رجل قوي في حكومة هندية ضعيفة

بينما تضعف حكومة التحالف الهندية بصورة غير متوقعة بعد عام من تسلمها السلطة، فإن اتفاقية تقاسم السلطة بين رئيس الوزراء، مانموهان سنج، ورئيسة حزب المؤتمر، سونيا غاندي، أنهت مسارها المفيد، كما برز مشارك آخر على صعيد الديناميكيات التنفيذية هو وزير المالية، براناب مكهيرجي، ذلك المتحدث بمكر ونعومة، والذي يتميز كذلك بعمق التفكير. إن هذا الرجل من حيث الواقع، هو الرجل الثاني في مجلس الوزراء، حيث يقوم بجميع مهام نائب لرئيس الوزراء دون أن يحمل هذا اللقب بصورة رسمية، وهو أمر يسبب له الحزن. وعلى الرغم من عدم وجود منصب نائب لرئيس الوزراء في الدستور الهندي، فإن لهذه الوظيفة ما يتجاوز القيمة الرمزية، وذلك لأن الشخصية السياسية البارزة، ساردار باتل، كان يقوم بهذه المهمة طول وزارة جواهر لال نهرو، وحتى وفاته، بينما كان أداني آخر شخصية قوية تتولى هذا الشأن في عهد حكومة فايجابيي.
إن وزير المالية الحالي الذي تولى عدة مناصب وزارية منذ عام 1973، ابتداءً من حكومة أنديرا غاندي، كان رئيساً لسنج حين كان برناب يتولى منصب وزير المالية، بينما كان سنج محافظاً لبنك الاحتياطي الهندي. وكان ينظر إلى وزير المالية هذا على أنه شخص شديد الطموح، حيث رأى في نفسه خليفة لرئيسة وزراء الهند، أنديرا غاندي، بعد اغتيالها في عام 1984، واضطر إلى الخروج من حزب المؤتمر خلال رئاسة راجيف غاندي لذلك الحزب.
لقد عمل رئيس الوزراء راو الذي خلف راجيف غاندي على إعادة إبراز براناب، ولكن سنج تفوق عليه وهو يصنع لنفسه سمعة دولية مرموقة كوزير مالية في حكومة راو في أوائل تسعينيات القرن الماضي، حيث شرع في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي مهدت لعقد من الزمن شهدت فيه الهند نمواً اقتصادياً سنوياً بمعدل 8 في المائة. وقررت سونيا غاندي أن يكون سنج رئيسياً للوزراء في عهد الحكومة المقبلة لحزب المؤتمر. ولكن حيث حدث ذلك حقق براناب كذلك عودة بارزة بأن تم انتخابه ممثلاً ولاية البنجال الغربية في مجلس لوك سابها، وذلك لأول مرة منذ بداية حياته السياسية.
لقد أثر اختيار سونيا غاندي لرام كرئيس وزراء مقبل بصورة سلبية في براناب، كما أن رئيسة حزب المؤتمر لم تشجع اختياره ليحل في منصب وزير الداخلية، خوفاً منها أن يصبح أقوى بكثير من أن تسيطر عليه، وبالتالي فإن هذا المنصب كان من نصيب سيفراج باتي التي أدى ضعفه، وعدم كفاءته أثناء الهجمات الإرهابية على مدينة مومباي في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2008 إلى إرغامه على الاستقالة، حيث حل محله سندامباران.
غير أن براناب ترك بصمة واضحة في الموقعين اللذين شغلهما، سواء في مجال الدفاع، أو الخارجية، إذ إن هذا الرجل كشف عن موقف صلب للغاية خلال هجمات مومباي، وأصبح أكثر الوجوه الحكومية شهرة، كما أنه غدا الرمز الحي لقوة الاتحاد الهندي بصفته وزيراً للاتحاد الوطني خلال تلك الأيام المضطربة، حيث أظهر تفوقا واضحاً على أي من أعضاء مجلس الوزراء، بما في ذلك من كانوا يشغلون وظيفة نائب رئيس مجلس الوزراء من الناحية العملية.
ظهرت إضافة إلى كل ذلك مواهبه وقدراته على مواجهة الظروف الصعبة، وعلى حل المشكلات لدى عودة حزب المؤتمر إلى السلطة، حيث أصبح يترأس كل اللجان الوزارية ذات المهام البارزة. وأصبح في نظر سونيا غاندي ''الرجل الحكيم'' في مجلس الوزراء. ونظراً لعلاقاته الوثيقة للغاية، ونفوذه الكبير في ولاية غرب البنجال، فقد أصبح ممثلاً لها في عدد من المجالس ذات الصلاحيات الواسعة، وأصبح على علاقة ممتازة مع الأحزاب اليسارية التي تمنح تأييدها بصورة تلقائية إلى حزب المؤتمر الهندي.
