إنتاجية العمالة في المملكة

تسعى دول العالم إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي بشتى الطرق والوسائل الممكنة. ويأتي النمو الاقتصادي من عدة مصادر أفقية وعمودية. ويعد توظيف مزيد من العمالة أبرز عامل أفقي يسهم في رفع إجمالي الناتج المحلي، فكلما ارتفع عدد العمالة الموظفة ارتفع الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في هذه الحالة تظل حصة العامل الواحد (أو على الأصح وحدة العمل) ثابتة ولا تتحسن مستويات المعيشة. أما مصدر النمو الآخر فهو النمو المتأتي من ارتفاع إنتاجية العامل, الذي يعد العامل العمودي الأبرز في رفع معدلات النمو الاقتصادي. وارتفاع إنتاجية العامل يقود إلى تحسن مستويات المعيشة ويرفع الناتج المحلي للفرد. وتهدف خطط التنمية وسياسات الدول إلى رفع إنتاجية العمالة من خلال ضخ الاستثمارات في رؤوس الأموال العينية والبشرية، ومن خلال تحفيز استخدام التقنية وتطويرها وإجراء الإصلاحات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية, كما ترتفع إنتاجية العمالة مع تحرير التجارة وازدياد اقتصاديات الحجم.
وتعرف الإنتاجية بأنها كمية أو حجم الناتج أو المخرجات على حجم المدخلات. ولقياس إنتاجية أي عامل من عوامل الإنتاج تثبت عوامل الإنتاج الأخرى, ويقاس تغير الإنتاج مع تغير ذلك العامل, ما يعطي التغير في إنتاجية ذلك العامل. ويعد معيار إنتاجية العمالة أهم معيار بين معايير الإنتاجية. ويتم قياس تغير الإنتاج عبر الزمن بالنسبة للعامل الواحد أو وحدة العمل الواحدة لمعرفة تطور إنتاجية العمالة. ويضاف تأثير إنتاجية العوامل الأخرى من رأسمال وتقنية ومصادر طبيعية واقتصاديات حجم في قياس إنتاجية العمالة, وذلك لأن الهدف الأساسي من كل الاستثمارات هو رفع إنتاجية العمالة.
ولقياس إنتاجية العمالة في المملكة وباقي الدول النفطية من الأفضل استبعاد إنتاج النفط بسبب كثافة استخدام رأس المال الكبيرة في هذا القطاع، وخصوصية هذا القطاع بوجه عام في الدول النفطية. ويسهم القطاع النفطي في توظيف أقل من 1 في المائة من العمالة, لكنه يشكل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، ولهذا فإن إدخاله في قياس إنتاجية العمالة في المملكة يدخل تشوهات عليها ويظهرها في مستويات أعلى من مستوياتها الفعلية. ويجري في هذه المقالة محاولة للتعرف على مقدار إنتاجية العمالة في المملكة وتغيرها خلال فترة السنوات العشر المبتدئة بعام 1999 والمنتهية بعام 2009. ولمعرفة الإنتاجية لا بد من معرفة الناتج المحلي الإجمالي وعدد العمالة أو وحدات العمل. وبلغ الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي 393967 مليون ريال عام 1999، ونما خلال السنوات العشر التالية بنسبة 50.5 في المائة حتى وصل إلى 594499 مليون ريال عام 2009. وبلغ معدل النمو السنوي الحقيقي للناتج المحلي غير النفطي 4.2 في المائة خلال الفترة من 1999 إلى 2009م. وارتفع في الفترة نفسها عدد العمالة المشتغلة في القطاع غير النفطي من 5504928 إلى 8061391, وهو ما يمثل معدل نمو سنويا يقارب 3.9 في المائة. وبحسبة بسيطة يمكن ملاحظة أن معدل نمو إنتاجية العامل الحقيقية ارتفع بمعدل سنوي مقداره ثلاثة أعشار من واحد في المائة. وتعد هذه النسبة متدنية ولا تشير إلى نمو قوي في الإنتاجية الحقيقية رغم كل الجهود المبذولة لرفع إنتاجية العمالة. وستتحسن إنتاجية العمالة بعض الشيء في حالة قياسها بوحدات العمل, وهي هنا بالساعة، حيث سترتفع إنتاجية ساعة العمل بمعدل سنوي مقداره 0.6 في المائة خلال فترة السنوات العشر التي غطتها البيانات. وتعد نسبة النمو منخفضة حتى عند قياس الإنتاجية بوحدات العمل, خصوصاً عند النظر إلى حجم الاستثمارات الرأسمالية سواء في البنية الأساسية والتعليم والصحة والإصلاحات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والإدارية والتقدم التقني, التي لم تفلح في رفع معدلات الإنتاجية بنسب أعلى.
أما إذا قيست معدلات نمو الإنتاجية بالأسعار الجارية فسيبدو لنا أن هناك تحسناً ملحوظاً في مستوياتها، لكن ينبغي ألا ننسى أن معظم النمو في هذه الحالة ناتج عن نمو في الأسعار وليس في الإنتاج الفعلي. فقد نما الناتج المحلي الاسمي خلال فترة السنوات العشر المنتهية بعام 2009 بنسبة 83.1 في المائة, وبهذا بلغ معدل نمو إنتاجية وحدة العمل الاسمية نحو 2.6 في المائة سنوياً. أما بالقيم المطلقة، فقد ارتفعت إنتاجية العامل بأسعار عام 1999 في القطاع غير النفطي خلال الفترة من 27.2 ريال في الساعة عند بداية الفترة إلى 28.8 ريال في الساعة عام 2009. وارتفعت إنتاجية وحدة العمل بالأسعار الاسمية خلال الفترة من مستوياتها عام 1999 حتى وصلت إلى 35.1 ريال في الساعة عام 2009. ورغم الزيادة الاسمية التي تبدو كبيرة خلال الفترة والتي تصل إلى 29.1 في المائة إلا أن مستوى إنتاجية العامل في الساعة تظل منخفضة. فعند حساب إنتاجية العامل في العام الواحد وحسب ساعات العمل التي وردت في بيانات مصلحة الإحصاءات العامة فإن إجمالي إنتاجية العامل الواحد تقل عن 90 ألف ريال عام 2009. وتشمل هذه إنتاجية العمالة الحكومية التي تقدر بحجم الأجور المدفوعة للموظفين الحكوميين ولا تعكس الإنتاجية الفعلية. ولو تم استبعاد الإنتاجية في القطاع الحكومي فإن إنتاجية العمالة في القطاع الخاص غير النفطي ستنخفض وقد تنحدر إلى أقل من 25 ريالاً في الساعة، أو أقل من 62500 ريال في السنة. وهذه الإنتاجية تتوزع بين عوائد على رأس المال وأجور. وأعتقد أن هناك نوعا من المفاجأة بعض الشيء عند حساب معدلات إنتاجية العامل الواحد، وكان من المتوقع أن تكون مستويات إنتاجية العمالة أعلى من هذا المستوى. ولعل النتيجة الأهم من انخفاض إنتاجية العمالة كونها تفسر تدني انخفاض مستويات الأجور التي تحول إلى حد كبير من سعودة الوظائف. ولا أمل في رفع مستويات الأجور ورفع مستويات السعودة من دون رفع مستويات إنتاجية وحدة العمل في القطاع الخاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي