الدمام: المدينة الحالمة على ضفاف الخليج .. ما الذي ينغص أحلامها؟!

كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
لا أدري ما الذي يجعلني أتذكر هذا البيت من الشعر في كل مرة أزور فيها مدينة الدمام، كبرى مدن المنطقة الشرقية وعاصمتها، بيد أنني أزعم أن ثمة سببا يجعل هذا البيت يحضر على لسان غيري، وبخاصة من القاطنين فيها عندما يقاسون ما تعانيه المدينة من قصور في الخدمات المتصلة بحركة التنقل والإقامة والعيش، سواء داخل المدينة، أو بينها وبين المدن المجاورة؟
وكتابتي عنها تأتي انطلاقاً من الواجب العام تجاه أي مدينة في الوطن، فضلاً عن الإحساس بأنني مدين لها بقضاء شطر من سنوات عمري الأولى في ربوعها، والتمتع بهوائها العليل، وفضائها الجميل، عندما كنا نذرعها طولاً وعرضا على الأقدام، قبل أن تختنق بزحام البشر، وضجيج السيارات والحفر، وقصور الخدمات!..
مشكلة المدينة أنها تنام على أفواه آبار النفط، وهذا خلق لها أهمية وشهرة جعلها تستقطب أمواجاً من المد البشري اللاهث وراء فرص العمل والتجارة، بحيث تضاعف حجمها، وعدد سكانها عشرات المرات، خلال العقود الخمسة الماضية، دون أن يصاحب ذلك بنفس النسبة، تضاعف في حجم الخدمات المطلوبة، من تخطيط وطرق وشوارع وجسور وأنفاق، وخدمات أخرى، مثل المياه والصرف الصحي، والخدمات البلدية، وشيئاً فشيئاً تسلل الاختناق إلى كثير من المرافق، دون أن يلفت ذلك نظر المسؤولين ويدفعهم إلى مواجهة الاختناقات بالحلول المفترضة، ناهيك عن التخطيط لمقابلة توسع المدينة مستقبلاً!..
خذوا مثلا، الطريق الرئيسي في المدينة، وهو طريق الملك فهد (ابن خلدون سابقاً) الذي يوزع الحركة بين أجزاء المدينة، ومنها إلى مدينة الخبر، ثم إلى الطرق السريعة المتجهة إلى الرياض وغيرها، إنه لم يكن مؤهلاً لتحمل الحركة التي تجتاحه من كل جهة، بسبب ضيقه، وازدحامه بالحركة المرورية والتجارية، وكثرة التقاطعات والإشارات الضوئية، وحتى عندما فكرت الأمانة في تنفيذ بعض الأنفاق فيه، جاء تفكيرها متأخراً، وبدت هذه الأنفاق وكأنها مصايد من ضيقها وسوء تنفيذها، ثم تكاثَرَها الزمن على أهل المدينة، بأن أصبحت تشكل أخطاراً على سالكيها، وتعطلت بسبب سوء النية في التنفيذ، إلى أن أصبح السكان يوعدون بفتح نفق أغلق بسبب آفة يقال لها الفساد، وكأنهم يوعدون بتحقيق أقصى أحلامهم!..
لقد ظلت هذه المدينة محرومة من الأنفاق والجسور رغم ظهور الحاجة إليها في وقت مبكر، وكان يسهل على الزائر للمدينة بين فترة وأخرى، أن يلحظ هذا الحرمان عند المقارنة بالمدن الأخرى؟!.. في حين غاب ذلك عن رؤية المسؤولين، رغم اطلاعهم عليه في المدن الأخرى في المملكة!
ولو أخذنا حالة شبكة الطرق السريعة المجاورة للمدينة من الجنوب والغرب والشرق، لوجدناها تشكو من سوء الوضع، وكثرة الترقيعات، والتحويلات، وعدم وضوح اللوحات والاتجاهات، وسوء بعض المداخل والمخارج، وإهمال خطوط الخدمة، التي تحولت بسببها إلى متاهات، ولم يسبق لي أن سلكتها مرة دون أن أواجه إصلاحات وتحويلات غير آمنة، ويسهل تمييز هذه العيوب على كل من أتيحت له الفرصة ليرى حالة الطرق في الدول الأخرى، وأقربها بعض الدول الخليجية، لكن مع افتراض أنه ما من طريق إلا ويحتاج إلى الصيانة بين فترة وأخرى، غير أنه لا يفترض أن تكون هذه الصيانة حالة ملازمة للطريق، بل الحالة الملازمة أن يكون سالكاً آمناً، خالياً من العوائق، وهو الوضع الطبيعي!.. وخذوا حالة المرور كمثل على الاختناق الذي تعيشه المدينة، فبعد أن كانت المدينة مضرب المثل في آداب المرور، والتزام النظام، قبل ثلاثة عقود، وكان الزائر لها تأخذه الدهشة، ويلتزم النظام بمجرد دخولها، أصبحت لا تأمن على نفسك ومن معك من المعارك التي تواجهها حتى تخرج منها!..، وتغتالك الحسرة لو عبرت جسر الملك فهد إلى مدينة المنامة، ورأيت كيف يلتزم ساكنو الدمام (ذاتهم) آداب المرور، وسلوكياته منذ عبور الجسر!..، ولا يحتاج الأمر إلى تعليل، فغياب النظام هنا، وحضوره بقوة هناك، هو أكبر دليل!..
لقد أصبحتُ أفضل الإقامة في مدينة الخبر في كل مرة أزور فيها المنطقة، رغم حبي لمدينة الدمام، هروباً من حالة المرور المزرية، والشوارع المغلقة، وتحويلاتها الضيقة الملتوية!..
لقد وصل الحال بتردي الخدمات في المدينة أن بعض الأحياء فيها تعيش على الماء المالح، (صحيفة الحياة 16/3/1431هـ) منذ 20 عاماً، والماء المالح هو الماء المستخرج من الطبقة السطحية المالحة، الذي لم يمر بأي مرحلة من مراحل التنقية، وهو غير صالح للشرب، أو للاستعمال المنزلي، ولا يعمل معه الصابون، ولا المواد المنظفة الأخرى، وهو متلف للشعر (شعر الرأس) والبشرة، ومع ذلك يعيش عليه سكان المدينة إلى الآن، لقد تذكرت هذا الماء عندما كنا نعيش عليه قبل 50 سنة في أحد أحياء المدينة، مرغمين، عندما لم تكن هناك إمكانات أو ميزانيات، لكنني مندهش من استمرار الوضع وتكرره في هذا الزمن!.. الذي تشرب فيه سائر المدن من مياه الخليج المحلاة، وتظل أكبر مدينة على ضفافه محرومة منها!..

الخلاصة:
إن مدينة الدمام لا تستحق هذا الإهمال، فهي ينبوع الخير والعطاء، وهي أحرى بالاهتمام والاعتناء، بصفتها عاصمة المنطقة التي تتربع على أغلى ثروة، ومن المؤكد أن الدولة لم تقصر في توفير ما يطلب من ميزانيات، لها مبررات وأهداف واضحة.
وإذا كان ثمة تقصير فقد يكون مرده قصورا في الرؤية والتخطيط، والاتصال والمطالبة، والتنفيذ بأمانة، من قبل بعض المسؤولين، والوضع كما يراه الكثيرون يحتاج إلى وقفة، وتأمل ومراجعة، ناهيك عن محاسبة وتقص لأسباب القصور والإهمال، حتى يتبين الخلل، ومكامن الزلل، فليس بعد كلمات خادم الحرمين الشريفين حول الفساد، والمشاريع المهملة والغائبة، من عذر عن التقصي والمحاسبة.
والله من وراء القصد
كاتب في الشأن العام

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي