«عولمة الغذاء» ألغت فكرة الأمن الغذائي

«عولمة الغذاء» ألغت فكرة الأمن الغذائي

«عولمة الغذاء» ألغت فكرة الأمن الغذائي
«عولمة الغذاء» ألغت فكرة الأمن الغذائي
«عولمة الغذاء» ألغت فكرة الأمن الغذائي
«عولمة الغذاء» ألغت فكرة الأمن الغذائي
«عولمة الغذاء» ألغت فكرة الأمن الغذائي
«عولمة الغذاء» ألغت فكرة الأمن الغذائي

أكد الأمير محمد بن خالد العبد الله الفيصل الرئيس التنفيذي لمجموعة الفيصلية، أن من أهم التحديات التي تواجه صناعة الغذاء الطلب المتزايد عالميا، وعدم إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي ما يجعلك مضطرا إلى استيراد احتياجاتك الغذائية.

في مايلي مزيد من التفاصيل:

هي أقرب إلى محاضرة علمية، أبعد عن التنظير .. فيها الأرقام حاضرة، والثقافة طاغية .. والعلم يتصدّر .. هكذا بدت أمسية «نادي الاقتصادية الصحفي» الذي استضاف الأمير الشاب محمد بن خالد العبد الله الفيصل الرئيس التنفيذي لمجموعة الفيصلية، والأستاذ محمد بن عبد العزيز السرحان رئيس مجلس إدارة شركة الصافي دانون.
نثر الأمير المثقف الذي صقلته التجربة العملية المدعمة بالخبرة العلمية التي تلقاها في هارفارد هموم أكثر من قطاع مهم، كان تناوله ينطلق من رؤية اقتصادية واسعة، صحيح أنه تحدث عن قطاع الألبان باعتباره أحد أركانه.. لكن الصحيح أيضا أن حديثه شَخّصَ حال قطاعي الزراعة والغذاء كليهما في الجلسة التي استمرت ساعة ونصف ساعة وتداخل فيها بشكل رئيس الأستاذ محمد السرحان رئيس مجلس إدارة شركة الصافي دانون، إحدى شركات مجموعة الفيصلية، حيث تطرق الحديث إلى منع تصدير الألبان، ودور هذا القطاع في الاقتصاد الوطني وغيرهما من القضايا .. كان الأمير واضحاً، بل انحاز الضيف إلى المزارع الصغير، حيث طالب بألا تُدَمر الزراعة بدعوى المحافظة على المياه، معتبرا أن المهم أن نساعد هذا المزارع على البقاء في منطقته والعمل على توفير المياه. كما ركز في الحديث أيضاً على أهمية الاستفادة من الأبحاث والتطوير في تطوير القطاعات. ونادى الأمير محمد بأهمية تفاعل الجهات المعنية، مبينا أنهم في «الصافي» على استعداد للعمل مع الجهات العلمية والتقنية للوصول إلى الأهداف المرجوة في تحويل القطاع الزراعي إلى الزراعة المستدامة.. هي أمسية لا تحتاج إلى أي تقديم .. ولا تحتاج إلى أي تأخير عن قراءتها .. فتفضلوا:

#3#

في البداية استهل الأمير محمد بن خالد العبد الله الفيصل الحديث بالتأكيد على أنه لم يأت إلى النادي لإيصال نتيجة جاهزة أو آراء معينة، بل للتفاعل مع أعضاء النادي من خلال إثارة الأسئلة ومحاولة البحث عن إجابات لها. وقال الأمير في هذا الشأن «هذه فرصة لأطرح أشياء كثيرة، ولنتفاعل من خلال هذا اللقاء، ليس للوصول إلى نتيجة معينة، وليس هدفي أن أوصل نتيجة معينة إلى أذهانكم وآرائكم، ولكن إذا استطعت أن أطرح كثيراً من الأسئلة في أذهانكم يكون من الأفضل، لأن بإمكانكم أن تأخذوا هذه الأسئلة وتطرحوها على المسؤولين ممن يعمل سواء في مجال الاقتصاد أو في المجالات الغذائية في صناعة الغذاء في المملكة وغيرها».
بدا وكأن الأمير يثير أسئلة الحضور من خلال وقائع وأرقام تحت يده، لأن «الهدف أن نضع السؤال الصحيح الذي يجب أن يُطرَح على الجميع سواء كان قطاعا عاما أو قطاعا خاصا» – على حد تعبيره. وقال « لم آت لكم بإجابات جاهزة، ولكن إذا استطعنا أن ننهي لقاءنا اليوم ولدينا سلسلة من الأسئلة التي نجد أن الإجابات عنها فيها فائدة وتضعنا في مكان أفضل من حيث العلم والمعرفة بالشيء والتوجه المستقبلي نكون قد حققنا هدفنا من هذه اللقاءات الفكرية».

#2#

أسئلة.. واقتصاد غذائي

عن اقتصاديات الصناعة الغذائية، أثار الأمير محمد بن خالد جملة من الأسئلة فقال «عندما عُرِض عليّ عنوان هذه الندوة، ظللت أفكر ما هي الصناعات الغذائية، هل تعني شيئا مختلفا لمختلف الناس؟ هل تعني ما يسمّى «الفود بروسيسنج»، هل نتحدث عن الزراعة؟ هل الزراعة تعد غذاء؟ هل هي مدخل في الصناعة الغذائية؟ ما الرابط بين الاثنين؟ وما التأثير في الزراعة؟ وما تأثيرها في الغذاء والعكس؟
وبيّن «أعتقد التسمية الغذائية الآن بالنسبة لصناعة الغذاء التي تشمل كل شيء هي «الأجري كلتشر بزنس AGRI Culture Business» ويُقصَد بها جميع الأعمال التي تَمُتُ للزراعة والغذاء لأنهما متشابكان بطريقة أو بأخرى من بداية السلسلة الغذائية، من زراعة المحاصيل وتصنيع الأسمدة، سواء كانت كيماوية أو غيرها إلى «الكوب كوليكتيفز – Coop Collectives» التي تجمع هذه الأشياء سواء كانت موجودة أو غير موجودة إلى «البروسيسنج Processing» الذي هو التصنيع نفسه، سواء كان الغذاء، الفواكه، أو الألبان، أو اللحوم وغيرها، إلى إعادة توزيعها إلى المستهلك النهائي.
في نهاية الأمر ــ كما يقول الأمير محمد - يجب أن نعرف أننا عندما نتحدث عن الصناعات الغذائية فهي صناعة متشعبة ومتشابكة وفيها مراحل كثيرة وكبيرة. أنا لا أدعي العلم في هذا القطاع، ولكن مجموعة الفيصلية تعمل في قطاع الألبان، فإذا أردتم أن تسألونا في قطاع الألبان فستجدون إجابة أدق وفي صناعة الغذاء نستطيع أن نعطيكم إجابة فيها، بحكم أن الغذاء ككل مؤثر في عملنا وفي اقتصادنا. إذا نظرنا إلى صناعة الغذاء في السعودية فنبدأ بالزراعة التي تمثل 6.5 في المائة من الناتج المحلي، والغذاء تقريباً يشكل بطريقة متشابهة لأن الصناعة تحول إلى غذاء.

الأرز .. والشعير

عرج الأمير محمد على السوق الغذائية محليا معتبرا أن «الاستهلاك الغذائي في المملكة يعادل 50 مليار ريال (14 مليار دولار) من ناتج محلي يعادل 400 مليار دولار، لذلك نجد أنها تقريباً تمثل 3 في المائة من الناتج المحلي. وقال «من هذا الرقم جزء منتج داخلياً وجزء منه منتج خارجياً وهو الأكثر حيث يعادل المستورد نحو عشرة مليارات دولار. واللافت أنه من هذا الرقم يشكل الشعير، واللحوم بما فيها الدجاج، والأرز النسبة الكبرى حيث تمثل 40 في المائة من حجم الواردات الغذائية. ووصل إلى نتيجة اعتبرها تكشف سبب الضجة التي حدثت عندما ارتفعت أسعار الأرز العام الماضي. وبيّن: نجد أن الاكتفاء الذاتي في المملكة يأتي من الفواكه والخضراوات والألبان، طبعاً هناك منتجات موسمية تأتي من الشام مثلاً، لكن بشكل عام يوجد لدينا اكتفاء ذاتي في هذه القطاعات الثلاثة.

تحديات أم فرص؟

عن التحديات التي اعتبرها الأمير محمد فرصة حقيقية، تحدث بإسهاب وقال إن أكبر التحديات التي تواجه القطاع الغذائي لدينا، وهي في الوقت نفسه «فرص»، زيادة الطلب قياساً بزيادة النمو السكاني وزيادة دخل الفرد، وارتفاع معدل ما يصرفه الشخص على الغذاء حيث يشكل 25 في المائة من المصروف الشخصي، والتغير في أنماط الغذاء الحديثة، فالناس – على حد تعبيره - يبحثون عن الوجبات السريعة لأن كثيرين يرون أن ليس لديهم فرصة لإعداد الأكل بسبب العمل أو الانشغال، وأيضا لأن عدداً كبيراً من الآباء والأمهات في البيوت هم عاملون حاليا، لذلك تجد تغيراً في أنماط الأكل. لكن الضيف قال أيضا إن «هذا التغيير غير محصور في الوجبات السريعة لكن حتى في الأكل الشعبي، الناس أصبحت تذهب إلى المطاعم الشعبية مثلا. كل هذا يضاف إليه أن 70 في المائة من المواطنين أعمارهم أقل من 25 سنة، وهذا يعني أننا مقبلون على تغير نوعي في الوجبات أو في طريقة التعامل مع الغذاء». هكذا أنهى الأمير محمد بن خالد مقدمته العميقة.

السرحان : التسويق والتوزيع والخدمات

تداخل الضيف الرئيسي الثاني في الندوة الأستاذ محمد السرحان، فقال إنه من «حسن الحظ أني لم أنسق مع الأمير محمد على النقاط التي يمكن أن نتحدث فيها، ولذلك سأتحدث عن الموضوع من زاوية مختلفة، سأبدأ من عنوان هذه الندوة وسأستعرض التحديات التي تواجه الصناعات الغذائية من وجهة نظري كمُمارِس ومن خلال الخبرة التراكمية في لجان الغرف التجارية والعمل مع الشركات». وهكذا حاول السرحان تجاوز النقاط التي تحدث عنها سمو الأمير، وعرج على قضايا أخرى لا تقل أهمية من بينها التسويق والسعودة وغيرهما.

التسويق والعلامات التجارية

في مستهل حديثه قال السرحان: في رأيي أن واحداً من أهم التحديات التي تواجه الصناعة الغذائية في المملكة هي قضية التسويق، مثلا أنت تستطيع أن تجلب أفضل الآلات والمعدات وتستقطب أفضل العاملين، وأفضل المواد الخام وغيرها، لكن في نهاية الأمر إذا لم تستطع أن تسوّق السلعة أو الخدمة التي تنتجها وأن تسهم في خلق علامة تجارية تفرض نفسها على المستهلك فلن تقوم قائمة للصناعة الغذائية.

المنافسة والمطاعم

اعتبر السرحان أن المُتابِع للساحتين المحلية والإقليمية يرى أن هناك علامات تجارية استطاعت أن تُنَافِس خارج الحدود، وقال «لعل في رأس هذه المقدمة صناعة الألبان. وزاد: اليوم الشخص يشعر بالفخر والاطمئنان عندما يرى منتجات شركات مثل «المراعي» أو «الصافي» أو «نادك» تملأ منافذ البيع في دول الخليج، بل في أغلبية دول العالم العربي. وتساءل الضيف: لكن أين بقية الصناعات؟ مثلا في صناعة المطاعم لم نستطع أن ننافس ماركات عالمية مثل: «ماكدونالدز» أو «برجر كنج». وشدد على أن «التجربة المحلية الناجحة كعلامة سعودية ولو بشكل بسيط هي مطاعم كودو، وتوصل السرحان إلى نتيجة هي أنه «إذا لم تستطع هذه الصناعة أن تخلق علامات تجارية مميزة وتشعر المستهلك بالاطمئنان فلن تقوم لها قائمة».
التحدي الأكبر .. والجغرافيا

بعد الحديث عن التسويق وأهمية خلق علامات تجارية منافسة، قال السرحان: إن التحدي الآخر - في نظري - هو التوزيع، فالمملكة قارة ومُدنُها مترامية الأطراف ومستهلكونا في كل مكان، وعندما تعلن تلفزيونيا عن منتجك الغذائي يجب أن يصل إلى المستهلك في جدة وفي تبوك وفي الظهران في الوقت نفسه وبالجودة والكفاءة نفسيهما. وشدد على أن «في المملكة قطاع التوزيع في المواد الغذائية لا يزال متقلبا جداً وربما غير موجود، لذلك تجد المستثمر في الصناعات الغذائية يضطر إلى أن يستثمر أموالا أكثر مما استثمرها في الصناعة لإنشاء شبكة توزيع عملاقة. ويلحق بهذا الأمر الوعي من منافذ البيع، ففي أوروبا أو في العالم المتقدم بين 90 في المائة و100 في المائة هي منافذ مجهزة وكبيرة «هايبر ماركت» أو سوبر ماركت، في دبي مثلاً نحو 55 في المائة مما يباع من منتجات وعصائر ومواد غذائية يباع في «الهايبر ماركت»، في السعودية لا يزال الرقم هذا أقل من 20 في المائة، يعني إلى عهد قريب هذا الرقم لم يتعد 5 في المائة، حيث إن المنتشر هو البقالات الصغيرة والأسواق المتوسطة. وهذا تحد لأن الشاحنة المبردة يجب أن تمر على 60 محلا في اليوم بينما في الخارج توزع السيارة على محل أو محلين، أضف الى ذلك وعي العاملين في هذه المنافذ بأهمية التعامل مع المنتجات الغذائية وحسن تخزينها

البحث والتطوير

عرج السرحان على قضية البحث والتطوير فقال إنها من أهم التحديات التي لا تقل أهمية عن سابقاتها، فمثلا «تجلب مصنعا وآلات وتنتج منتجا معينا لكن لن تستطيع أن تستمر عشر سنوات بالجودة نفسها من دون تطوير سواء من ناحية شكل المنتج وطريقة تناوله وغيرهما». وقال إن ذلك «يعود إلى مسألة البحث والتطوير وهي عملية مكلفة جدًا لا بد أن تكون ملتصقا أو مرتبطا استراتيجياً مع عملاق كبير في الصناعة لمساعدتك واختصار الزمن والمال والجهد عليك – كان يشير إلى تحالف «الصافي» مع شركة دانون العملاقة في مجال الألبان الذي مكّنها من طرح منتجات جديدة لأول مرة في الأسواق المحلية.

السعودة .. والهروب

السرحان لم يُخفِ تَذَمُر قطاعات في القطاع الخاص من عمليات التوظيف والظروف التي تصاحبها، حيث قال إن من التحديات - في نظره - مسألة «السعودة»، لافتاً إلى أن المستثمر في الصناعة الغذائية يحتاج إلى عمالة، والعمالة تحتاج إلى تدريب، وقال «عندما أستثمر في تدريب الشخص يجب أن يستمر، لكن للأسف من الأشياء التي نواجهها أن العمالة الوطنية لا تستمر، هذا يعني أننا نُعَيِن ونُوَظِف ونَستَثمِر ونُدَرِب .. والجيد منهم يمكث ثلاث سنوات فقط، ثم تَستَقطِبَهُم القطاعات الحكومية، وخصوصاً العسكرية والأمنية.

الإغراق .. والتمويل

التحدي الأخير في نظر السرحان كان مسألة الإغراق من قبل الدول التي لديها قدرات كبيرة في الإنتاج التي قال إنها «تقذف في الأسواق منتجات بسعر هامشي مقابل المنتج المحلي». وأشار إلى أنه في ظل الأزمة الاقتصادية وتشدد البنوك في التمويل تبدو هذه الإشكالية ذات أثر كبير في الصناعة. وحاول التفصيل في قضية التشدد في التمويل التي بدأت تتضح في الاقتصاد السعودي خلال العام الأخير، مبينا أنها «تحد مهم جدا على الرغم منه أنه طرأ منذ فترة بسيطة حيث بدأت صعوبات كبيرة في هذا الإطار».
وخَلُصَ السرحان إلى أن قطاع الألبان يشترك مع القطاع الغذائي في كل هذه التحديات، لكن لديه تحدياته الخاصة مبررا ذلك بأن «قطاع الألبان قطاع حساس من حيث الجودة والتوزيع يتأثر بالأجواء ومستوى الخدمة في منافذ البيع وكذلك المنافسة المحلية القوية».

غذاء عصري .. وعولمة

قبل أن تبدأ المداخلات جَدَدَ السرحان التأكيد على أن الغذاء في وقتنا الحاضر ليس فقط محصوراً على أهدافه التقليدية لزيادة الوزن أو النمو، بل أصبح وسيلة لأغراض كثيرة، «هناك أغذية أو مشروبات لرفع مستوى المناعة وأخرى لترطيب البشرة، وبعضها تساعد على نمو الشعر، كل هذه مرتبطة بمسألة البحث والتطوير». وضرب مثالا على ذلك فقال: من يعرف رفوف عرض الألبان والحليب في الأسواق قبل عشر سنوات فقط لم يتصور التغيير الذي طرأ عليها، كانت عبارة عن مشروبات فقط، اليوم من جميع أنواع الأغذية مثل الزبادي والنكهات وحلويات الدانيت وغيرها من الوجبات الخفيفة، هذا لم يأتِ من جهد محلي، بل بالتحالف والتجربة والخبرة العالمية.
مداخلات .. تشبع أم عزوف؟

محمد بكر وجّه سؤاله إلى الأمير محمد، فقال: هل وصلنا إلى التشبع في السوق السعودية من منتجات الألبان، وماذا عمّا يدور في المجالس عن تقليص تصدير بعض المنتجات بسبب استهلاك المياه، وأخيراً كيف ترون تأثير خطوة الاستثمار الخارجي في صناعة الألبان والحليب؟

مفارقة .. ألبان وغازيات

رد الأمير محمد على محمد بكر بالقول إنه من ناحية التشبع نعتقد أن المستهلك السعودي الأقل عالميا في استهلاكه للألبان والعصائر والمياه، وفي المقابل فإنه الأعلى عالمياً في استهلاك المشروبات الغازية والشاهي، وأسند هذه المعلومات إلى دراسات علمية. وقال إن «هذا له تأثير كبير مثلا مرض هشاشة العظام لدينا من الأمراض الشائعة من أهم أسبابه تدني تناول الحليب والألبان. ولكم أن تتخيلوا أن معدل استهلاك الفرد في المملكة من الألبان لا يتعدى في مجمله نحو 40 كيلو في السنة مقابل 85 كيلو في أوروبا و90 في أمريكا أما في الدول الاسكندنافية فيصل إلى 125 كيلو.

معدلات الأعمار

عقب السرحان على ذلك بقوله: لو أخذنا في الحسبان ديموغرافية السكان، فإنه يفتَرَض أن معدل استهلاك الألبان والحليب لدينا أعلى بالنظر إلى معدل الأعمار المنخفض، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، ولكن حيز البطن للأسف يملأ بأشياء أخرى تنافس الألبان والحليب والمشروبات الصحية.
في قضايا الاستهلاك لدينا ــ كما قال الأمير محمد بن خالد العبد الله الفيصل هناك أمُور تحتاج إلى وقفة مثلا: من الأمراض الشائعة في بلادنا حصاة الكلية وهذا سببه قلة شرب المياه، إضافة إلى المبالغة في أكل اللحوم و»المفاطيح»، كما أننا نُسرِف في استهلاك القهوة حيث معدل ما يتناوله الشخص في السنة كيلو جرامين من القهوة سنويا، وكيلو جرام واحد من الشاهي. واستهلاك المشروبات الغازية لدينا يتجاوز 3.5 مليار لتر، ولو قسمناها مع العدد التقديري للسكان لاكتشفنا أن الطفل يتناول 135 لترا من المشروبات الغازية في العام، وهذا يعادل ثلاثة أضعاف الألبان. لدي الآن أرقام مخيفة مثلا السعودية تستهلك 17 مليار سيجارة. وأشار إلى أن الملاحظ أنه ليس هناك اهتمام من قبل الناس بصحتهم، والدليل أكثر ثلاثة أمراض شائعة هي أمراض القلب والسكري ثم السرطان الذي يأتي بعدهما بمراحل. وقال المرض الأول والثاني دليل قاطع على سوء التغذية التي يعيشها الفرد السعودي.

تصدير الألبان

فيما يتعلق بالتصدير قال الأمير محمد بن خالد: يجب أن نَعرِف من أين يأتي الحديث عن منع التصدير، فهو يأتي من كون الألبان تستهلك المياه حيث يُطَرح سؤال دائم عن التكلفة المائية للتر الحليب الواحد.. هذا لو أخذته بمعزل عن أي قطاع مثل الأغذية أو الصناعة تجد الرقم كبيراً، لكن عند التمعن فيه والنظر إلى نقطتين تكتشف أن الوضع لا يحتمل هذا التخوف.
شرح هذه النقطة، فقال: أقصد تحديدا: ما نسبة استهلاك الألبان مقارنة بنسبة المياه المستهلكة للزراعة بشكل عام (علما أن الزراعة في العالم تستهلك 70 في المائة من الموارد المائية)؟ في أسوأ الاحتمالات ــ وفقا للأمير محمد ــ تستهلك صناعة الألبان 5 في المائة من كمية المياه المُستَخَرجِةِ من الآبار المحفورة لزراعة الأعلاف ولتغذية الأبقار.
وعند النظر إلى صناعة الألبان ككل منذ بدايتها من ناحية الأعلاف إلى الثروة الحيوانية مرورا بإنتاج الحليب إلى التغليف والتصنيع والمياه التي تستخدم في هذه المصانع إلى التصدير، نجد أن 95 في المائة من استهلاك المياه يأتي من الأعلاف. عند النظر من هذه الزاوية فإن السؤال البسيط يجب ألا يكون كيف تقضي على هذه الصناعة بل: كيف تحافظ عليها وفي الوقت نفسه تستطيع أن تحافظ على المياه؟

اتهام بالاستنزاف

محمد السرحان عاد للتعليق على هذه النقطة، فقال: إن قطاع الألبان ُمتَهمٌ باستنزاف المياه الجوفية غير القابلة للاسترجاع، وهذا اتهام جائر لسببين .. الأول، (والحديث للسرحان) أن قطاع الألبان لا يستهلك إلا جزءاً يسيراً من الأعلاف المزروعةِ محلياً، فمثلاً في العام الماضي كان حجم الإنتاج مليوني طن، وكان استهلاك «الصافي» 70 ألف طن، وقال « لو ضربنا هذا الرقم في أربعة على اعتبار أن الشركات الأخرى تستهلك النسب ذاتها فهذا لا يتجاوز 250 ألف طن، وهو لا يشكل بالتالي « ثُمُن ما يُنَتج من الأعلاف .. فهل ما يستنزف للألبان أم للأغراض الأخرى»؟

