Author

أستاذ جامعة ينافس عاطلا

|
يبلغ من العمر ما يقارب الـ 25, متزوج, ولديه ثلاثة أطفال، تخرج في الكلية التقنية، ويحمل دبلوم التسويق، كانت آماله وأحلامه أن يجد فرصة عمل حال تخرجه حتى يجد نفسه، حتى يعمل في مجال تخصصه خدمة لوطنه ومجتمعه, الذي أعده من خلال هذا التخصص ليلعب دوره في المجتمع عنصراً فاعلاً لا خاملاً، عنصراً معتمداً على نفسه لا على والده, وإن كان والده ليس بأحسن حالٍ من الابن, الذي يعاني المرض وكبر السن، وليس من الميسورين الذي يمكنه أن يسعف ابنه في حال الحاجة. شاب تخرج عام 1428 ومنذ ذلك التاريخ وهو يبحث عن وظيفة في أي مكان، وفي أي شركة أو إدارة حكومية أو غير حكومية, لا يهمه أن يكون العمل خارج منطقة سكنه أو فيها، عملا شاقا أو سهلا, المهم أن يجد ما يمكنه من الإنفاق على أسرته, وسد حاجاته، لكن مضت عليه السنون وهو يعاني البطالة، حتى لاحت بارقة أمل لعمل في جمعية تعاونية تتبع إحدى الجامعات في مدينة الرياض، براتب ثلاثة آلاف ريال، وما إن حصل على الوظيفة حتى كاد يطير من الفرح لأنه وجد ما يجعله يحس بقيمته كفرد، وما يدر عليه ما يمكنه من سد حاجاته وحاجات أسرته حتى إن كان الراتب قليلا, إلا أن شيئا أفضل من لا شيء على الإطلاق. بدأ عمله مع الجمعية التعاونية، وقام بالدور المطلوب منه كما يجب, بل أكثر, لكن لم تكتمل فرحته إذ بعد أشهر تم إبلاغه بأن الجمعية تستغني عن خدماته، وصرفت له الجمعية مرتب شهرين أخذا بخاطره، أو ربما تفادياً لاحتجاجه، أو إرضاءً له حتى لا يقيم دعوى على الجمعية. ظن الشاب أن الاستغناء عنه تم لعدم حاجة الجمعية إلى الدور الذي يقوم به، أي أن عمله لم يعد موجوداً في الجمعية، لكنه فوجئ بأن أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة التي تنتمي إليها هذه الجمعية هو من دخل منافسة وظيفية من تحت الطاولة مع هذا الشاب. توقفت عند هذه القصة المحزنة وتساءلت بمرارة بشأن أمور عدة، أولها أن مجال التسويق مليء ميدانه بغير السعوديين، وكثير من الشركات والمؤسسات والمصانع توكل عملية التسويق إليهم في حين أن المواطن يشقى ليحصل على هذه الوظيفة في أي مكان لكن يعتذر له بأي حجة كانت، إما لعدم جدية الشباب السعودي, وإما أن راتب الشاب السعودي مرتفع، والمتعاقد أقل في حين أن مثل هذه الحجة مرفوضة لأن غير السعودي يصرف له تذاكر، وبدل سكن، وتأمين طبي، ويصرف له سيارة لاستخدامها في عملية التسويق, وهذه كلها لا يحصل عليها السعودي. الأمر الثاني الذي تساءلت بشأنه هو: ما دور المؤسسات الرسمية كوزارة العمل وصندوق الموارد البشرية وغيرها من الجهات ذات العلاقة إزاء مثل هذه الحالات لتسهيل حصولها على العمل, ومساهمتها في تجاوز الشباب مثل هذه العقبات التي تختلقها الشركات والمصانع أو بعض من يعملون في هذه الجهات بهدف إعطاء الفرصة لبني جلدتهم, وأقاربهم على حساب الإنسان السعودي؟ هل ينتهي دور الجهات الرسمية بتأهيل هؤلاء من قبل المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، أم أن شيئاً يمكن أن يبذل لمصلحة هؤلاء الذين يطمحون إلى خدمة الوطن، ويسعون إلى سد عوزهم في أعمال شريفة؟!. الأمر الثالث الذي تساءلت بشأنه هو بشأن أستاذ الجامعة الذي سعى جاهداً إلى الحصول على وظيفة راتبها ثلاثة آلاف ريال لينافس هذا الشاب المقبل على الحياة. مثل هذه الحالة تحتاج إلى تحليل نفسي, وتربوي بشأن القيم التي يحملها أستاذ الجامعة, الذي يفترض أن يكون مثالاً ونموذجاً يحتذى في الإيثار والتكافل الاجتماعي، أما أن ينزل الأستاذ الجامعي، الذي ليس في حاجة إلى راتب ثلاثة آلاف ريال فهذا انحدار في القيم بل تشكيك في وجود مثل هذه القيم من الأساس عند هذا الأستاذ وأمثاله. كان الشاب يتحدث عن هذا الموقف بمرارة واستغراب شديدين إذ لم يخطر في باله أن يجد من ينافسه في هذا العمل, فكيف إذا نافسه أستاذ جامعي, ربما يتحدث ولا يمل أن يتحدث في المجالس، أو مع طلابه عن قيم الكرم، الإيثار, والتكافل الاجتماعي، لكنه بهذه الممارسة سجل فشلا ذريعا يسجل عليه دون غيره إلا من شابهه في فرط الجشع والبخل, والتمركز حول الذات، وإنكار الآخرين. متأكد أن هذه الحالة تحتاج منا إلى وقفة نراجع فيها واقع العمل, والتوظيف، ولا نتركه على هذه الشاكلة التي يجد فيها الشاب السعودي نفسه متسولاً فرصة عمل عند هذه الشركة أو تلك, التي ربما يديرها ويتحكم في شؤونها وافد لديه اتجاهات سلبية نحو أبناء الوطن، أو على أقل تقدير لديه تفضيل لأبناء وطنه. إن كان أستاذ الجامعة المشار إليه فقد مشاعره الإنسانية, أو لا توجد لديه أصلاً فهذا أمر قد يحدث لكن أين مجلس الإدارة أو رئيس مجلس الإدارة الذي يتواطأ أو يقر مثل هذه الممارسات؟! إن عناية المجتمع بكافة هيئاته ومؤسساته, وأفراده بحالة البطالة أمر وطني تمليه المصلحة الاجتماعية حتى لا يجد أبناؤنا أنفسهم يتسولون من يعطف عليهم بفرصة عمل بسيط حتى إن كان محدود الراتب, أو يجدون أنفسهم دون عمل, ومن ثم يكونون لقمة سائغة لمن قـد يستغلهم فـي أمـور لا تحمد عقباها - لا سمح الله.
إنشرها