة، لم يكن احد يتخيل إن باستطاعة إي مهاجم مهما بلغت حرفنته استثمارها لأنها كانت عالية وبعيدة عن المرمى، بيد إن فان باستن سددها على الطائر بطريقة ولا أروع ليسكنها الزاوية البعيدة لمرمى الحارس العملاق رينات داساييف. حتى فان باتسن نفسه لم يصدق انه سجل هدفا اعتبر الأجمل في تاريخ نهائيات كاس ألام الأوروبية.
ولد فان باستن في 31 اكتوبر 1964 في اوتريخت من عائلة ميسورة، أبوه كان لاعب كرة قدم محترف أنهى مشواره في هذه المدينة، قبل إن يتجه إلى التجارة. إما أمه فكانت أحدى أفضل لاعبات جيلها في رياضة الجمباز.
ويدين فان باستن كثيرا لامه في صقل مواهبه منذ الصغر، ويعترف بأفضالها عليه قائلا "ادين بالكثير لامي، والفضل يعود اليها في تلقيني سرعة البديهة، واختيار الوقت المناسب، وكذلك في التمركز". اكتشف مبكرا من مسؤولي نادي اياكس أمستردام العريق، الذين لم يتاخروا في ضمه إلى الفريق، وبدأ مسيرته مع الفريق الأول وهو في السابعة عشرة وبالتحديد في 3 ابريل 1982 ضد نيميغن ضمن الدوري المحلي.
ويصف فان باستن بدايته مع الفريق الأول قائلا "مضى على بدايتي مع الفريق الثاني 8 اشهر، وفي صفوفه سجلت عددا لا بأس به من الأهداف، فاختارني المدرب آد دو موس لأكون احتياطيا في هذه المباراة، وكنت سعيدا جدا."
كان اياكس متقدما بهدفين، عندما أشار المدرب دو موس إلى الشاب فان باستن، طالبا منه القيام بالتسخين استعدادا للدخول مكان نجم هولندا الأول اللاعب الأسطورة يوهان كرويف، وعندما أشار لماركو بالدخول لم يصدق ابن السابعة عشر ما يحدث له، فحلمه بدا يتحقق، بل أكثر من ذلك سيكون بديلا لمثله الأعلى على الميدان، الذي لطالما حلم برؤيته فقط عندما كان طفلا، وها هو الحلم يتحقق.
ومن هنا بدات مسيرة اللاعب الاحترافية حيث تمكن بعد دخوله من تسجيل هدف، وفي غرف الملابس تقدم كرويف من فان باستن وهمس له مبتسما "ستذهب بعيدا في ميدان كرة القدم".
ومنذ ذلك الحين، بدأت العلاقة بين الشاب فان باستن والنجم كرويف تتوطد، وتحولت شيئا فشيئا إلى علاقة صداقة حميمة، وقال نجم هولندا فيما بعد "ادين بكل شيء إلى كرويف" بينما قال لاعب اياكس جوني فانت شيب معلقا على هذه العلاقة "كان فان باستن يملك دائما الموهبة، لكن كرويف أضاف له الباقي".
بعدها سطع نجم ماركو محليا، وتألق بتتويجه لأربعة مواسم متتالية كهداف للدوري، وتمكن من تسجيل 123 هدفا في 129 هدفا مع اياكس، محطما كل أرقام من سبقوه في البطولة الهولندية.
غير انه وبرغم تألقه ضمن ناديه، خاصة بعد عودة كرويف إلى اياكس أمستردام كمدرب وتتويجه بلقب كاس الكؤوس الأوروبية، إلا إن اسم فان باستن بقي يتداول محليا فقط، ولم يستطع تجاوز حدود بلاده. ولم يبدأ بروز فان باستن الا بعد طلاقه مع كرويف صيف 1987، عندما تعاقد نادي ميلان الإيطالي مع النجم رود خوليت، حيث نصح الأخير رئيس النادي سيلفيو برلوسكوني بالتعاقد مع رأس حربة اياكس فان باستن.
واستمع برلوسكوني لنصيحة النجم القادم، وتعاقد مع فان باستن، غير إن رئيس النادي الإيطالي ندم في الأول اشد الندم على هذه الصفقة، بعدما أجريت عمليتين جراحيتين على كاحلي اللاعب الهولندي بداية خريف السنة ذاتها، ما اجبره للخلود إلى الراحة لمدة ستة اشهر، ثم سجل أول عودة له إلى الملاعب في أخر الموسم في مباراة ناديه بنابولي، عندها تمكن من تسجيل هدف اهدي به لقب السكوديتو إلى الميلان.
برغم ذلك بقي اسم فان باستن مقترنا بالدوري الهولندي، ولم يستطع البروز بين أسماء اللاعبين الذين يصنعون إحداث أغلى وأقوى دوري في العالم. وكان لزاما على فان باستن الذهاب إلى ألمانيا برفقة منتخب بلاده للمشاركة في بطولة أمم أوروبا عام 1988.
ولم يكن مدرب المنتخب الهولندي رينوس ميكيلز ينوي اقحام فان باستن كلاعب اساسي في هذه البطولة، برغم المجهود المضني الذي يقوم به هذا اللاعب في التدريبات.
ولعبت هولندا أولى مبارياتها إمام الاتحاد السوفياتي، ومنيت بهزيمة (صفر-1)، بعدها طالب كرويف الناقد في أحدى الصحف المحلية بضرورة إشراك فان باستن. وتلقى المدرب رسالة النجم الهولندي الكبير بوضوح، وطبق النصيحة مباشرة حيث أقحم فان باستن أساسيا في المباراة الثانية الصعبة إمام إنكلترا.
وتالق ماركو في هذه المباراة وتمكن من تسجيل ثلاثة أهداف مقابل هدف إنكليزي، مهديا الفوز لمنتخب بلاده، ومثبتا للجميع جدارته باللعب في صفوف المنتخب، وصحة أقوال كرويف. عندها تحول فان باستن وبين عشية وضحاها من نجم محلي جالس على مقاعد الاحتياط إلى نجم عالمي، وبطل قومي في أنظار الهولنديين.
وتأهل المنتخب الهولندي إلى الدور نصف النهائي بعد تغلبه على منتخب جمهورية ايرلندا (1-صفر). مباراة الدور نصف النهائي في هذه البطولة كانت صورة طبق الأصل، لنهائي كأس العالم 1974 في ميونيخ عندما هزمت ألمانيا الغربية رفقاء كرويف (2-1) وحرمتهم من اللقب العالمي.
بعد 14 عاما أعاد التاريخ نفسه وكانت الفرصة للهولنديين للثأر من الألمان وفي عقر دارهم، ومثل ما حصل في ميونيخ عام 1974 كان افتتاح التسجيل من ركلة جزاء في الدقيقة 54، لكن هذه المرة لصالح الالمان، وبعد مرور 19 دقيقة احتسب الحكم ركلة جزء لهولندا وجاء هدف التعادل منها كذلك مثل ما حصل في المباراة النهائية في كأس العالم.
وفي الدقيقة 88 وعندما كانت المباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة والكل ينتظر احتكام المنتخبين إلى الوقت الإضافي، مرر يان فوترز كرة أمامية لفان باستن، الذي تمكن من دخول منطقة الجزاء وبرغم مضايقته من المدافع يورغن كولر، نجح في تسديد كرة زاحفة خدعت الحارس ايكه أيميل محققا أمال زملائه في الثأر من الألمان ومانحا لهم التأهل إلى المباراة النهائية.
والتقى زملاء فان باستن في المباراة النهائية في 25 يونيو في ميونيخ المنتخب السوفياتي الذي فاز عليه في الدور الأول، وبعد مرور نصف ساعة من صافرة البداية تمكن خوليت من منح التقدم لهولندا بتسديدة رأسية.
وفي الدقيقة 57 نجح فان باستن في تسجيل هدف ولا أروع عندما تلقى كرة عرضية فتحة من موهرن، بتسديدة على الطائر أبهرت العالم اجمع وقضت على أمال السوفيات في إدراك التعادل. بعد خوضه أربع مباريات وتسجيله خمسة أهداف، صار المهاجم الهولندي نجما كبيرا، وأصبح يبث الرعب بين مدافعي "الكالتشيو" وأوروبا معا، لان الموسمين اللذين تليا بطولة أمم أوروبا كانا مثمرين لفان باستن، وتمكن خلالهما من حصد ألقاب عدة، فتوج بلقب كاس الأندية الأوروبية أبطال الدوري (دوري الإبطال حاليا) مرتين، ونال لقب هداف الكالتشيو مرتين متتاليتين أيضا.
كما قاد ميلان إلى نيل اللقب المحلي عام 1992، وخلال هذا العام نال فان باستن الكرة الذهبية الثالثة له محققا رقما قياسيا، وصار بذلك ميلان بقيادة فان باستن سيد القارة العجوز لعدة مواسم. غير إن لعنة الإصابة لم تسمح لهذا المهاجم البارع، من مواصلة إبداعاته على الميادين الخضراء، وكانت المباراة النهائية لكأس أوروبا للأندية أبطال الدوري عام 1993 إمام مرسيليا الفرنسي في ميونيخ والتي خسرها ميلان (صفر-1)، أخر ظهور لفان باستن، الذي استسلم بعد عملية جراحية في كاحله في 6 حزيران جوان 1993، ووضع حدا لحياته الرياضية.
- بطاقة:
الاسم: ماركو فان باستن
تاريخ الميلاد: 31 تشرين اكتوبر1964
الأندية التي دافع عن ألوانها: اياكس أمستردام وميلان
57 مشاركة دولية
الإنجازات
1982: بطل هولندا
1983: بطل هولندا
كاس هولندا
1985: بطل هولندا
1986: كاس هولندا
1987: كاس هولندا
1988: بطل ايطاليا
بطل أوروبا للأمم
الكرة الذهبية الأوروبية
1989: بطل أوروبا للأندية أبطال الدوري
الكرة الذهبية الأوروبية
1990: بطل ايطاليا
بطل أوروبا للأندية أبطال الدوري
1992: بطل ايطاليا
الكرة الذهبية الأوروبية
1993: بطل ايطاليا