صورة الأرض الملونة
في الحلقة السابقة تحدثنا عن السيدة الأمريكية الرائدة من مجال حماية البيئة ريتشل كارلسون وهي العالمة في الأحياء البحرية التي ألفت كتاب «الربيع الصامت» الذي تسابق إلى اقتنائه الأمريكيون لما احتواه من تحذيرات لمخاطر المبيدات الحشرية وتلوث الهواء والتربة بسبب السموم التي تنتجها المصانع وتسبب القضاء أو هروب كثير من المخلوقات التي تعيش حول الحقول الخضراء والتي ستصبح أطلالا بلا حراك ولا حياة نابضة وأشرت إلى احتمال استفادة المستر نلسون من كتاب كارلسون الذي صدر عام 1962 أي قبل ثماني سنوات من حملة المستر نلسون ضد التلوث التي بدأت في ربيع عام 1970، وبذلك تعتبر السيدة المذكورة هي رائدة محاربة التلوث في أمريكا ولو أن ذلك لا يقلل من إنجازات المستر نلسون في نشر ثقافة حماية البيئة، ومن المتوقع أن يستفيد العلماء والكتاب من بعضهم البعض بعد أن يشيروا لذلك مراعاة لحقوق الملكية الفكرية، لكن هناك حدثا عالميا مهما، حدث في عام 1968م له علاقة بجذب الناس ولفت نظرهم لأهمية المحافظة على البيئة وذلك الحدث هو:
صعود سفينة «أبولو» للفضاء
اللافت للانتباه أن تلك السفينة التي تحمل رواد الفضاء إلى مدار القمر في ذلك العام قامت بعد عودتها للأرض بالتقاط صور جميلة ملونة للكرة الأرضية، وعندما رأى الناس تلك الصور الفريدة وخاصة أنها أول مرة يرى الإنسان صورة الأرض وهي معلقة في الفضاء فوق الأفق وكأنه ينظر للقمر، لذلك انطبعت تلك الصورة الغريبة في ذهن كثير من الناس وفي قلوبهم سواء في أمريكا أو بقية دول العالم وشد انتباههم إلى روعة منظر الأرض ذلك الكوكب الأزرق الذي تلف بعض أجزائه السحب الفضية التي ترى من خلالها القارات عائمة على المحيطات ترسم خريطة أمنا الأرض لذلك فما زالت تلك الصورة خالدة في الضمائر تحرك الخيال وتدفع المفكرين والمتأملين إلى الإيمان بقدرة الله تعالى على خلق هذا الكون العظيم وهيمن عليه بكل دقة وإبداع، وتلك الصورة أيضا دفعت الناس إلى التعلق بذلك الكوكب الحي السيار الذي يحمل الثقلين ويختال بالدوران حول نفسه وحول الشمس متألقا ومتميزا بين المجموعة الشمسية التي لا حياة فيها، إما نيرانا مشتعلة تزيد حرارتها فوق 400 درجة صقيعا مهلكا لدرجات حرارة منخفضة جدا لتصل إلى ما دون 200 درجة تحت الصفر مع سكون وصمت مطبق وكأن المجموعة الشمسية تنظر في ذهول وإعجاب شديد لكوكب الأرض الذي يتمتع بحرارة معتدلة وحياة مزدهرة.. المياه وكل أنواع المخلوقات المتعددة والمتنوعة التي تعيش في هدوء وسلام رغم سرعة الأرض العالية مع ذلك لا يحس بها البشر والمخلوقات الحية الأخرى بل إن الشمس ترى متحركة صاعدة من وراء الأفق بلونها الذهبي معلنة يوما جديدا ثم لا تلبث أن تختفي رويدا وراء الأفق لتنهي ذلك اليوم مع أن الأرض هي المتحركة والشمس شبه ثابتة! لكن يريد الله تعالى أن نعرف بداية اليوم وانتهاءه والتأمل والتمتع ببزوغ الشمس وغروبها، ثم انظر ما على أديم الأرض من جمال ومنافع للناس فهذه، لأنها تجري في كل اتجاه وتقف الجبال شامخة يجلل هامات بعضها الجليد الأبيض وتنتشر في أرجاء الأرض الأشجار والنباتات والمساحات الخضراء التي تهطل عليها الأمطار وتغرد في جنباتها الطيور التي تسبح طائرة فرادى وفي جماعات وهذه الرياح التي تدور حول الأرض والنسمات العليلة التي تدغدغ مشاعرنا وتميل بالأغصان تداعبها وتحيط بالأرض الغازات التي تحرس سكان الأرض من الوهج الشمسي والغازات المضرة ثم تشرق الشمس على كل هذه الصور الحية المتألقة فتكشف لنا هذا الجمال الأخاذ وعندما تودعنا الشمس تسطع النجوم منتشرة على أديم السماء المخملي الأزرق ويتوسط السماء في أوضاع مختلفة القمر هلالا وبدرا وعرجونا فنعرف بداية الشهور ووسطها وانقضائها وفي الليل يطيب التهجد والسمر الحلال وتبعث تلك الصور الليلية السكون والراحة والطمأنينة في النفس والأمل في يوم واعد قادم وفي الحلقة 121 المقبلة نكمل الحديث عن كل هذا الجمال وهذه النعم والخيرات التي لا تحصى والتي أغدقها الله تعالى على بني البشر وسكان الأرض.