مؤسسة النقد وثقافة الفكة لحماية المستهلك
كم نحن في حاجة إلى ثقافة الفكة من العملة المعدنية وغيرها من التغيرات في حياتنا العملية لتعليم أولادنا قيمة النعمة التي أصبحت لا تقدر عند البعض. وأتذكر ونحن صغار، كان كل شيء له قيمة لدينا حتى المسمار الأعوج كنا نحتفظ به عسى أن نستخدمه في يوم ما. لا شيء يرمى في الزبالة, الخضار بما فيها قشر البطيخ يقطع ونغذي به الماشية التي تغذينا بالحليب الطازج, وكذلك بقايا الخبز يجفف ثم يقدم للماشية. وفي المغرب العربي, تكريما للنعمة, يجمع كل شخص قطع الخبز من المائدة وتحفظ ثم تعطى لأشخاص ينادون عليها في الحواري ''يا من عنده خبيز كارم الله يرحم والديه'' لتجميعها وتغذيتها للماشية. فكم قرصا أو أرزا يرمى في الزبالة لدينا اليوم؟ ألسنا في حاجة في منازلنا ومدارسنا وأسلوب حياتنا إلى أن نتعلم من جديد معنى التوفير والتدبير ونبتعد عن التبذير ولا نصرف ما في الجيب ليأتينا ما في الغيب؟ وقد لا يأتي في يوم ما. هل نتبع مبدأ عدم شراء أي شيء لا نحتاج إليه حاجة فعلية؟ هل نحتاج إلى ساعة جديدة لأي فرد في العائلة ولديه عدة ساعات, أو أحذية أو جوالات فقط لأن موديلا جديدا في السوق؟ ولو فحصنا منازلنا لوجدنا عشرات الأشياء المخزونة التي لم نستخدمها لسنوات, ولو أخرجناها وقدمناها للغير لكان أفضل لهم وحسنة لنا. كيف نعلم أولادنا أن يجمعوا ملابسهم القديمة وألعابهم التي لا يحتاجون إليها سنويا ونأخذهم إلى جمعية خيرية لتوزيعها إلى محتاج, نعم نحن في حاجة إلى هذه الثقافة وألا نكون مسرفين في الإنفاق ومبذرين مقارنة بغيرنا من الشعوب, كما تشهد على ذلك موائدنا العامرة وسياراتنا الفاخرة وزبالتنا المخجلة ناهيك عن عدم الترشيد والاقتصاد المنزلي في استهلاكنا للماء والكهرباء والبنزين.
نحن أولى بمراجعة طريقة معيشتنا وثقافتنا إذا أردنا أن نخدم الجهات التي تساعدنا على حماية المستهلك, وإنه من المؤسف أن بعضنا اقتنع بأنه لا حاجة أو لا قيمة للريـال أو الفكة, وهذه فعلا مشكلة يجب التغلب عليها من الجهات الحكومية ومن المستهلكين. في أمريكا الدولار مقسم إلى عملة معدنية من النصف والربع والعشرة سنتات والخمسة والسنت الواحد, الذي تنقص قيمته قليلا عن الأربع هللات سعودية. وفي أوروبا ينقسم اليورو إلى عملة معدنية من 50 و20 والعشرة والخمسة والاثنين والواحد سنتيم الذي يعادل خمس هللات ونصفا تقريبا, ومع ذلك المستهلكون في هذه الدول المتقدمة لم يستغنوا عن السنت أو السنتم, فلماذا نستغني نحن عن النصف ريال والربع ريال؟ لذلك أقترح على مؤسسة النقد, وإن كانت ستجد مواجهة مع بعض المتعاملين مع المستهلك لأن عدم التعامل مع الفكة في مصلحتهم, أن تعيد النظر في العملة المعدنية وتحول الخمسة ريالات الورقية إلى قطعة معدنية فهي تساوي يورو تقريبا, وكذلك الريال الورقي ثم تصدر نقودا معدنية تختارها تجزئة للريـال كما في أوروبا وأمريكا, أم نحن أغنى من أن نتعامل مع الفكة, إنها في مصلحة الوطن وحماية للمستهلك. إن رفع قيمة عبوة المشروبات الغازية الأخيرة من ريال إلى ريال ونصف لعدم وجود الفكة مثل جيد لفائدة الفكة, ومع أن الكل كتب واعترض والجهات المسؤولة قامت بتحرياتها لكن لم نسمع عن النتيجة بل حصلت الشركات على مرادها.
هل يعقل أن يرتفع السعر 50 في المائة دفعة واحدة لعدم وجود فكة! نعم نحن لسنا ضد ارتفاع السعر للعبوة لأنه ظل ثابتا سنين عديدة, لكن هل شركات المشروبات الغازية كانت خاسرة أم وصلت لتبيع بالتكلفة مثلا؟ وهل الزيادة في المواد والعمالة والنقل وغيرها وصلت إلى مرحلة مع الربح المعقول إلى 50 في المائة؟ هل أسعار المواد الخام معقولة مقارنة بالأسعار العالمية أم أن هناك عمولات أو شركات وسيطة تأخذ نسبتها لترتفع التكلفة وتظهر خسارة في الميزانيات المحلية للشركات؟ هل حسابات التكلفة سليمة؟ وهل تحمل بعض هذه الشركات تكاليف أخرى ليس لها علاقة بالسلعة؟ هل يتعامل المنتجون مع شركات خدمات من المجموعة نفسها تقدم أسعاراً أعلى من مثيلاتها في السوق؟ هل يصرف أكثر من اللازم على الدعاية والإعلان؟ هذه بعض الأسئلة لوزارة التجارة والصناعة أو لمجلس حماية المنافسة, وهذه الأسئلة لا تعني أن أي شيء منها قائم أو نرجو ألا يكون مثله في أي من الشركات. فعدم وجود فكة مشكلة للمصانع ولا يمكنهم أن يزيدوا السعر مثلا خمس أو عشر هللات لأن الموزع النهائي سيرفعها إلى الريـال والنصف والريالين ويأخذ الفرق, أي لن يستفيد المستهلك, لذلك وجود الفكة من المؤسسة وإعادة نشرها ضروري لحماية المستهلك. وأسأل المسؤولين, الذين كما أعتقد, اقتنعوا بالأسعار الجديدة ولا أجزم بذلك, لماذا لم تنقص هذه المصانع عبواتها من 300 إلى 250 ملليلتر, كما كانت سابقا, وأبقت السعر عند ريـال واحد وهذه العبوات موجودة في دول مجاورة. إن العبوة الحالية يرمى كثير منها, لذلك الرجوع إلى الحجم الأقل مطلب لحماية المستهلك.
ولقد أحسنت شركات المنظفات صنعا بتركيز المادة الفعالة وتخفيض حجم العبوة بنسبة 25 في المائة للحفاظ على البيئة, لكن نسأل وزارة التجارة والصناعة ومجلس المنافسة هل زادت هذه الشركات أرباحها أم كان الفرق بين التوفير في المواد والعبوات والكراتين والنقل والتخزين مساويا لزيادة التكلفة للمادة الفعالة وتكاليف تعديل خطوط الإنتاج, إن وجدت؟ وهل ستزيد مبيعات هذه الشركات كمّاً؟ أي هل سيستخدم المستهلك كالعادة كميات أكثر من الحاجة مع إعلانات الشركات بتخفيض الكمية لتركيز المادة الفعالة؟ وهل نسبة الزيادة في المبيعات ستكون 20 إلى 15 في المائة لسوء الاستخدام؟ وهل سُجلت أسعار المواد الفعالة اليوم حتى تكون دليلا في المستقبل للوزارة أو مجلس حماية المنافسة للمقارنة عند رغبة هذه الشركات في زيادة الأسعار مرة أخرى لارتفاع الأسعار العالمية حتى لا يلدغ المستهلك مرتين؟
من يحمي المستهلك الذي يشتري وحدة سكنية شقة أو فيلا على الخريطة في المشاريع العقارية؟ إن معظم بنود العقد في مصلحة المطور ولضمان حقوقه بالتفصيل وبقوة القانون, وقليل منها في مصلحة المشتري البسيط ولا أحد يعترض على ضمان البائع حقه في الحصول على ماله من دفعات التقسيط كاملة، وأتساءل: لماذا لا تكون هناك شروط إلزامية لعقود بيع الوحدات العقارية تحمي حق البائع والمستهلك معا؟ نرى مثلا من الملاك من يضع شرطا جزائيا في حالة تأخر المشتري عن تسديد قسطين متتاليين أن يبيع الوحدة وحسم 7 في المائة من قيمة العقد الكلي كمصروفات إدارية, بينما إذا تأخر المطور عن تسليم الوحدة يحسم المشتري من قيمة القسط الشهري فقط 10 في المائة للأشهر الستة الأولى و15 في المائة لنصف السنة التالية مثلا, أي لو كانت قيمة الوحدة بمليون ريـال, يحسم البائع 70 ألف ريـال للتأخير عن قسطين ويلغى العقد ويبيع الوحدة، بينما يحسم المشتري من القسط الشهري مبلغ لا يزيد على 1,500 ريـال شهريا, فمن يحمي المستهلك الذي لا خيار له إلا قبول عقد الإذعان؟ وإذا نظرنا إلى المواصفات المقدمة من بعض المقاولين, تجده يحدد المواد بأسماء عامة مثل الحمامات والأرضية سيراميك وقيشاني والمدخل رخام والمواسير بي في سي دون أي تحديد لنوعية السيراميك وحجمه ومصدره أو حتى تحديد قيمته, أي بين كذا وكذا ريـال لأن أسعار أي مادة تختلف حسب جودتها وشهرتها ومصدرها. وكذلك المواسير البلاستيكية هل هي قوة 40 أم 80؟ وهل هي صالحة للماء الحار أم لا؟ أي لا توجد مواصفات تحدد جميع مواد البناء في العقد أو يشار إليها، ولهذا يستغل المطور المشترين بوضع أقل المواد أسعاراً إن لم يكن أيضا أقلها جودة, وعلى المشتري أن يطلب مواد أفضل ويُحمل فرق السعر. إن مجالات الغش وسرقة المستهلك القائمة عديدة لكن بالأنظمة والمواصفات والصيغ الرسمية الموحدة للعقود نستطيع أن نحمي المستهلك ولو تدريجيا ونحافظ له على الفكة. يجب الالتزام بالمواصفات السعودية وذكرها في العقود وتطبيقها, وعلى الدولة أن تجعلها إلزامية على الجميع, أما في وضعها الاختياري فكأنك يا أبو زيد ما غزيت.
نريد رأي معالي المحافظ عن قرار سك عملات معدنية جديدة ونرجو أن يكون مفرحا ومختلفا عن آراء المؤسسة في الارتباط بالدولار وعدم الحاجة إلى بنوك جديدة, ونجد حياة لمن ننادي.