وكان له دور بارز تماماً في تجنب عدم الصدام العلني بين رئيس الوزراء سنج، وأحزاب الاتجاه اليساري، وذلك بخصوص اتفاقية التعاون النووي التي توصلت إليها حكومة سنج مع الولايات المتحدة. وقد استطاع براناب بذلك أن يثبت، بصورة لا يرقى إليها أي شك، أنه المدير الفاعل للتحالف.
نظراً للضعف السياسي لدى رئيس الوزراء سنج، وكون سونيا غاندي ليست سياسية سهلة التعامل، فقد أتاحت هذه العوامل الفرصة لبراناب لكي يصبح رجل الحكومة المهم، وكذلك المبعوث من جانب حزب المؤتمر الهندي للقيام بمهام الاتصال الأساسية مع الأحزاب الأخرى.
إن لهذا الرجل قدرة على تحقيق معادلات التعامل مع حزب بهاترا المعارض، حيث هنالك من يقولون بصوت عال إن حزب المؤتمر كان سيواجه صعوبات هائلة في هذه العلاقات دون وجوده. ولولا علاقاته مع زعماء أحزاب أخرى لاضطرت الحكومة إلى الرضوخ إلى رغبة عدد من أولئك الزعماء بإجراء تخفيضات هائلة في الميزانية العامة الحالية.لقد ساعدت هذه الجهود الكبرى الحكومة في السيطرة على خطط الإنفاق الخاصة بفترة السنوات الأربع المتبقية على ولايتها. واستطاع هذا الرجل بالفعل تخطي كثير من العقبات التي توجدها المعارضة، وتمكن من إقناع جميع الأطراف بتبني نظام الترقيم الخاص بعملية الإحصاء العام في الهند، واستطاع بذلك تخطي صعوبات متعددة أثارها عدد من وزراء الحكومة.
لماذا إذن تراجع الأداء الحكومي للتحالف خلال السنة الأولى من فترة التفويض التي تمتد إلى خمس سنوات؟ وهل يستطيع هذا الرجل الإمساك بالأمور، والاستفادة من هذه الفرصة، والعمل على وضع الأمور في نصابها بما لديه من مواهب سياسية كبيرة؟
يتهم المنتقدون هذه الحكومة بالعجرفة والتعالي لأن هذه هي فترة حكمها الثانية، كما يقولون إنها لا تأخذ رأي الأحزاب الأخرى لدى اتخاذها القرارات الحاسمة. وعلى الرغم من أن هذه الأمور صحيحة، إلا أنها ليست كافية لتفسير سبب تراجع أداء هذه الحكومة خلال هذه الفترة''.
إن الأمر الواضح تماماً هو أن رئيس الوزراء، سنج، افتقد القوة الدافعة التي كانت تحركه خلال فترة الحكم الأولى، حيث جعل نشاطاته مقتصرة على الشؤون الخارجية. وبعد أن قويت العلاقات الهندية الأمريكية، دخلت في الوقت الراهن على طريق التراجع، على الرغم من كل علاقاته الطيبة مع الرئيس باراك أوباما، وجهوده الحثيثة لتحقيق السلام مع باكستان التي تتجه إلى مسار غير مريح في الوقت الراهن. وقد عمل الوزراء المقربون من سونيا غاندي (وزيرا الدفاع والداخلية) كذلك على إظهار ضعف معين لدى رئيس الوزراء، حيث تولت رئيسة حزب المؤتمر بالفعل قطاع الشؤون الاجتماعية ومكافحة الفقر، وأجبرت الحكومة على تعديل سياستها المالية، والإنفاقية.
يضاف إلى ذلك أنه ما من وزير يحرص في فترة الحكم الثانية على إظهار كفاءته وأدائه، كما يقول أحد المطلعين الداخليين على شؤون حزب المؤتمر، حيث أصبحت اللعبة هي الحصول على مزيد من الأموال، بصورة آمنة وسريعة للغاية، لأن من المشكوك فيه تولي هذه الحكومة فترة حكم ثالثة. وهكذا يمكن أن تصبح كل جهود براناب من أجل رأب الصدع، وإصلاح الأمور، محلاً للشك لأنها أصبحت أشبه بعمليات إطفاء الحرائق من مكان إلى آخر، بينما أصبحت المشكلات المؤسسية على صعيد الحكم راسخة، وواضحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي