ضياع أفغانستان دون الحكم الأفضل
لقد نجحت قوات الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها من الأفغان وفي حلف شمال الأطلنطي في إحراز تقدم لا لبس فيه في أفغانستان في هذا العام. والواقع أن حملة المرجة الجارية، واعتقال الملا عبد الغني بارادار واثنين من ''أعضاء حكومة الظل'' المنتمين إلى طالبان في باكستان، والضربة الأخيرة التي تم تنفيذها بطائرة دون طيار والتي نجحت في ضرب عدد من كبار أعضاء شبكة حقاني التابعة لتنظيم القاعدة، كل هذا يشكل خطوات واضحة في الاتجاه الصحيح.
ولكن أياً كان حجم التقدم الذي تم إحرازه على مسارات أخرى، فإن أمريكا وحلفاءها لن يتسنى لهم إحراز النجاح في أفغانستان ما لم تنجح الحكومة الأفغانية ـ والواقع أن الحكومة تتحرك في الاتجاه الخطأ. وإلى أن يتغير هذا فإن جميع الجهود الأخرى ستكون بلا جدوى في النهاية، وستصبح المستويات الحالية من المشاركة الدولية مع أفغانستان غير مبررة.
لقد حدَّد رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما أهداف أمريكا في أفغانستان بحرمان تنظيم القاعدة من أي ملاذ آمن، وعكس اتجاه الزخم الذي اكتسبته حركة طالبان، ومساعدة القوات الأمنية في البلاد والحكومة على ''تحمل المسؤولية الرئيسة عن مستقبل أفغانستان''. ولتحقيق هذه الغايات فقد قرر أوباما زيادة عدد القوات في أفغانستان لمدة 18 شهراً، بدعمٍ من بلدان حلف شمال الأطلنطي الأخرى، ثم يعقب ذلك البدء في سحب القوات.
ولتحقيق هذه الأهداف في مثل هذا الوقت القصير، يتعين على حلف شمال الأطلنطي وشركائه الأفغان أن يتغلبوا على ثلاث عقبات ضخمة. أولاً، يتعين عليهم أن يخوضوا قتالاً أكثر نجاحاً ضد قوات حركة طالبان من أجل خلق الحيز اللازم لإعادة البناء والمفاوضات المحتملة. ثانياً، يتعين عليهم أن يقنعوا باكستان بالبدء في التصدي لطالبان الأفغانية بجدية وحرمان أفرادها من الملاذ الآمن والدعم الذي يجدونه حالياً في باكستان. ثالثاً، يتعين عليهم أن يدعموا تأسيس حكومة أفغانية شرعية، لا ينظر إليها المواطنون الأفغان باعتبارها حكومة فاسدة وعاجزة، كحال الحكومة الحالية.
ولأن نجاح استراتيجية حلف شمال الأطلنطي يتطلب إحراز تقدم ملموس على كل من هذه الجبهات، فحتى بوادر التقدم العسكري الأولية وتقدم العلاقات الباكستانية مع طالبان الأفغانية ستكون بلا قيمة إذا لم تتمكن حكومة أفغانستان من ترسيخ شرعيتها في الداخل. والواقع أن الجهود الأخيرة التي بذلتها إدارة الرئيس حامد كرزاي من أجل الحد من قدرة عامة الناس على مساءلتها توضح أن الحكومة الأفغانية في هيئتها الحالية تفتقر إلى القدرة على ترسيخ شرعيتها، أو حتى الرغبة في ترسيخها.
فقبل سنة على الأقل من انتخابات آب (أغسطس) 2009، كان المسؤولون في حلف شمال الأطلنطي يدركون أن اشمئزاز المواطنين الأفغان العاديين من فساد حكومتهم كان من بين أهم الأدوات التي استعانت بها حركة طالبان في إعادة تجنيد هؤلاء المواطنين. وفي ذلك الوقت زعم هؤلاء المسؤولون أن الانتخابات من شأنها أن تمنح القادة الأفغان تفويضاً واضحاً للإصلاح. غير أن الانتخابات التي فقدت مصداقيتها إلى حد كبير كانت سبباً في إهدار تلك الآمال.
إن الخلل الأصلي في انتخابات 2009 كان خللاً بنيوياً. فهي لم تتم وفقاً لقوائم الناخبين، لذا فقد كان من المستحيل تقريباً الحيلولة دون العبث بصناديق الاقتراع. أما الهيئة التي تم تفويضها بإدارة التصويت، وهي اللجنة الانتخابية المستقلة، فكانت تحت إدارة مجموعة من الموظفين المعينين جميعاً بواسطة مرشح واحد، ألا وهو حامد كرزاي، الذي انحازوا له بطبيعة الحال.
وهناك مؤسسة واحدة، لجنة الشكاوى الانتخابية - الهيئة الإشرافية المؤلفة من موظفين أفغان وأغلبية دولية من المفوضين المعينين من قبل الأمم المتحدة - نجحت في الاحتفاظ بمصداقيتها طيلة العملية الانتخابية. وكان وجود لجنة الشكاوى الانتخابية، وبشكل خاص وجود المفوضين الدوليين المشاركين فيها، والأمل في ضمان هذه اللجنة لبعض النزاهة على الأقل في العملية الانتخابية، هو السبب الوحيد الذي منع الجدال الذي دار حول الانتخابات من التحول إلى صراع مفتوح. ورغم العيوب التي شابت الانتخابات والنتائج المثيرة للجدال التي انتهت إليها، فإن الموقف كان ليصبح أسوأ كثيراً لولا وجود لجنة الشكاوى الانتخابية.
كان عديد من المراقبين يأملون بعد الانتخابات أن يدرك كرزاي الحاجة إلى بناء حكومة أكثر خضوعاً للمساءلة للمساعدة على تأمين مستقبل أفغانستان ومستقبل الدعم الدولي العسكري والمالي. ففي خطابه الرفيع الذي ألقاه في لندن في كانون الثاني (يناير) الماضي، تعهد كرزاي بإحراز التقدم على مسار مكافحة الفساد وتعزيز المساءلة الحكومية. ولكن فيما يبدو أن العكس هو ما يحدث الآن.
فمنذ خطاب لندن، كان كرزاي يعارض بنشاط الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد الرسمي، بل لقد سعى إلى تعيين بعض أمراء الحرب في حكومته، وفشل في تعزيز المجتمع المدني، وأضعف العملية التي تهدف إلى زيادة تمثيل النساء في البرلمان. ولكي يزيد الطين بلة، أصدر كرزاي في 13 شباط (فبراير) مرسوماً يسمح له بتعيين كل أعضاء لجنة الشكاوى الانتخابية، وهو الإجراء المصمم بوضوح بهدف تعزيز نظام المحسوبية وإضعاف التوقعات الخاصة بحركات المعارضة في الانتخابات المقبلة، والذي يبرهن بوضوح على أن هذه الإدارة ليست جادة بشأن بناء قدر أعظم من المساءلة الحكومية.
يتعين على حلف شمال الأطلنطي والمجتمع الدولي ألا يبخلا بأي جهد ممكن لتعزيز إنشاء حكومة خاضعة للمحاكمة على جميع المستويات في أفغانستان. ورغم أن الحكومة الأفغانية لا تحتاج إلى المركزية الكاملة، فإن أفغانستان لن يكتب لها النجاح في حالة فشل الحكومة المركزية. ولهذا السبب، فما لم تعمل حكومة كرزاي على تغيير مسارها فلا يوجد أي مبرر لحمل أعضاء حلف شمال الأطلنطي على المخاطرة بأرواح الجنود وتخصيص المزيد من الموارد القيمة لمعالجة الصراع في أفغانستان إذا ما تسبب فساد الحكومة الأفغانية وافتقارها إلى الشرعية في تعريض التقدم الحالي للخطر والقضاء على كل احتمالات نجاح حلف شمال الأطلنطي في تحقيق أهدافه في أفغانستان.
إن كرزاي حر في قيادة بلاده على النحو الذي يحلو له، ولكن لا ينبغي لأمريكا وحلفائها ولا يجوز لهم أن يحافظوا على المستويات الحالية من الالتزام ما لم تتمكن حكومته من ترسيخ نفسها باعتبارها شريكاً صالحاً. والوقت يمضي.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org