360 درجة من الإعلام والمحتوى
هناك مصطلح شائع في عالم التسويق حول الحملات التسويقية التي تأخذ 360 درجة، وهو ما يرمز إلى الدائرة، ويرمز كذلك إلى التكامل في الحملة التسويقية باستخدام مختلف الوسائل (التلفزيون، الإذاعة، الصحف، المجلات، الإنترنت، الموبايل، إعلانات الطرق، والعلاقات العامة .. إلخ) أو من خلال استهداف مختلف فئات الجمهور، وهذه الدائرة تتغير مع الزمن، خاصة في السنتين الأخيرتين, حيث صار خبراء التسويق لا يعدون الحملة ''متكاملة'' بـ 360 درجة إلا إذا احتوت على مكونات التسويق والإعلام الاجتماعي الإلكتروني (فيسبوك، تويتر، ويوتيوب .. إلخ).
هذه الرؤية التسويقية انطلقت لعالم الإعلام حيث نشأ ما يسمى ''محتوى 360'' Content360 ، الذي ظهر أول ما ظهر كاسم لجائزة فرنسية بالتعاون مع BBC تعطى لأفضل المشاريع الإعلامية التي تحاول إيجاد برامج تمتد بين الإعلام الكلاسيكي (التلفزيون، الراديو، والصحف) والإعلام الرقمي (الإنترنت، الموبايل، ألعاب الفيديو، أو غيرها من التطبيقات التقنية الحديثة). خلال السنوات الأربع الماضية فاز 100 مشروع بتمويل لإتمام هذه المشاريع وصل إلى 400 ألف يورو، وهي المشاريع التي أسهمت بسرعة في نمو فكرة الإعلام العابر للوسائل بين الكلاسيكي والرقمي.
فكرة العمل على 360 درجة من الناحية التسويقية أو الإعلامية تأتي من فكرة جوهرية أساسية: الإعلام الجديد أسهم في إيجاد ''بعثرة'' للجمهور الذي صار يستخدم وسائل عديدة، وصار لا يمكن ضمان الوصول إليه من خلال وسيلة بعينها مهما بلغت سيطرتها على السوق وشعبيتها. لقد مثلت هذه ''البعثرة'' تحديا ضخما للإعلاميين والمعلنين الذي رأوا في الانفجار السريع لوسائل الإعلام والمعلومات كما وكيفا، لأن هذا معناه أن عددا قليلا من الناس وليس جماهيريا يشاهد موقعا بعينه أو برنامجا بعينه، وهو تحد للمعلن لأنه لن يستطيع إيصال رسالته بسهولة، وتحد للإعلامي لأن هذا يعني أن الإنفاق الإعلاني سـ ''يتبعثر'' أيضا ولن يستطيع تمويل الجهد الإعلامي كما كان يحصل عبر عشرات السنين.
كعلاج لهذا التحدي الضخم، جاءت فكرة التكامل، فالبرنامج الواحد يوجد على وسائل عديدة، والحملة التسويقية تحيط بالمستهلك من كل جانب كما تحيط الدائرة بنقطة المركز على مدى 360 درجة، لكن وسائل الإعلام العربية ما زالت تنقصها المهارة الكافية في إيجاد موقع الإنترنت أو المحتوى على الموبايل الذي يمثل إضافة حقيقية للبرنامج التلفزيوني أو الإذاعي، ورغم الإعلان المكثف عن مواقع الإنترنت في كل مكان فتصفح كثير منها ينتهي بإحباط للمستخدم الذي لا يجد منها أي إضافة ثرية حقيقية. في هذا العام، تمت دعوتي للانضمام إلى لجنة تحكيم جائزة ''محتوى 360''، وهذه أول مرة يدعى فيها عربي للجائزة بما يمثل اعترافا معنويا بتقدم الإعلام الجديد في العالم العربي. هذه الفرصة النادرة سمحت لي الاطلاع على مئات المشاريع المقدمة للجائزة، وهي مشاريع لم تر النور بعد، وتبحث عن التمويل، لكنها تمثل ثورة هائلة في التكامل بين وسائل الإعلام، بحيث يتحقق فعلا مفهوم الدائرة، فعندما تصبح مرتبطا ببرنامج تلفزيوني أو إذاعي فإن هذا البرنامج سيحيط بك أينما ذهبت كالدائرة تماما، على الإنترنت، على الموبايل، من خلال ألعاب الفيديو، وغيرها، وفي كل مرة يقدم لك تجربة إضافية حقيقية، تزيد من ارتباطك بالبرنامج واستفادتك منه، كما تزيد من سعادة الراعي الإعلاني الذي يمول البرنامج.
لقد انتهى عهد ''المشاهد'' الذي يجلس على الكنبة ويشاهد برنامجا تلفزيونيا، لأننا مقبلون على عهد ''المتفاعل'' الذي يصبح جزءا من البرنامج، يشاهده على التلفزيون، لكنه يصبح جزءا منه ويتفاعل معه على الإنترنت ومن خلال جهاز الموبايل، ليصبح هذا البرنامج جزءا مهما من الحياة اليومية للجماهير المرتبطة به.
ما زال هذا التفاعل ضعيفا في العالم العربي، حيث لا يوجد مشروع عربي مشارك في الجائزة رغم أن كل الوسائل الإعلامية العربية الكبرى تحضر المناسبة الإعلامية الشهيرة في مدينة كان الفرنسية التي يتم من خلالها إعلان الجائزة، لكنني أعتقد أننا قريبا سنستدرك المشكلة ونلحق بالركب وذلك لأن ''المشاهد العربي'' يعشق التفاعل، ويعشق أن يكون جزءا من عمل جماعي، ويعشق كذلك استخدام جهاز موبايله والأجهزة الأخرى، كما يبحث دائما عما يفعله في المنزل ومع الأسرة والأصدقاء.
نحن في انتظار الدائرة الإعلامية أن تصل إلينا..!