هنا تداخل الأمير محمد قائلاً: إن القول إن لتر اللبن يستهلك 500 لتر من الماء، هذا غير صحيح، «نعرف أن إنتاج الأعلاف يستهلك كميات من المياه، كما قلنا، لكن ليس بالشكل الذي يتردد، ثم إن أغلبية هذه الأعلاف تذهب إلى مربي الماشية .. ألا يمكن استيراد الماشية سواء كانت خرافا أو أبقارا أو جمالا أيا كانت مذبوحة؟

التصدير والأسعار

حول التصدير قال محمد السرحان:«إن النقطة المهمة فيما يتعلق بقضية التصدير، أن حجم سوق الألبان في المملكة إذا استبعدنا العصائر نحو ستة مليارات ريال يُصَدر منه ما يصل إلى 1500 مليون ريال، «هذه الصادرات تحقق أرباحاً للشركات تعادل ضعف نسبتها من المبيعات، بمعنى آخر لو أوقَفت تصدير منتجي الألبان فسيضطرون إلى رفع الأسعار على المستهلك المحلي، وهذه نقطة يغفل عنها كثير من الناس».
وقال «لدينا اليوم لتر الحليب يباع بأربعة ريالات، وفي دبي بستة ريالات، وعندما أبيع لتري هناك بستة ريالات وأحقق أرباحا وتوقف التصدير فسأضطر إلى رفع السعر محلياً لأحافظ على معدل الربحية. طبعاً تتفاوت الشركات بنسبة مساهمة التصدير فيها.
500 بئر من 120 ألفا!

القضية المهمة الأخرى ــ والحديث لمحمد السرحان ــ أن عدد الآبار المُرَخص لها في المملكة سواء الآبار الخاصة أو القطاع الزراعي تصل إلى نحو 135 ألف بئر في المملكة، وهناك آبار غير مرخصة يصل عددها إلى ضعف هذا الرقم، وأضاف «حسب معلوماتنا في شركات الألبان الكبيرة في المملكة مجتمعة لا يوجد أكثر من 500 بئر فمن يستنزف هذه المياه؟ وأين تذهب هذه المياه؟» وهو بذلك يفند الاتهامات التي تطول الشركات. وقال إن السؤال ما تأثير منع التصدير في حال تطبيقه؟ أو ما الهدف من منع التصدير؟ إذا كان الهدف هو توفير المياه فلن يمثل هذا تأثيراً واضحاً، هل يجب أن تُساهِم شركات الألبان في دعم توفير المياه، وقال: أعتقد أن هذا هو التوجه المستقبلي لشركات الألبان وأحد الأشياء التي تحدثت عنها هي مسألة دعم البحث والتطوير.

ترشيد المياه

قال الأمير محمد: الآن كل شركات الألبان بلا استثناء تعمل مع وزارة الزراعة لتخفيف استخدامها للأعلاف الخضراء المحلية، فعلى مدى السنوات المقبلة تجد أن اعتمادنا على الأعلاف الخضراء المزروعة في المملكة سيقل. الشيء الآخر يجب أن تسهم شركات الألبان بطريقة أو بأخرى في دعم البحث والتطوير فيما يسمّى الزراعة المستدامة، وهذا النوع من الزراعة، وفي المملكة تحديدا، يعني أن تستطيع أن تستثمر مواردك الموجودة وغير المستدامة في تطوير الزراعة، وهذا سينفع الجميع سواء صناعة الألبان أو غيرها. وبيّن: في السابق لم يكن هناك جهات تساعد على المساهمة في هذا المجال، وشركاؤنا في الألبان مثلاً أعمالهم أغلبها في الألبان نفسها، فالبحث والتطوير لديهم في الألبان وليس في الزراعة.

إشكالية وقف القمح

بيّن الأمير محمد أن القطاع الزراعي يستهلك نحو 70 في المائة من المياه، والأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز 2 في المائة من مساحة البلاد، وأكبر المستهلكين هو محصول القمح، ومع سياسة خفض الزراعة تحول كثيرون إلى زراعة البرسيم والشعير على الرغم من أنهما أكثر استهلاكاً للمياه، هذا يعني أن هناك محاولة التفاف من قبل زارعي القمح على سياسة الدولة لتقليل صرف المياه، لأن أغلب المزارعين بدأوا يستبدلون بزراعة القمح زراعة البرسيم الذي يستهلك نسبة أكبر من المياه. وبيّن أنه بالنسبة لشركات الألبان حتى على افتراض أننا يجب أن نسهم في خفض استهلاك المياه، على الرغم من قناعتنا أننا لسنا قطاعا مؤثرا في الاستهلاك، وحتى لو أغلقنا قطاع الألبان بشكل كامل، تبقى نسبة 94 في المائة تتحول حاليا إلى البرسيم، تضافُ إليها المحاصيل الصيفية المستهلكة للمياه. هذا يعني أننا لم نُوفِر المياه، بل زدنا الاستهلاك.

الأمن الغذائي والاستثمار
في الخارج

قال سمو الأمير محمد: أنا أعتقد أننا نتعامل مع القضية ببساطة شديدة، ومن منظور سهل جدا، لا نتصور أنه يمكن أن تستأجر مزارع في الخارج وتوفر من خلالها كل احتياجاتك، يجب ألا ننسى المؤثرات السياسية، ثم إننا لسنا الدولة الوحيدة التي تريد البحث عن هذا الأمر، فهناك الصين ودول الخليج وغيرها. ودولة مثل الصين تشهد تحولات كبيرة لأن نحو 400 مليون نسمة من المليار صيني فقط يصنعون، والبقية مزارعون يأكلون مما ينتجون، وأغلبهم يتحولون من الزراعة إلى التجارة، هذا يعني أن الطلب على الأكل سيزداد، لذلك تَوَجُه الصين أكبر منا بكثير.

#4#

الاستثمار الخارجي

تطرق الأمير محمد إلى أهم التحديات عالميا، فقال الحديث الآن عمّا يسمّى «الاستثمار الزراعي» لا يمكن أن تقوم ببناء مشروع زراعي متكامل بناء على متطلباتك الغذائية في مكان ما وتتوقع أنك تستطيع أن تنقل كل ما زرع هناك إلى بلادك لتحقق بذلك الاكتفاء الذاتي، فعندما تستثمر في أي مشروع زراعي يجب أن تضع في الحسبان أنك ستنتج للسوق المحلية أولاً، والفائض هو ما سيأتي إليك (تصدره لبلدك) لأنه في حال حدوث أزمة غذائية سوف تمنع الدول التصدير، والهند العام الماضي قلصت تصدير الأرز لهذا السبب.

عولمة الغذاء

من التحديات المهمة كما يقول الأمير محمد بن خالد الطلب على الغذاء العالمي الآخذ في التزايد، وقال «نحن الآن بين قوتين، قوة التي نسميها عولمة الغذاء وليس هناك شيء اسمه اكتفاء ذاتي، لأنك لا تستطيع أن تصنع كل ما تريد أن تكتفي به، ثم إنك تستورد 80 في المائة من احتياجاتك .. فهل نستطيع أن نصنع كل شيء في المملكة .. هذا مستحيل! من الممكن أن تصنع بعض احتياجاتنا في البلد الأجنبي ذاته.
فهد القاسم: أعتقد من أهم التحديات الآن هو وجود ثلاث شركات تسيطر في السعودية .. ونحن شاهدنا عدة محاولات لوزارة الزراعة لحماية صغار المستثمرين .. كيف ترون ذلك؟
أجاب عن السؤال السرحان الذي قال: أنا أحترم رأيك، لكن أختلف معك في النظر للكيانات الكبيرة على أنها احتكارية، بل هي الكيانات الاقتصادية القادرة على البقاء أولا، وهي القادرة على تطوير الصناعة ثانياً، والقادرة على البحث والتطوير وخلق فرص جديدة ثالثاً، وهي الكيانات القادرة على أنها تحاكي وتتطور مع ذوق المستهلك رابعاً. الكيان الصغير يبقى صغيرا، واليوم هذه المسألة عبرت الحدود كما نراها في صناعات أخرى كالسيارات.
طبعاً لدينا عشرون شركة تقريبا يمكن أربع أو ثلاث «كبار» إن صح التعبير تستحوذ على نحو 80 في المائة أو أقل من السوق، وأنا دائما من الداعين إلى التكتل، لكن أحيانا عندما يفكر ثلاثة أو أربعة من صغار المنتجين في ذلك يصر كل واحد على أن لديه القيمة المضافة وهو الأحق بالعلامة التجارية. والمعلوم أن الاستثمار في قطاع الألبان مكلف وحساس للغاية.

#5#

حماية أم وهم؟

الأمير محمد علق على قضية الحماية من قبل وزارة الزراعة فقال: فيما يتعلق بحماية اللاعب الصغير في السوق، هناك خلط بسيط بين حمايته أو خداعه ليعرف واقعه. من أسوأ الأمور التي حدثت تدخل وزارة الزراعة في تحديد الأسعار، كان شكل التدخل حماية لكن في الحقيقة تم بناء كذبة كبيرة بالنسبة لمن يريد أن يستثمر، حيث أرسلت إشارة إلى ضمان السعر لمدة عشر سنوات، في حين أن الأوضاع داخل السوق صعبة، وفي تلك الفترة دخلت استثمارات كبيرة، لدرجة أن بعضهم كان يقول: لن أخرج من القطاع حتى أحقق عائدا وأعيد المبالغ التي تم ضخها، وهكذا وجد بعض المستثمرين أنهم أمام خيار المنافسة خارج منطقته، وذلك يتطلب إما التركيز على المنافذ الكبيرة وهذه لها تسعيرة عالية، وإما الاستثمار في أسطول نقل. ثم إن بعض الشركات هي ملك لأشخاص لديهم استثمارات أخرى، يمكن أن تخسر لكن يتم التعويض عن طريق شركات أخرى وهكذا لا يشعر بشكل مباشر بحجم الخسائر.

تجربة الأرقام القياسية

محمد السرحان عاد مرة أخرى للتأكيد على أن القطاع يمثل واجهة مشرقة للاقتصاد الزراعي في المملكة، ويضع اسم المملكة على الخريطة العالمية في أشياء كثيرة، لعل أولها أننا دخلنا موسوعة جينيس للأرقام القياسية وكانت «الصافي» سفيرا للمملكة فيها وهذا منذ عام 1998. وقال «من خلال الأرقام نستطيع أن نعرف دور هذا القطاع في السعودية، لا أتحدث عن «الصافي»، بل عن الشركات المنافسة الأخرى، لدينا معدل إنتاج البقرة يصل إلى 36 لترا في اليوم، وفي أوروبا المعدل لا يتعدى 25 لترا. وهذا رقم غير مسبوق لفصيلة البقر نفسها، على الرغم من أن الظروف هناك أفضل لكن نحن نتعامل مع القضية كصناعة، فهناك الأبقار ترعى وتأكل ما تشاء، ولدينا الأبقار تأكل ما نشاء نحن، فنحن الذين نصمم العليقة ونضع لها المركزات والأعلاف بالشكل الذي يساعد على الإدرار.
وقال السرحان: نحن من خلال الخبرة التراكمية في هذه المزارع ما أوصلنا إلى معدلات إنتاجية غير مسبوقة، والشيء الآخر الرقم غير المسبوق أيضا في معدل العد البكتيري (النافعة) في الإنش المكعب من الحليب، فهذا يجب ألا يتعدى 50 ألفا في «الكيوبك إنش» حتى يكون صالحا للاستهلاك الآدمي في السعودية ولا يتعدى خمسة آلاف وذلك يعني أنه عشرة أضعاف درجة النقاء للحليب المسموح باستخدامه للاستهلاك الآدمي وهذا رقم ممتاز وغير مسبوق. ومن الأشياء المميزة – وفق السرحان - أن المكان الذي تحلب فيه البقرة لا يبعد أكثر من 500 متر عن المكان الذي يصنع فيه الحليب ويعبأ بينما في البلاد الأخرى الحليب يجمع من دائرة نصف قطرها 300 أو 400 كيلو متر، وهذا بالطبع يرفع العد البكتيري.

