الولايات المتحدة والصين قد تتحركان إلى وضع سقف أعلى للإنفاق العسكري

لدى قراءة وسائل الإعلام الجماهيرية، يبدو الأمر كما لو أن الولايات المتحدة والصين على مسار تصادم. وتنقل حادثة جوجل، وبيع الولايات المتحدة الأسلحة إلى تايوان الانطباع بأن القوتين العظميين تنظر كل منهما إلى الأخرى بغضب. وعلى أية حال، ربما أن القوتين ستضطران قريباً إلى احتضان كل منهما الأخرى بسبب الآفاق الكئيبة للتمويل العام الأمريكي، والقلاقل الاجتماعية المحتملة في الصين.
يقدم التاريخ عدداً من الأمثلة ترى فيها قوى عظمى خياراتها الاستراتيجية محدودة بسبب القيود المالية. وما لم تتوافق الاستراتيجية مع القوة المالية، فإن موقف أي قوة عظمى لن يؤخذ على محمل الجد، ويتسارع تراجعها. وحدث هذا الأمر للإمبراطورية البريطانية في بداية القرن الـ 20. وتتحرك الولايات المتحدة سريعاً باتجاه مثل هذا المأزق في السياسة. وبالمثل، فإن الباب يُفتح أمام القوى الناهضة لكي تتحرك لتسد الفراغ، وتتولى القيادة تدريجياً.
في هذه المرة على أية حال، ربما يحدث شيء آخر لأن خيار التفاهم بين الصين والولايات المتحدة لوضع سقف أعلى للإنفاق العسكري يمكن أن يكون الورقة الرابحة. ويبدو أن الفكرة بعيدة المنال، وغير واقعية بالكامل، غير أن الأرقام تشير إلى قصة أخرى.
لدى قياسه بحسب حصة الناتج المحلي الإجمالي، فإن النفقات العسكرية في البلدين أعلى بقليل من نسبة 4 في المائة، ولكن النفقات الإجمالية أعلى بشكل قاطع، حيث إن بعض البرامج ''مخفية'' تحت غطاء البنود شبه المدنية. وربما يمكن المحافظة على النفقات العسكرية بهذا الحجم، إذا برر الأمن الوطني ذلك، ولكنه يبقى أمراً غير مرحب به إلى درجة كبيرة.
تواجه الولايات المتحدة عجزاً في الميزانية الاتحادية في المستقبل المنظور. وتشير السياسات المحلية الأساسية إلى ارتفاع حاد في النفقات. وخلال العقد المقبل، وفقاً لمكتب ميزانية الكونجرس، فإن المساعدة والرعاية الطبية في الميزانية الاتحادية سترتفع سنوياً إلى 6 أو 7 في المائة، وربما يكون ارتفاع نسبة التأمين الاجتماعي نصف ذلك الرقم – تشكل هذه البنود حالياً ليس أقل من 40 في المائة من إجمالي النفقات. ويكشف توقع بشأن الدين العام عن زيادة مهمة، تجعله يصل إلى نسبة أعلى من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي من الأرقام الحالية بنحو 70 في المائة. وشكلت دفعات صافي الفوائد نسبة 8 في المائة (234 مليار دولار أمريكي) من الميزانية الاتحادية في عام 2009. ويشير تقدير حذر إلى نسبة 20 في المائة – مبلغ يقارب أكثر من 700 مليار دولار أمريكي – في عام 2019.
لكي نمنع حدوث ذلك، يجب زيادة الضرائب، أو تخفيض النفقات. ويمكن استبعاد رفع الضرائب لجمع العوائد، على الأرجح، خصوصاً في سنة انتخابات. ويترك ذلك خيار جانب النفقات لمنع زيادة دفعات صافي الفوائد من 234 مليار دولار إلى 700 مليار دولار – أي طلب تخفيض النفقات بنحو 466 مليار دولار أمريكي. غير أن المشكلة على أية حال هي أن 60 في المائة من الميزانية الاتحادية نفقات إلزامية، وبناءً عليه، فإن تدفقات النفقات من القوانين القائمة لا يمكن تخفيضها ما لم تتم الموافقة على قوانين جديدة، وهذا من المستحيل تقريباً إنجازه، وإذا تمت محاولة ذلك، فستكون عملية تستهلك الوقت. ونتيجة لذلك، يجب تخفيض النفقات الاختيارية، ولكن هذا الجزء من الميزانية الاتحادية يشكل 1.333 مليار دولار أمريكي فقط، يذهب قرابة نصفها إلى النفقات العسكرية. وأن ننتزع نحو 466 مليار دولار من 1.333 مليار دولار، فهذه مهمة مثبطة للهمة في حد ذاتها، غير أن القيام بها إذا تم استبعاد التخفيضات في النفقات العسكرية يجعلها مهمة مستحيلة. ويبدو أن الاستنتاج الذي لا مفر منه، عاجلاً أم آجلاً، وعلى الأرجح عاجلاً وليس آجلاً، هو أن حجم الميزانية العسكرية (تشكل نصف النفقات الاختيارية كافة) سيكون موضع تشكيك. ولا يمكن ببساطة أن نجد الأموال في مكان آخر. وفي واقع الأمر، صرحت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، فعلياً بأن اقتراح أوباما إجراء تجميد على نفقات اختياره منتقاة يجب أن ينطبق كذلك على الإنفاق العسكري، الذي تم استثناؤه.
