إقالة أمين غرفة جدة ومبدأ سيادة القانون

في يوم الخميس 16/4/1431هـ الموافق 01/4/2010م طالعتنا الصحف المحلية بخبر مفاده أن مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في جدة أصدر قراراً بالإجماع بإحالة المستشار القانوني مصطفى أحمد كمال صبري أمين عام الغرفة ونائبه عثمان باصقر إلى التقاعد وتعيين الدكتور هاني محمد أبو رأس أميناً عاماً للغرفة وعدنان مندورة مدير عام القطاعات واللجان في الغرفة نائباً للأمين العام. وعندما قرأت الخبر أول مرة في جريدة ''الاقتصادية'' وهي التي أبدأ بها قراءة الصحف، ظننت أن هذا الخبر من قبيل أفكوهة ما يسمى (كذبة أول نيسان أو أبريل) لأن يوم نشره صادف اليوم الأول من شهر نيسان (أبريل). والذي جعلني أظن هذا الظن - وليس كل الظن إثما - أنه سبق أن سربت إلى بعض الصحف أخبار بتعيين أمين عام جديد للغرفة التجارية ثم نفت الغرفة هذه الأخبار ثم ظهر عقب ذلك، ومن خلال الصحف أن مجلس إدارة الغرفة منقسم إلى فريقين بشأن منصب الأمين العام، فريق يرغب في إقالة الأمين العام وتعيين أمين عام جديد وفريق آخر يقوده رئيس المجلس يعارض هذا الإجراء لافتقاره إلى أي مسوغ قانوني.ولكن عندما وجدت الخبر منشوراً في كل الصحف التي قرأتها وبصيغة تكاد تكون متشابهة أيقنت أن الخبر صحيح وليس من أكاذيب أول نيسان (أبريل).
هو إذن خبر صحيح لكن مضمونه مسألة فيها نظر للأسباب التالية:
1- يبدو من قراءة ما تداولته الصحف حول هذا الخبر أن الأمين العام مصطفى صبري ونائبه عثمان باصقر لم يطلبا إحالتهما إلى التقاعد وأن المجلس هو الذي قرر ذلك من تلقاء ذاته، وهنا يثور التساؤل هل يحق لمجلس الإدارة إحالة الأمين العام ونائبه إلى التقاعد دون طلب منهما؟!.. الجواب نجده في المادة (74) من نظام العمل والعمال التي حددت الأحوال التي ينتهي فيها عقد العمل ومنها حالة بلوغ العامل سن التقاعد، حيث نصت الفقرة (4) من المادة المذكورة على ما يلي:
(بلوغ العامل سن التقاعد وهو 60 عاما للعمال، و55 عاما للعاملات ما لم يتفق الطرفان على الاستمرار في العمل بعد هذه السن، ويجوز تخفيض سن التقاعد، في حالات التقاعد المبكر الذي ينص عليه في لائحة تنظيم العمل، وإذا كان عقد العمل محدد المدة، وكانت مدته تمتد إلى ما بعد بلوغ سن التقاعد ففي هذه الحالة ينتهي العقد بانتهاء مدته).
2- إذا طبقنا النص النظامي السابق على موضوع أمين عام الغرفة التجارية ونائبه فإنه لا يحق لمجلس الإدارة أن يحيل الأمين العام ونائبه إلى التقاعد إذا لم يبلغا سن الـ 60 عاماً، وإحالتهما إلى التقاعد، قبل بلوغ هذه السن، يعد في الواقع فصلاً تعسفياً غير مشروع من العمل وحسب علمي أن الأمين العام ونائبه المحالين إلى التقاعد لم يبلغا سن الـ 60 ولا يوجد نص في اللوائح الداخلية للغرفة يجيز تخفيض سن التقاعد، وبالتالي فإن قرار إحالتهما إلى التقاعد ليس له سند قانوني صحيح.
3- المبرر الوحيد الذي نقلته الصحف لقرار إحالة أمين عام الغرفة ونائبه إلى التقاعد هو أنه جاء ضمن خطة إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي للغرفة. وهذا المبرر في تقديري غير مقبول من الناحية القانونية لأن إعادة الهيكلة قد تؤدي إلى الاستغناء عن خدمات بعض العاملين في حال إلغاء وظائفهم، أو دمجها في وظائف أخرى لأسباب اقتصادية، وهو أمر لا ينطبق على منصب الأمين العام ومنصب نائبه لأن إعادة الهيكلة لم تؤد إلى إلغاء هذين المنصبين وبالتالي لا تستوجب الاستغناء عن خدمات الأمين العام ونائبه.