#6#

المعلومة والمعرفة

الأمير محمد بن خالد قال في تعليق آخر، نحن الآن صناعة الألبان لدينا المعلومة والمعرفة التي نستطيع أن ندخلها يعني مثلاً المعلومات التي طرحها الزميل محمد السرحان لم تتح لنا معرفتها لو لم نتحالف مع شريك عملاق وعالمي، «دانون» لديها مصانع في 120 دولة وبالتالي هناك مقارنة دائمة من ناحيتي الجودة والصناعة وغيرهما. ولله الحمد منذ عشر سنوات دائما ما تكون «الصافي» ضمن الأوائل من خلال معايير دقيقة وصارمة. وقال إذا نظرت إلى إفريقيا فهي تحتاج إلى تغذية وهناك سوء في التغذية، والألبان من أهم مجالات التغذية فإقامة صناعات ألبان مثل ما تقام في المملكة هي التوجه المستقبلي بالنسبة لهم. وقال: اللتر في السعودية أرخص من دول كثيرة، وسعر اللتر عندنا أرخص من سعر اللتر العالمي فهو في حدود 1.45 يورو ولدينا 0.99 يورو. وأرخص من دول مثل المغرب وإندونيسيا التي دخل الفرد فيها أقل بكثير من المملكة.

الزراعة الذكية

عرج الأمير محمد بن خالد على الزراعة الذكية، فقال: أعتقد أن التوجه المستقبلي يجب أن يكون ليس منع الزراعة أو وقفها، لكن أن نقوم بالزراعة بطريقة ذكية، وأن نكون نحن المطورين لتكنولوجيات الزراعة للري، البيوت المحمية، لاستخدام الموارد الموجودة بطريقة أفضل. ومراكز الأبحاث التي تقام حاليا في الجامعات وتدعم من قبل الدولة يجب أن تستثمر من قبل الشركات، كل حسب حاجته. مبينا: الآن في مجال الزراعة التحدي استهلاك المياه .. وبالتالي السؤال الذي يجب أن يطرح: كيف نستطيع أن نقيم زراعة ذكية؟ كيف نستطيع أن نطور بمخرجات أكبر من استهلاك للمياه؟ وكيف نستطيع أن ننمي صناعتنا الغذائية دون أن نكون «متوهمين» أننا بلاد خضراء وفي الوقت نفسه لا نعيش في حلم بأننا نستطيع أن نضع استثماراتنا خارجياً فقط، وأن يأتينا الغذاء بهذا التوجه؟

القطاع الاجتماعي

الأمر المهم أيضا في الزراعة أن لها تأثيرا اجتماعيا كبيرا، فهي ليست مشاريع كبيرة فقط، إذا كيف تستطيع أن تنمي الزراعة وتطور من استدامتها بحيث يستفيد منها المزارع الصغير؟ فليس من الضروري أن تضع زراعة مستدامة وتوجهها إلى شركات كبيرة فقط. الُمزارِع في الخرج، الأحساء، الجوف، وغيرها كيف تشجعه على تخفيض استهلاكه من المياه وتساعده في بحوث التربة، وكيف تخصب التربة. المسألة ليس فقط أن تدعم مزارع كبيرة تدعم الاقتصاد، بل أن تدعم المزارع الصغير وفي الوقت نفسه تدعم المنشآت الصغيرة. من جانب آخر المنشآت الصغيرة هي الموظف الأول وهي القادرة على توليد الوظائف.

الشدي: تجربة ميدانية

علي الشدي تداخل في النقاش، فقال: في موضوع الزراعة في الخارج هناك تجربة حية وواقعية وعايشتها شخصياً عند إقامة مصنع للسكر في إحدى الدول العربية من خلال مصنع كبير ومزرعة قصب سكر، وكان الاتفاق مع حكومة هذه الدولة أن يصدر نصف المنتج إلى الخارج ونصفه يستهلك في السوق المحلية، ثم بقرار مفاجئ قيل إن السكر سلعة استراتيجية يمنع تصديره فقضت على آمال المستثمرين في هذا المشروع وعطلت الاستثمار في ذلك البلد. ووجّه الشدي سؤالا إلى الضيوف قائلا: لماذا لا يكون هناك جهد مشترك بين الشركات في قضية التوزيع؟ ثم لماذا لا يكون هناك معهد للألبان لتدريب الشباب السعودي؟ وهل يمكن أن نشجع المزارعين على إنتاج الألبان ثم شرائها؟

الأصدقاء الألداء

أحد الضيوف سأل عن بعض المنتجات التي تدخل السوق بسعر مناسب وبعد فترة ترتفع أسعارها.. وعن رؤية الضيوف لتكوين شركة مشتركة للتوزيع؟
السرحان رد قائلا: طبعاً يُقالُ للصديق الجيد صديق حميم، ويقال للعدو السيئ إنه العدو اللدود، نحن في قطاع الألبان الأصدقاء الألداء، لسنا أصدقاء حميمين بل أصدقاء ألداء، طبعاً المنافسة شرسة جداً وحامية في السوق، ولا أستطيع شخصياً تصور أن «الصافي» و»المراعي» و»نادك» تؤسس شركة تسويق لتسوق منتجاتها، لو كانت هذه الشركة مؤسسة من قبل وكانت من مستثمر آخر ويوقع معها عقود بشروط معينة وبظروف معينة ولو لم تكن هذه الشركات قد استثمرت في بناء شبكات توزيع ربما كان هذا مجديا إنما الآن أعتقد أنه غير وارد.
وبيّن: بالنسبة للتدريب والحوافز نحن نواجه مشاكل كثيرة مثلا لدينا وظيفة «حلاب» في المزرعة لا يقبل عليها السعودي، لأن العامل يقف تحت البقرة مباشرة، وهذا العامل وظيفته تنظيف الضرع بمادة منظفة قبل تركيب أجهزة الحلابات، والمحلب مكان مكيف وجيد، والبقرة يحلو لها أن تفرغ ما في جوفها في هذا المكان. أنا لا أتخيل أن السعودي يقبل بهذه الوظيفة. في مزرعة «الصافي» فقط لدينا 250 حلابا لكم أن تتصوروا في بقية الشركات،
هناك تحديات يجب أن نعرفها. في وظيفة السائق العامل يجب أن يباشر فجرا، ويدور على المحال والبقالات وسط زحام المدن، وعليه مسؤوليات مثل التحصيل، وهذه الظروف صعبة جدا ولا تلقى إقبالا من المواطنين. يتقدم الينا أشخاص للعمل وفي الوقت ذاته يتقدمون إلى الوظائف الحكومية سواء مدنية أو عسكرية وفور حصولهم على هذه الوظائف يتركون العمل ويضعونك في مأزق.
فيما يتعلق بموضوع المحفزات صحيح في البداية كل شركات الألبان والغذاء بشكل عام مدينة للدولة بالشيء الكثير، لا شك أنها في البداية أعطيت محفزات، ومقابل هذا أيضاً أن هذه الاستثمارات نجحت، والآن المنتج السعودي ينافس في الدول المجاورة بقوة، بل يفضل على منتجات دول أخرى ويطلب تحديدا لأنه حاز الثقة.

اكتفاء في التوزيع

الأمير محمد بن خالد تداخل مرة أخرى على بعض النقاط، فقال إنه من ناحية التوزيع في قطاع الألبان «قد يكون اكتفى ذاتياً ولا يحتاج بسبب وجود ثلاث شركات كبيرة». وبيّن» لكن أعتقد في القطاع الغذائي بالذات إذا أردنا أن نشجع المزارع الصغير لا بد من وجود شركات توزيع». في نقطة أخرى قال إن من التحديات التي تواجه صناعة الغذاء «تتمثل في أنك لا تستطيع أن تعمل في مجال الغذاء كل على حدة، لا بد من أن يكون هناك تعاون، لذلك تنشأ شركات توزيع يكون فيها مجال وحصص للمزارعين الصغار في منطقة ما بحيث يستطيع أن يكسب، ليس فقط في البيع ولكن أيضاً في التوزيع وغيره، ففي هذا المجال هناك فرصة أعتقد أنها كبيرة.
وفي موضوع السعودة قال الأمير محمد: هناك تحديات تواجهنا، في بعض الأوقات هناك وظائف لا يرغب فيها الشاب السعودي، هناك أعمال يدوية كثيرة وفي الوقت نفسه تواجهنا تحديات من جهات أخرى سواء من شركات في السوق تنتظر أن ينتهي الشاب من التدريب ثم تخطفه بزيادة مرتبه، وتأخذه جاهزا. وأورد قصة حدثت في الشركة تمثلت في تنفيذ برنامج تدريب لشباب في مجموعة الفيصلية لمدة ستة أشهر، «وكنا نكتشف أننا نفقد نحو 85 في المائة من الشباب في الشهر الأخير، تبين فيما بعد أن مصلحة حكومية تغري الشباب وتوظفهم، على الرغم من أننا دربناهم. في هذه النقطة أعتقد أن المشكلة تتمثل في أن بعض الشباب ليس لديهم بعد نظر، هو ينظر إلى زيادة بسيطة اليوم أو هذا الشهر، في حين أن الجهة التي يتدرج فيها يمكن أن ترفعه باجتهاده إلى مراتب عليا، وتسند إليه مهمات وواجبات كبيرة، ويحسّن دخله بشكل لا يتصوره من يبدأ من الصفر».

المسؤولية الاجتماعية

مداخلة: عليكم واجبات في قضية المسؤولية الاجتماعية .. كيف ترى هذا الأمر؟
الأمير محمد: موضوع المسؤولية الاجتماعية موضوع مهم، ولكن هناك لبس في المصطلح أو التسمية، والمشكلة في الموضوع أنك كشركة تضع برنامجا معينا سواء لخدمة المجتمع أو تنظيف أو غيره، لكن تصطدم بأن يطلب منك دعم لجهة معينة، أو تبرع معين وهذا يربك خططك التي تعمل عليها. لذلك ما يواجهنا حاليا أننا نضع برامج وخططا على المدى الطويل لكنك تكتشف أن المبالغ المرصودة لها تناقصت. وفي قضية التسمية دائماً هناك خلط ولبس بين الأعمال الخيرية وبين المسؤولية الاجتماعية. برأيي أن المسؤولية الاجتماعية تتمثل في التأثير الذي ينجم عن عملك المعتاد، بحيث إنك في أسوأ الاحتمالات لا تضر المجتمع. في حين أن العمل الخيري دعم مباشر لجهة خيرية أو عمل خيري. وبيّن: مثلا إذا قدرت من خلال سيارات التوزيع تركيب آلات تقلل الإضرار بالبيئة من العوادم فهذه مسؤولية اجتماعية، أو أن تستخدم مواد تغليف وتعليب من النوع الذي يتحلل ولا يضر البيئة، إذا دربت شبابا سعوديين في المجال وخلقت لهم وظائف منتجة .. هذه مسؤولية اجتماعية.
العمل الخيري، كما قلت، أن تتبرع بمبلغ من المال وتعطيه لشيء ولا يعود عليك، المسؤولية الاجتماعية عائدها عليك من خلال الجودة، بحيث تتمتع هذه المنشأة بالسمعة العطرة فعندما يذهب الشخص إلى سوق يرى منتجك فيذكر الأعمال التي تنفذها أو تسهم فيها من خلال عملك وليس من خارج إطاره.
اهتمامنا مثلاً بمعهد يهتم بالزراعة المستدامة نعده مسؤولية اجتماعية لأنك لو استطعت دعمه بطريقة تساعد على تخفيف استهلاك المياه في الزراعة وفي زراعة الأعلاف فهذه مسؤولية اجتماعية.

الأكثر قراءة