خلال فترة تمتد إلى عدة عقود، ربما تمتلك الصين القوة المالية لبناء قوة عسكرية تقارن القوة التي تملكها الولايات المتحدة، ويكون النمو الاقتصادي مرهوناً بنمط 10 في المائة، أو نحوه، وتمويلات عامة جيدة بشكل عام. وعلى أية حال، تواجه الصين مشكلات هيكلية في اقتصادها.
إن الحاجة لتحويل نسبة متزايدة من النمو باتجاه النفقات الاجتماعية تحوم في الأفق بشكل كبير كل يوم. وإن عبء التقاعد المستقبلي في الصين، إضافة إلى محاولاتها لتطوير المناطق الغربية من البلاد، تحتلان قائمة أولوياتها. وتجاوز عدم المساواة عتبة الخطر حسبما حددته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث إن معامل جيني (مؤشر لقياس عدالة توزيع الدخل تمت تسميته نسبة لعالم الإحصاء الإيطالي جيني) عند نقطة 0.47، وهو أعلى من الحد البالغ 0.40. وإذا استمر هذا المعامل في الارتفاع، فسيصل إلى نطاق منذر بالخطر، ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي يضفي الصفة الشرعية على احتكار السلطة التي انتحلها الحزب الشيوعي الصيني. وربما أن علامات الاستفهام بشأن هدف الإنفاق العسكري الكبير تلغي الصورة القائمة للصين بأنها دولة لا تسعى إلى النفوذ من خلال القوة العسكرية – وهو انطباع خلقته قيادة الصين بعناية خلال عدة سنوات. وباختصار، يمكن تحقيق البناء العسكري، ولكن بثمن سياسي – على الصعيد المحلي وفي الخارج – وربما يفوق المنافع المحتملة. إن حق التفكير الاستراتيجي الحديث يتغلب على التهديدات العسكرية التقليدية بتركيز أكبر على التهديدات ذات العلاقة بالاستقرار الاجتماعي، وعدم الاستقرار السياسي، والأمن البشري، وإن قدرة أي دولة على ''الدفاع'' عن نفسها تعتمد على تناسقها الاجتماعي، ومن شأن تحويل الأموال المخصصة لخدمة هذا الغرض أن يعرض استقرارها، وشرعية النظام السياسي إلى الخطر، وبالتالي تقويض أمنها.
على الأرجح أن يكون انهيار الأسلوب الأمريكي للرأسمالية خلال العامين الماضيين قد كلف الولايات المتحدة الكثير فيما يتعلق بالقيادة العالمية، ولا يمكن للقوة العسكرية أن تعوض ذلك. ولم يفقد النموذج جاذبيته فقط، ولكن كذلك لم تعد الموارد المالية للمزيد من النفوذ الأمريكي متوفرة ببساطة. فالاستثمارات الأمريكية في الخارج، و/أو المساعدات المالية أكثر فاعلية بكثير من مجرد المجموعات الضاربة في الانتشار والحصول على النفوذ. وتقوم الصين فعلياً بهذا بالضبط من خلال الإسراف في الشراء، في إفريقيا على وجه الخصوص، وتصاحب رسالة تقول إنها ''مختلفة'' من حيث إنها لا تتدخل في المسائل المحلية، وتترك الأمر للدولة المضيفة لتدير شؤونها الخاصة.
على الصعيد المنطقي، فإن مثل تلك الاعتبارات يمكن أن تؤدي بالبلدين إلى الحد، أو حتى تقليل النفقات العسكرية. وبدءاً من الآن، فإن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة، والصين هي المتحدي الوحيد في الأجل المتوسط أو البعيد. وبإمكانهما التصرف كما فعلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال فترة الحرب الباردة، لعلمهما أن عدداً قليلاً من البلدان، إذا وجد، بإمكانه تهديدهما عسكرياً.
إن أية مبادرة للحد، يتبعها تخفيض في النفقات العسكرية بين الولايات المتحدة والصين من شأنها أن تنجح، على وجه الخصوص إذا اتبعتها قوى أخرى. وستعمل كذلك على إنقاذ الاقتصاد الأمريكي الذي يبحر في مياه مجهولة من مخاطر الانهيار تحت عبء الدين المرتفع.
تبقى الشكوك المتبادلة هي العائق الرئيس للتوصل إلى مثل ذلك الاتفاق. وتخشى الولايات المتحدة من أن الصين تخفي النفقات العسكرية تحت غطاء بنود أخرى في ميزانيتها. وربما تعتقد الصين أن الولايات المتحدة تمنع نهضتها. وعلى الأرجح أن يحطم الواقع القاسي مثل هذه العوائق. وإذا لم يفعل، فربما تنجر الولايات المتحدة دون وعي إلى المصيدة ذاتها التي نصبتها للاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي: نفقات التسلح كمرساة ثقيلة لتوجيه الاقتصاد السوفياتي باتجاه الصخور. وستحصل الصين على منافع قليلة من وجود الولايات المتحدة الضعيفة، الأمر الذي يجعل المشهد العالمي أكثر تعقيداً وخطورة مما هو عليه الآن.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinionasia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي