أليست دور السينما آمن للشباب من أماكن تتم فيها ممارسات مشبوهة؟!
لم يتبين لي، على الأقل، الأضرار التي قد تعود من وجود دور سينما تعرض فيها الأفلام السينمائية ذات الأهداف الاجتماعية، والتاريخية، والعلمية، تكون خاضعة لضوابط تختص بالإنشاء، وتوفير وسائل السلامة والأمن، وتخصيص قاعات لكل فئة من فئات المجتمع، كالعائلات والشباب والأطفال، ونحو ذلك، بحيث تتوافر الخصوصية والأمان اللازمان لكل فئة، ويعرض فيها ما يتناسب مع مدارك ومفاهيم كل منها، ويتوافق مع توجهاتها، ويخضع للمراقبة، والتأكد من خلو ما يعرض من أي مشاهد لا تتناسب مع تعاليم الدين، وتقاليد المجتمع، يضاف إلى ذلك ضوابط تتعلق بأوقات العرض، بحيث لا تتعارض مع أوقات الصلوات، ووجود الطلبة في المدارس، أو تكون في أوقات متأخرة من الليل!... إذا ضمنا توافر ما ذكر، فهل يبدو أن ثمة محاذير أخرى يخشى منها في مسألة معالجة وضع دور السينما في المملكة، الذي ظل، ولا يزال، ينظر إليه بريبة وتردد؟!..، خاصة بعد الانفتاح الإعلامي، وهجوم البث الفضائي، وانتشار القنوات الفضائية، التي تعرض من المسلسلات والبرامج والأفلام، ما نتمنى لو كانت لنا القدرة على مراقبته أو منعه، حفاظاً على ثقافتنا وتراثنا، وأخلاقيات أبنائنا!..
نعم، إن المجتمع، بخاصة الجيل الحديث منه، مهدد بما تعرضه بعض القنوات الفضائية من مواد وأفلام تتصف بالعنف تارة، والانحلال الأخلاقي تارة أخرى، ناهيك عن أن بعضها يتقصّد المجتمع السعودي ببعض البرامج المصممة والموجهة له، التي تقوم على عنصر الإغراء والإغواء والابتزاز، لأن من يقومون عليها يعلمون مدى محافظة المجتمع، وتمسكه بالتقاليد والأعراف الأصيلة، ومن ثم فهم يحاولون جره إلى الخروج عليها بما يصورونه له من إيحاءات بأن المجتمع آخذ في التحلل من تلك القيم والتقاليد، رغبة منهم في خلق جيل من المشاهدين ينقاد لما يعرضونه!..
دعونا الآن نستعرض كيف يقضي الشباب أوقات فراغهم، والوسائل المتاحة لهم في ذلك، والتي يلاحظ أن الوسيلة الأبرز منها هي الدوران في الشوارع، وما يتخلله من ملاحقات لأنواع محددة من السيارات التي تبدو عليها سمات الترف، وتكون مقاعدها الخلفية مشغولة بأي ملامح أنثوية، ويحتل مقعدها الأمامي سائق أجنبي!..، يأتي بعد ذلك من الوسائل التجمعات التي تتم في الاستراحات، وما قد يتخللها من ممارسات يفرزها الفراغ وعنفوان الشباب!..، ثم تأتي غريزة التسكع في الأسواق، والمراكز التجارية، التي ينجح الشباب في الدخول إليها، وما يصاحب ذلك من نظرة إلى الأسواق التي يمنعون من دخولها بأنها تحوي من المغريات ما يستحق المحاولة والاحتيال للوصول إليه واكتشافه!..، يأتي بعد ذلك أنواع من الوسائل المريبة، مثل الدردشة في الإنترنت وعلى الهواتف الجوالة، وتبادل الصور والمناظر.
وهكذا فإن هذه هي أهم الوسائل المتاحة أمام الشباب لتمضية أوقات فراغهم، في وقت انعدمت فيه الوسائل المفيدة، وانعدم فيه الاهتمام بقضايا الشباب كلها، رغم وجود جهة كبيرة مسؤولة عن (رعايتها)، اللهم إلا كرة القدم التي زاد الاهتمام بها، ومنحها كل (الرعاية)، وأسرفنا لها في (الدعاية)، حتى تسلل إليها الغرور، وانقلبت أهدافها من وئام وتجميع، إلى خصام وتقطيع!...
سؤال: لماذا يكثر الشباب والعائلات من السفر إلى الخارج، بالذات دول الجوار .. هل تجذبهم الأسواق؟ بالطبع لا، فأسواق المملكة أكثر، وأسعارها أيسر، لكن بلا شك أن ثمة عناصر تتنافس على الجذب، بيد أن من الواضح أن أولها هو دور السينما، التي تمثل عنصر الجذب الأول للشباب والعائلات، بل والأطفال، فما إن تذهب العائلة هناك حتى يتوزع أفرادها على قاعات العرض الموجودة في أي مركز تجاري!..، ولم يلاحظ أن من أسباب الإقبال هو عرض أفلام تحتوي على مشاهد غير محتشمة، بل إن السبب ينحصر في كونها تعرض الجديد الذي لا تعرضه القنوات الفضائية إلا بعد فترة من انتهاء عرضه في دور السينما، حتى لا يتسبب ذلك في تقليل الإقبال عليه في دور العرض، وهو ما قد يؤدي إلى خسارة المنتجين!...
ليس لي حاجة إلى استعراض كل الفوائد التي تعود على البلاد من فتح مجال الاستثمار في دور العرض السينمائي (بضوابط), لكن إذا كان لا بد, فهذه أهمها:
1 ـ تقليل السفر إلى البلدان المجاورة من أجل زيارة دور العرض, إذا كان هذا هو الغرض.
2 ـ توفير وسيلة ترفيه بريئة للأفراد على اختلاف فئاتهم, كحق من حقوقهم.
3 ـ توفير أحد أهم مقومات السياحة, وتشجيع الناس على التنقل من المراكز والقرى إلى المدن التي تتوافر فيها هذه الوسيلة, وهو ما يؤدي إلى الاندماج والحركة, وإنفاق الثروة في موطنها.
4 - إحياء أحد مجالات الاستثمار الاقتصادي الجاذب لرؤوس الأموال المحلية قبل الأجنبية.
5 ـ توفير مجموعة من الوظائف للقوى العاملة الوطنية.
6 ـ سيساعد ذلك على جمع الأسر وترابطها عن طريق اصطحاب الأب عائلته, ولو مرة واحدة في الأسبوع, ما يشعر الأسرة بقرب الأب منهم واهتمامه بهم.
7 ـ إن ما يعرض من أفلام سيكون خاضعا للمراقبة, وهو ما يضفي اطمئنانا أكثر مما يتوافر في محال تأجير الأفلام, أو يعرض في القنوات الفضائية.
إنني أعتقد أنه إذا نوقش الموضوع بهدوء في حوار يستهدف المصلحة العامة من قبل من تقع عليهم مسؤولية الاهتمام به, وفي مقدمتهم وزارة الإعلام والهيئة العامة للسياحة وعلماء الدين والنخب المثقفة في المجتمع, فلا بد من أن يتمخض عن ذلك قناعات أقلها عدم وجود ما يستدعي السكوت كل هذا الوقت.
والله من وراء القصد.