بل إن مجلس الإدارة لا يملك صلاحية إلغاء منصب الأمين العام لأن هذا المنصب أنشأه نظام الغرف التجارية الصناعية الصادر بمرسوم ملكي، وبالتالي فإن هذا المنصب لا يدخل بقوة القانون ضمن أي خطة لإعادة هيكلة الجهاز التنفيذي للغرفة. بعبارة أخرى لا تصلح إعادة الهيكلة أن تكون مبرراً لإقالة الأمين العام دون سبب مشروع.
وأود الإشارة في هذا الصدد إلى أن المادة (17) من نظام الغرف التجارية الصناعية أجازت لوزير التجارة والصناعة أن يعين لدى الغرف مندوباً تكون مهمته مراعاة تنفيذ الأنظمة والقرارات، وله حق حضور اجتماعات الجمعية العمومية ومجلس الإدارة واللجان والاطلاع على المحاضر والدفاتر والحسابات ولا يكون له صوت معدود في المداولات. وهنا أتساءل هل مارست وزارة التجارة والصناعة صلاحياتها المنصوص عليها في المادة (17) سالفة الذكر وعينت مندوبا لها في غرفة جدة ؟... وهل حضر مندوب من قبلها اجتماع مجلس إدارة غرفة تجارة جدة الذي تقرر فيه إقالة الأمين العام ونائبه بذريعة إحالتهما إلى التقاعد؟.. وإذا كان مندوبها حضر هذا الاجتماع هل نبه المجلس إلى أن قراره ليس له سند قانوني؟
ويدعوني الاستطراد الوجيه في هذا الشأن إلى القول إن صلاحيات وزير التجارة والصناعة المنصوص عليها في المادة (17) سالفة الذكر جاءت بصيغة جوازية وليست وجوبية، بمعنى أنه يحق للوزير ممارستها أو عدم ممارستها حسب تقديره لأوضاع الغرف التجارية، إلا أنني أرى أن الخلافات الحادة التي تنشب بين أعضاء بعض مجالس إدارات الغرف التجارية الصناعية بين الحين والآخر، تجعل من الضروري ممارسة تلك الصلاحيات ليكون مندوب وزارة التجارة والصناعة لدى الغرف التجارية شاهداً ومشيراً.
وقبل الختام أقول إنه طبقاً لمبدأ الشفافية ليس مقبولاً أن يتخذ مجلس إدارة غرفة تجارة جدة قراراً بإقالة الأمين العام ونائبه من دون بيان الأسباب. صحيح أن من حق مجلس الإدارة أن يعين أمين عام الغرفة ولكن ليس من حقه أن يفصله ونائبه دون سبب مشروع وإلا كان الفصل تعسفياً ستتحمل الغرفة تبعاته وآثاره القانونية. لا شك أن من حق المشتركين في الغرفة التجارية، وأنا واحد منهم، أن يعرفوا الأسباب التي دفعت مجلس الإدارة إلى اتخاذ هذا القرار الفاقد للمشروعية القانونية.
وفي الختام أقول إنني أعرف رئيس مجلس إدارة الغرفة صالح كامل معرفة شخصية، وأعرف مناقبه ومآثره، وأكن له مودة وتقديراً، وأخاله يبادلني الشعور نفسه، ولذلك فقد أحزنني أن يُتخذ هذا القرار في عهد رئاسته لمجلس الإدارة بعد أن كان معارضاً له. وليعذرني الأخ صالح كامل على صراحتي، فالأمر بالنسبة لي يتعلق بمبدأ سيادة النظام (القانون) وهو مبدأ أكد ولاة أمور هذه البلاد في مناسبات عدة ضرورة احترامه وتطبيقه، ولعل من المناسب أن أشير في هذا الصدد إلى ما جاء في مقال الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، المنشور في جريدة ''الوطن'' بتاريخ 19/11/1426هـ بعنوان (احترام النظام)، حيث قال ما يلي: (ولقد أصبحت دقة الأنظمة وحظها من الاحترام المحك الرئيس للحكم على درجة رقي المجتمع وتقدمه، فنحن نرى المجتمعات التي تسودها ثقافة احترام النظام قد احتلت موقعها البارز في قافلة التقدم، بينما تلك التي يهون النظام في عيون أصحابها، تخور قواها ويهون في عيون الآخرين أمرها ...).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي