تلك الأسر تدمر مجتمعنا
عام كامل متواصل من الجهد والتركيز قضيته وأنا أدرس مشكلة العنف الأسري ضد الطفل في المجتمع السعودي، متابعة تطوراتها على الساحة ومهتمة بالتواصل مع الجهات المعنية فيها ومستطلعة آراء أرباب الأسر والمختصين لاستكشاف مقترحاتهم للحد من استفحال تلك المشكلة بشكل أسرع في مجتمعنا، وذلك ضمن مخطط الدراسة التي نقوم بها لصالح جهة ما تهتم باستطلاع القضية بشكل متعمق بهدف التعرف عليها واستنتاج مزيد من الحلول لمواجهتها، ولست مخولة هنا للتحدث عن النتائج والتوصيات، ولكنني مهتمة بتسليط شيء من الضوء على خطورة القضية، لأن التفكير في واقع الطفولة والعناية بها، يدلان على الاهتمام بمستقبل الأمة الاقتصادي والاجتماعي، والرغبة في تهيئة طاقات بشرية صالحة للإنتاج وتحمل المسؤوليات في قيادة البلاد والرقي بأحوالها، حيث يجمع الباحثون في التربية وعلم النفس والاجتماع على أهمية دراسة هذه المرحلة والعناية بها في سبيل بناء الإنسان.
لكن مجتمعنا يشهد منذ بداية العقد الجاري توترا في العلاقات الأسرية يتجاوز الحدود الاعتيادية، ولقد أوجد تنامي أحداث العنف الأسري ضد الأطفال موجة من القلق والغضب العارم في أوساط المجتمع خاصة بعد ازدياد القصص العنيفة التي طالعتها الصحف ومواقع الإنترنت عن تعذيب الأطفال والتي وصلت حد الموت في بعضها، فعوضا عن أن تكون الأسرة هي الملاذ الآمن للطفل والمناخ الصحي لنموه، نجدها تتحول في بعض الحالات إلى بيئة عدوانية لتنشئة طفل بريء يكون فريسة سهلة لممارسات خاطئة وظالمة لأب أو أم, قد يكونان هما بالأساس ضحية أجيال سبقت في تطبيق قيم تربوية مغلوطة.
إن أشكال التفاعل التربوي القائمة في مجتمعنا بين الكبار والصغار -على الأغلب - لا تأخذ في الاعتبار تكوين الطفل النفسي وخصائصه وحاجاته، ما يؤدي إلى نتائج عكسية على نفسية الطفل، فبدلا من التفاعل والتعاطف المتبادل الذي من المفترض أن يحقق اندماج الفرد ويسهم في خلق تكامل عناصر شخصيته، تنتج شخصيات متصلبة, أو انعزالية, أو قلقة, مريضة يكتنفها إحساس بالنقص والدونية و القصور، معوقة نفسيا، وبدل الاجتهاد في إثراء الحياة الاجتماعية بالعطاء والمبادرة والبذل، تقضي ناشئتنا حياتها يستغرقها بذل الجهد في خفض قلقها والتخلص من مصادره، فيحرم المجتمع من طاقة شبابية مهمة كان ممكنا أن تسهم في تنميته و تطويره.
نحن بحاجة ماسة إلى خطة تنموية توعوية تعمل على غرس ثقافة الأمن الأسري المفقودة بين الكثير من أرباب الأسر، مع التركيز على تعميق مفهوم الشورى والتواصل الأسري الإيجابي بين أفراد الأسرة، والتأكيد على احترام دور الوالدين بحق متساو دون استخدام السلطة التعسفية من قبل الزوج في الغالب ضد الزوجة والأطفال، بما يحقق دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ حول الاهتمام بالأسرة وتحقيق تماسكها وقيامها بدورها الإيجابي في بناء أفرادها.