تساؤلات حول الوضع الحالي لأسواق النفط
عندما نتحدث عن العرض والطلب في أسواق النفط علينا أن نتذكر أن أسواق النفط أبعد ما تكون عن أسواق المنافسة الحرة التي تتحدث عنها كتب الاقتصاد, وذلك بسبب وجود ضرائب عالية على المشتقات النفطية في الدول المستهلكة من جهة، وقيام «أوبك» بتغيير الإنتاج بهدف استقرار الأسعار من جهة أخرى. إلا أن بعض أساسيات السوق، مثل النمو الاقتصادي ومستويات المخزون، ما زالت تلعب دورا في تحديد أسعار النفط, فارتفاع معدلات النمو الاقتصادي يرفع الطلب على النفط، وبالتالي يرفع أسعاره, كما أن انخفاض المخزون التجاري يرفع أسعار النفط، والعكس بالعكس.
المشكلة الأساسية في أسواق النفط أن هناك بعض القناعات حول العلاقة بين عديد من المتغيرات، مثل العلاقة بين أسعار النفط والنمو الاقتصادي، أو مستويات المخزون وأسعار النفط، التي تكونت تاريخيا في ظل ظروف معينة، لكن بعض الخبراء والمحللين والسياسيين يعتقدون أن هذه العلاقات موجودة في كل الحالات. فمع مرور الزمن تكونت قناعة لدى كل الأطراف في أسواق النفط العالمية بوجود علاقة عكسية بين أسعار النفط ومستويات المخزون في الدول الصناعية، وبالتحديد في دول منظمة التعاون والتنمية OECD. بناء على ذلك، يرى بعضهم أن أسعار النفط الحالية، في حدود 80 دولارا للبرميل، غير منطقية ولا تعكس أساسيات السوق، وذلك لأن مستويات المخزون التجاري في دول منظمة التعاون والتنمية مرتفعة بشكل كبير، ومع ذلك فإن أسعار النفط مرتفعة. هذه الملاحظة جعلت بعضهم يعتقد أن سبب ارتفاع الأسعار إلى 80 دولارا للبرميل هو المضاربات في البوروضات العالمية على عقود النفط.
هذه المعضلة، ارتفاع المخزون والأسعار معا، تشكل تحديا، ليس لـ «أوبك» فقط، وإنما لكل المتخصصين في هذا المجال، خاصة لأن كل النظريات الاقتصادية والبيانات توضح أنه لا يمكن للمضاربين أن يحددوا اتجاه أسعار النفط على المدى الطويل، وأن أثر المضاربين يقتصر على زيادة ذبذبة أسعار النفط على المدى القصير. والأسئلة التي تتبادر إلى الذهن هي: هل القناعة التاريخية بالعلاقة العكسية بين مستويات المخزون التجاري صحيحة؟ وإذا كانت صحيحة، تحت أي شروط؟ ماذا لو كانت هذه العلاقة غير موجودة الآن؟ وماذا سيحصل في أسواق النفط العالمية إذا كانت سياسات «أوبك» الإنتاجية مبنية على هذه القناعة، في الوقت الذي لم تعد في هذه العلاقة صحيحة، أو أن شروط وجود هذه العلاقة غير موجودة في الوقت الحالي؟ بعبارة أخرى، هل تشهد أسعار النفط صعودا حاداً في المستقبل القريب بسبب إصرار «أوبك» على عدم زيادة الإنتاج بحجة ارتفاع مستويات المخزون في دول منظمة التعاون والتنمية، في الوقت الذي لم يعد لهذا المخزون أثر في أسواق النفط؟
إن القناعة التاريخية بالعلاقة العكسية بين مستويات المخزون في دول منظمة التعاون والتنمية وأسعار النفط تكونت في ظل ارتفاع مستمر في الطلب على النفط في الدول الأعضاء في المنظمة، إلا أن الطلب انخفض بشكل كبير منذ نهاية عام 2008، ويتوقع له أن يستمر في الانخفاض خلال السنوات المقبلة. فهل الزيادة المستمرة في الطلب كانت شرطا أساسيا للعلاقة العكسية بين المخزون التجاري في هذه الدول وأسعار النفط؟ هل انعدام هذا الظرف حاليا يعني أن دور هذا المخزون في تحديد أسعار النفط قد تلاشى؟
هناك اعتقاد لدى كل الخبراء بأن أغلبية الزيادة المتوقعة في الطلب على النفط في الأعوام المقبلة ستكون في الهند والصين وبعض الدول الآسيوية والشرق الأوسط، وكلها ليست عضوة في منظمة التعاون والتنمية. هل هذا يعني أن على «أوبك» والمحللين في أسواق النفط التركيز على الطلب في هذه الدول لشرح سلوك أسعار النفط بدلا من النظر إلى مستويات المخزون في دول منظمة التعاون والتنمية؟
يبدو أن الإصرار على الربط بين مستويات المخزون التجاري في دول منظمة التعاون والتنمية وأسعار النفط سيجعل «أوبك» تفقد السيطرة على أسعار النفط وذلك لأن القناعة التاريخية بالعلاقة العكسية بين المخزون والأسعار تمت في ظل زيادة مستمرة في الطلب على النفط في دول منظمة التعاون والتنمية، بينما نجد الآن أن هذا الطلب في تناقص، وأن هناك زيادة كبيرة في الطلب في دول ليست عضوة في هذه المنظمة. وربما ترتفع أسعار النفط بشكل كبير في الصيف المقبل، حتى لو قامت «أوبك» بزيادة الإنتاج، لأن زيادة الإنتاج ستخفض الطاقة الإنتاجية الفائضة التي ينظر إليها على أنها صمام الأمان في حالة انقطاع مفاجئ لإمدادات النفط.
خلاصة الأمر أنه يجب عدم التسليم بما يسمى البدهيات التاريخية في أسواق النفط, لأنها تكونت في ظل ظروف معينة، وربما تتغير هذه البدهيات بمجرد تغير الظروف. لقد كان أحد أهم الدروس التي تعلمها الخبراء من تجربة ارتفاع أسعار النفط بين عامي 2004 و2008 هو أن المسلمة التاريخية بالعلاقة العكسية بين أسعار النفط والنمو الاقتصادي في الدول المستهلكة مشكوك فيها, حيث يمكن أن ترتفع أسعار النفط دون التأثير في النمو الاقتصادي ضمن شروط معينة كالتي سادت في تلك الفترة, وهي ارتفاع الإنفاق الحكومي، وارتفاع الإنفاق العسكري وزيادة الدخول والاستهلاك، في الوقت الذي انخفضت فيه قيمة الدولار وأسعار الفائدة. القناعة التاريخية بعكسية العلاقة بين أسعار النفط ومعدلات النمو الاقتصادي بنيت في فترة حصل فيها عكس ما سبق, حيث انخفض الإنفاق الحكومي في أواخر السبعينيات وانخفضت الدخول وارتفاعات معدلات البطالة وانخفض الاستهلاك وارتفعت أسعار الفائدة. لهذا فإن على المهتمين تدارك الأمر عن طريق إعادة النظر في العلاقة بين أسعار النفط ومستويات المخزون التجاري في دول منظمة التعاون والتنمية قبل أن «يضرب الفأس بالرأس».