هل تعير الحكومة الهندية أي اهتمام لمستشاريها الاقتصاديين؟
لا يحب الاقتصاديون شيئا أكثر من تقديم النصيحة للحكومات. لكن لماذا يتصورون، هم من دون الجميع، أن هناك أحدا يستمع بالفعل؟ في نماذجهم، يفترض الاقتصاديون أن الحكومات، مثل غيرها من الجهات الفاعلة في الاقتصاد، لديها أهداف خاصة بها، تسعى إلى تحقيقها بأفضل ما يمكن. فهم لا يخدمون بنزاهة المصلحة العامة. لذا ستتجاهل الحكومات أي توصية من مستشاريها إلا إذا كانت ملائمة لها، وستنفذها في هذه الحالة على أية حال. في كتابه ''مقدمة في الاقتصاد السياسي''، الذي نشر عام 2000، تناول Kaushik Basu من جامعة كورنيل هذه المفارقة. ''إذا قام شخص ما، حين يرى ارتفاع معدل البطالة في اقتصاد معين، بنصح رجال الأعمال بتوظيف مزيد من العمالة، أو نصح المستهلكين بالمطالبة بمزيد من السلع، سيثير هذا الضحك بين الاقتصاديين''.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
لا يحب الاقتصاديون شيئا أكثر من تقديم النصيحة للحكومات. لكن لماذا يتصورون، هم من دون الجميع، أن هناك أحدا يستمع بالفعل؟ في نماذجهم، يفترض الاقتصاديون أن الحكومات، مثل غيرها من الجهات الفاعلة في الاقتصاد، لديها أهداف خاصة بها، تسعى إلى تحقيقها بأفضل ما يمكن. فهم لا يخدمون بنزاهة المصلحة العامة. لذا ستتجاهل الحكومات أي توصية من مستشاريها إلا إذا كانت ملائمة لها، وستنفذها في هذه الحالة على أية حال.
في كتابه ''مقدمة في الاقتصاد السياسي''، الذي نشر عام 2000، تناول Kaushik Basu من جامعة كورنيل هذه المفارقة. ''إذا قام شخص ما، حين يرى ارتفاع معدل البطالة في اقتصاد معين، بنصح رجال الأعمال بتوظيف مزيد من العمالة، أو نصح المستهلكين بالمطالبة بمزيد من السلع، سيثير هذا الضحك بين الاقتصاديين''. ومع ذلك، ينصح الاقتصاديون دائما الحكومات بالتصرف بما يصب في مصلحة الاقتصاد بدلا من مصالحها. ويعيش Basu الآن في اللغز الذي وضع نظريته حوله. ففي كانون الأول (ديسمبر)، أصبح كبير المستشارين الاقتصاديين لوزارة المالية الهندية، حيث يحتل مكتبا وسط الأروقة والقباب المصنوعة من الحجر الرملي في مباني الأمانة العامة للسير Herbert Baker في دلهي. وفي 25 شباط (فبراير)، نشر الدراسة الاقتصادية السنوية للوزارة، قبل يوم من قيام الوزير، Pranab Mukherjee، بتقديم الميزانية. ما النصيحة التي قدمها Basu؟ وهل لاقت آذانا صاغية من رئيسه في الأعلى؟
مثال نموذجي
تشيد الدراسة بقدرة الهند على النجاة من كل من الأزمة المالية والرياح الموسمية المخيبة للآمال. ويتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 7.2 في المائة في العام المالي المنتهي في 31 آذار (مارس)، ومن المفترض أن يعود إلى النمو بنسبة 9 في المائة تقريبا على المدى المتوسط، وفقا للدراسة. إلا أن هذه الحكومة لن تقبل بنسبة النمو القديمة. فهي ملتزمة بتحقيق ''نمو شامل''. كثيرا ما يتم ذكر هذه العبارة، لكن نادرا ما يتم تحديدها بدقة. ويقدم Basu في الدراسة ''تلخيصا إحصائيا'' لما يتطلبه فعليا النمو الشامل.
وهو يقترح أن على الدولة أن تقيس تقدمها بحسب نمو الدخل الفردي لأدنى 20 في المائة من السكان. ويعطي هذا المعيار البسيط الاهتمام الواجب لكل من الفقراء والنمو. ويستشهد Basu ببعض الأرقام التي حسبها S. Subramanian من معهد Madras لدراسات التنمية. فهي تظهر فقراء الهند وهم يحاولون، وفقا لوصف Subramanian، ''التسلق بتثاقل من الحرمان الكبير في الدخل''.
ويشير Basu إلى أنه كي يكون النمو شاملا، لا يكفي أن يرتفع دخل أدنى 20 في المائة بالنسبة المئوية نفسها بحيث يبلغ المتوسط. وبدلا من ذلك، يجب أن يحصلوا على حصة مطلقة متساوية من الدخل الذي يضيفه الاقتصاد. فإذا نما الاقتصاد بمقدار 100 مليار دولار سنويا، يجب أن يحصل أفقر خمس السكان على 20 مليار دولار. وهذا معيار مرتفع جدا. ولا شك أنه من غير الحكمة أن تلتزم الحكومة بمثل هذا المعيار المتطلب. لكن كما يشير Basu في كتابه، فإن أهداف المستشار ليست دائما هي أهداف الحكومة نفسها.
ولمساعدة الفقراء على التسلق بصورة أسرع من الحرمان، ستنفق الحكومة نحو 1.9 تريليون روبية (41 مليار دولار) هذا العام على الخدمات الاجتماعية والتنمية الريفية - بما في ذلك التعليم والصحة ومخطط رعاية العمل لفقراء الريف - بحلول نهاية هذا العام المالي. ويقول إن الأسعار المرتفعة للأغذية التي يشتريها الفقراء تظهر أن بعض هذا المال وصل إلى الفقراء. وفي الواقع، فإن التضخم هو الآن أكبر مشكلة سياسية تعانيها الحكومة.
والأمر المحير هو: لماذا لم تلغ الحكومة أسعار المواد الغذائية عن طريق إطلاق مزيد من الحبوب من مخزوناتها الفائضة؟ ففي النهاية، ليس هناك جدوى من امتلاك مخزون احتياطي إذا لم يتم استخدامه أبدا. ويشير Basu: ''إذا كان هناك حد أدنى معين من الحبوب نلتزم بالاحتفاظ به في جميع الأوقات، فالأمر أشبه بعدم امتلاكه''. وحين أطلقت الحكومة الحبوب، أخطأت أيضا حين تبرعت بها بدفعات ضخمة لعدد قليل من المزودين، الذين يمكنهم حينها السيطرة على السوق فيما بينهم. وفي كانون الثاني (يناير)، باعت الحكومة دفعات صغيرة من الحبوب إلى عدد كبير من التجار، وكان لهذا تأثير أكبر بكثير في الأسعار. وفي هذه الحالة، تبين أن المنطق الاقتصادي وسيلة أكثر فاعلية لتحقيق هدف الحكومة.
وهناك طريقة أخرى كي تساعد الحكومة الفقراء، وهي دعم أسعار الحبوب والوقود، وبيعها بأسعار مسيطر عليها من خلال ''محال التموين'' للفقراء. وكتب Basu أن بعض المقترحات تبدو واضحة عند التفكير فيها قليلا، لكنها غير واضحة على الإطلاق عند إمعان التفكير فيها. وأحدها هو ضوابط الأسعار, فللوهلة الأولى، يبدو واضحا أنه يمكن حماية الفقراء من تقلبات السوق عن طريق تنظيم أسعار المواد الأساسية، مثل الغذاء والوقود والأسمدة. إلا أن المستشار الاقتصادي الجيد أدرى بخفايا الأمور. ويشير Basu إلى أن أصحاب محال التموين يحولون جزءا كبيرا من الحبوب المدعومة إلى السوق المفتوحة، ويغشون الحبوب المتبقية بإضافة الحصى. وقد اكتشفت Reetika Khera من مركز تنمية الاقتصاد في دلهي أنه في بعض الولايات، حين ترتفع أسعار السوق يحصل الفقراء على حبوب مدعومة أقل، لأنه تم تحويل كثير من الحبوب. ويقول Basu إنه من الأفضل إعطاء المال للفقراء مباشرة، من خلال قسائم الطعام أو الأسمدة أو الوقود، التي يمكنهم أن ينفقوها في أي مكان يشاءون.
هل أبدى رئيسه أي اهتمام بأي من نصائحه؟ قررت الحكومة أخيرا رفع سعر اليوريا، وهو نوع من الأسمدة. وزاد Mukherjee أيضا رسوم الاستيراد وضرائب الإنتاج على الوقود. وسيساعده هذا على تخفيض العجز المالي للحكومة المركزية إلى 5.5 في المائة في العام المالي المقبل، بعد أن بلغ 6.7 في المائة هذا العام. ودفع هذا أيضا المعارضة وبعض حلفاء التحالف الحاكم إلى الانسحاب أثناء إلقاء خطابه. وبفضل هذه التدابير، ستكون أسعار الوقود أعلى - لكن ليس أكثر تحررا. وقبل وقت قصير من الميزانية، حثت لجنة خبيرة برئاسة اقتصادي آخر Mukherjee على تحرير أسعار البنزين والديزل. وفي ميزانيته، ترك Mukherjee هذا القرار لزملائه الوزراء في وزارة النفط. وقد لا يكون المستشارون الاقتصاديون للحكومة، سواء في وزارة المالية أو خارجها، راضين عن هذه الخطوة, لكن على الأقل، لن يكون أحدهم مندهشا منها