المليك المفدى.. يتحدث إلى الأمة من تحت قبة الشورى
يعتبر اليوم - عند كل السعوديين - هو يوم الشورى، لأنه اليوم الذي يتشرف فيه مجلس الشورى باستقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يلقي من تحت قبة المجلس خطابه التاريخي والتوجيهي أمام ممثلي الأمة وقياداتها على مختلف مستوياتهم ومسؤولياتهم.
إن خطاب خادم الحرمين الشريفين يتضمن في العادة شرحاً للسياسة الداخلية والخارجية، كما يتضمن شرحاً وافياً للمستجدات في الساحتين المحلية والخارجية، كذلك يتضمن الخطاب الملكي في العادة التوجيه بضرورة تفعيل دور مجلس الشورى في الشارع السعودي حتى يتفاعل جميع المواطنين ـ بمختلف شرائحهم ومستوياتهم ـ مع مشاريع المجلس.
ويتوقع أن يشرح الملك للمجلس أهم أسس السياسة الخارجية والمواقف الثابتة للمملكة إزاء أهم القضايا وبالذات القضايا العربية الساخنة وفي مقدمتها قضية فلسطين والمساعي التي تبذلها المملكة من أجل إحياء مباحثات السلام على أساس الشرعية العربية والدولية، كما يتوقع أن يتناول الخطاب الملكي أهم القضايا المحلية وبالذات ما يختص بالأمن على حدود المملكة مع اليمن الشقيق، وما يختص بأهمية نشر العلوم والتكنولوجيا بين ربوع المجتمع، لأن نشر التكنولوجيا في المجتمع هو أداة التطور في العصر الحديث.
ولقد عرف عن الملك عبد الله في السنوات الأربع التي تربع فيها على عرش هذه البلاد اهتمامه الشديد بالتعليم التقني والفني. ومن حسن الطالع أن التقدم في مجالات التعليم التقني والإلكتروني بين شرائح الشباب بدأ يتمحور في آفاق الجامعات السعودية، وعندما تصل مخرجات التعليم في الجامعات السعودية إلى مستوى ما يسمى بالقوة الناعمة التي تقوم على بناء النظريات وتصميم النماذج والقوانين المؤدية إلى التغيير باتجاه الكبار، سوف تتحول القوة الناعمة من ثقافة مجتمع الاستهلاك إلى ثقافة مجتمع الإنتاج.
وبصورة عامة نستطيع القول إن جيل الشباب اليوم يعبر عن نفسه بالصوت والصورة عبر استخدامات واسعة للإنترنت وتقدم ذكي في مجالات النانو المختلفة، وأصبح قادراً على امتلاك الوسائل السمعية والبصرية التي تجعله قادراً على استخدامات الإنترنت فائقة السرعة. ولم يصل الشباب السعودي إلى هذا المستوى إلاّ حينما وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله التكنولوجيا بين يديه. وإذا استعرضنا كل دول العالم المتقدم كاليابان وأمريكا وبريطانيا وألمانيا .. نجد أن القوة الناعمة هي التي صنعت التقدم وهي التي حققت النقلة من العالم المتخلف إلى العالم المتقدم.
ونستطيع القول إن المملكة العربية السعودية تتجه اليوم لخيار اقتصاد المعرفة، لأنه الحل الحتمي للخروج من تعليم الصيغ المعلبة إلى مجالات التعليم الرقمي الواسع الأرجاء، وتدفع حكومة خادم الحرمين الشريفين المجتمع السعودي إلى هذا الاتجاه، ويقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصيا خلف هذا المشروع الذي أسس من أجله مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز الاقتصادية في ثول ثم أسس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لتكون أكبر جامعة في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط.
إن مدينة الملك عبد الله الاقتصادية هي القاعدة التي سوف ينطلق منها اقتصاد المعرفة ليقود عمليات البناء في كل مجالات الحياة السعودية، كما إن جامعة الملك عبد الله سوف تكون منارة تشع على كل الجامعات السعودية وتأخذ بيدها لتعميم التطور الرقمي في جميع مجالات العلوم والتقنية، ووسط هذه الإنجازات على طريق اقتصاد المعرفة ترتفع أعمدة مكتبة جامعة الملك عبد الله بشراكة أعلى مؤسستين ثقافيتين في العالم وهما اليونسكو والكونجرس.
أمّا مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية فقد استلهمت من سياسة المليك المفدى مجموعة مشاريعها التكنولوجية العملاقة، حيث كشفت النقاب أخيراً عن مشروع سعودي عملاق بتعاون ألماني يستهدف تصنيع طائرة هيلوكوبتر للاستخدامات المدنية ويبدأ إنتاجها في غضون ثلاث سنوات من خلال تقنيات النانو، وذهبت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية إلى أبعد من ذلك حيث وقعت مجموعة من الاتفاقيات مع مؤسسات علمية وشركات ألمانية يتم بموجبها تحقيق التعاون التقني والتصنيع المشترك للمروحيات والسيارات والمركبات الدقيقة والحساسة التي تعمل عبر الحاسبات الآلية.
وفى هذا الاتجاه شهدت الساحة الرقمية في المملكة في العام الحالي عدداً من المؤتمرات التي تعزز من ثقافة المجتمع الرقمي، فنظم معهد الملك عبد الله لتقنية النانو، وهو أحد المشاريع العصرية التي خرجت من الفكر الجديد في جامعة الملك سعود، مؤتمراً بعنوان المؤتمر العالمي لصناعات تقنية النانو، وباختصار شديد فإن مصطلح النانو هو مصطلح قياسي قدره واحد على المليار من المتر، ينطلق من أن المواد لها خواص متفوقة على ذاتها كلما صغر حجم تصنيعها، وبالتالي يمكن الحصول منها على خواص خارقة كلما تناهى صغرها، ولذلك فإن النانو يهدف إلى التعامل مع المادة في أدق مقاييسها مما يفتح آفاقاً كثيفة وجديدة أمام التصنيع الناني الذي ستكون له الكلمة العليا في عصر العولمة.
ولذلك نتوقع أن يحظى الاقتصاد السعودي والتنمية المستدامة بأهمية بالغة في خطاب المليك المفدى، لأن المواطن عند المليك يأتي في قمة اهتمامه الشخصي.
إن خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مجلس الشورى اليوم يجب أن يكون برنامج عمل طوال فترة السنة الأولى من الدورة الخامسة لمجلس الشورى الموقر.