قطاع الكهرباء في السعودية يعيش أزمة

يعاني قطاع الكهرباء في السعودية، عديدا من المعوقات التشغيلية، التي تحد من قدرته على التوسع في مشاريع توليد الطاقة الكهربائية، بالشكل الذي يلبي حاجة النمو المتزايد على الكهرباء في مدن ومناطق المملكة المختلفة.
من بين أبرز المعوقات، التي يعانيها قطاع الكهرباء في السعودية، التعريفة الحالية، التي لا تعكس حقيقة تكلفة تقديم الخدمة، إذ تشير المعلومات إلى أن متوسط سعر بيع الشركة السعودية للكهرباء لوحدة الطاقة (ك.و.س) في عام 2009، تقل عن متوسط تكلفة الإنتاج لفئات المشتركين، حيث تشير المعلومات، إلى أن هناك عدداً من فئات المشتركين، تباع لهم الكهرباء بأسعار أقل بكثير من التكلفة، التي من بينها على سبيل المثال القطاع السكني، حيث بلغ متوسط سعر بيع وحدة الطاقة للقطاع السكني في عام 2009، 7.93 هللة، فيما بلغ متوسط التكلفة 11.89 هللة، كما أن هناك عدداً من فئات المشتركين تباع لهم الكهرباء بأسعار تعادل تقريباً متوسط سعر التكلفة مثل القطاع الصناعي، الذي يباع له متوسط الـ (ك.و.س) بسعر 12 هللة، وما يضاعف من مشكلة التعريفة أن نسبة 70 في المائة من إجمالي عدد المشتركين، تبلغ قيمة فاتورتهم الشهرية في المتوسط أقل من 100 ريال، في حين تتجاوز قيمة الفاتورة الشهرية لنحو 9 في المائة فقط من إجمالي عدد المشتركين مبلغ 300 ريال.
القصور في أداء قطاع الكهرباء في السعودية، انعكس بشكل واضح وملموس على قدرة الكفاءة التشغيلية للشركة السعودية للكهرباء، المرتبطة بمقابلة الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في المملكة، وبالذات أنها هي الأخرى تعاني عديدا من المعوقات التشغيلية، التي لعل من بين أبرزها وأهمها، تدني نسبة الاحتياطي الذي عادة ما يتم استخدامه في أوقات الذروة لتوليد الكهرباء، حيث تبلغ نسبة الاحتياطي ما بين 1 و2 في المائة، في حين تعد النسبة المقبولة عالمياً ما بين 15 و20 في المائة كحد أدنى، مما يعرض خدمة الكهرباء في المملكة إلى الانقطاع المتكرر بالذات في حالة حدوث عطل في بعض وحدات التوليد في وقت الذروة.
من بين المعوقات التشغيلية أيضاً، التي تعانيها الشركة السعودية للكهرباء، عدم اكتمال خطة الربط الاستراتيجي بين مراكز الإنتاج ومراكز الأحمال لنقل وتبادل الطاقة بين مختلف مناطق المملكة، التي يجري العمل على تنفيذها حالياً، وكذلك عدم اكتمال شبكات نقل الطاقة الرئيسة على الجهود (من 110 إلى 380) ك.ف. وتحميلها بسعتها القصوى، جميع هذه المعوقات، تنعكس سلباً على قدرة الشركة في مواجهة الاحتياجات المتنامية في الطلب على الكهرباء، بأسلوب اقتصادي كفء، يحقق للشركة الكفاءة التشغيلية المنشودة، ويؤمن في الوقت نفسه لفئات المستهلكين المختلفة الحصول على خدمة الكهرباء بالمستوى المطلوب من الجودة.
أحد التحديات الرئيسة، التي تواجه الشركة أيضاً، صعوبة تأمين السيولة أو ما يعرف بالتدفقات النقدية، اللازمة لتمويل الاحتياجات الاستثمارية المستقبلية، لا سيما في ظل التنامي المطرد في الطلب على الطاقة الكهربائية في المملكة، الذي يقدر بنحو 8 في المائة سنوياً، نتيجة للنمو المطرد في عدد السكان، والذي يتطلب من الشركة حجم استثمارات رأسمالية خلال السنوات المقبلة لغاية عام 2018 أكثر من 330 مليار ريال في مجالات التوليد، والنقل، والتوزيع، وهذه المتطلبات الرأسمالية ليست هي في الواقع المشكلة، حيث إن المشكلة الحقيقة والرئيسة، تكمن في كون الشركة، قد استنفدت تقريباً جميع وسائل التمويل المتاحة لديها، المتمثلة في القروض التجارية، التي منحت لها من قبل من البنوك التجارية، والتي بلغت في وقت سابق 22 مليار ريال (سدد منها حتى الآن 13 ملياراً)، هذا إضافة إلى التمويل الذي حصلت عليه من القطاع الخاص، بما في ذلك إصدار صكوك إسلامية بقيمة 12 ملياراً، كما أن ارتفاع تكاليف التمويل وارتفاع التكاليف الرأسمالية، يشكلان معضلتين رئيسيتين أخريين بالنسبة للشركة، واللتان تفرضان الحاجة إلى الموازنة بين مصادر التمويل الذاتية ومصادر التمويل الخارجية.
الخروج من مأزق عدم قدرة الشركة السعودية للكهرباء على مواجهة الطلب المتنامي للطاقة الكهربائية في المملكة، وبالذات في ظل معوقات التشغيل المذكورة، يتطلب من الشركة تعزيز قدرات الشبكات الحالية، واستكمال الربط بين مواقع الإنتاج ومراكز الاستهلاك، هذا إضافة إلى تحديث أو استبدال عدد من المحطات ووحدات التوليد المتقادمة (التي انتهى عمرها الافتراضي)، والتي تشكل نحو 25 في المائة من إجمالي عدد محطات ووحدات التوليد المتوافرة لدى الشركة، وكذلك إعادة هيكلة وتحديث بعض أساليب العمل فيها، مثال تركيب العدادات الرقمية أو الذكية بالتدرج لجميع فئات المستهلكين، وتطبيق تقنية قراءة العدادات عن بعد، وإلى غير ذلك من الأساليب الإدارية الحديثة، التي ستساعدها في نهاية المطاف على المدى البعيد في تقديم خدمة الكهرباء بشكل أفضل وبتكلفة تشغيلية مناسبة، وبالذات في حالة لو تم الفصل بين نشاط التوليد، ونشاط النقل، ونشاط التوزيع.
مراجعة التعريفة من قبل هيئة تنظيم الكهرباء، والإنتاج المزدوج، وتعديلها، حيث تميز أو تفرق بالأحرى بين فئات المشتركين المختلفة (الصناعي، والتجاري، والموسرين، وذوي الدخول المحدودة أو البسيطة)، يعد أيضاً أمراً ضرورياً لمساعدة الشركة على تأمين السيولة اللازمة لتمويل مشاريعها الرأسمالية المستقبلية، وهنا أنا أتعاطف مع ذوي الدخول البسيطة والمحدودة، مطالباً بوضع تنظيم للتعريفة خاص بهم، يراعي ظروفهم المالية والمعيشية، مشابه إلى حد ما للتنظيم الذي وضع أخيراً للمستفيدين من الضمان الاجتماعي.
أخيراً وليس آخرا، إن الرفع من وعي المستهلك بطرق الاستهلاك المرشد والسليم (الاقتصادي) للكهرباء، وبالذات لدى الأطفال، واستخدام تقنيات ترشيد الكهرباء الحديثة والذكية في المنازل والمصانع والفنادق والمحال التجارية، بما في ذلك مباني الأجهزة الحكومية، وتفعيل تطبيق أنظمة كود البناء المختلفة، والقضاء على ظاهرة بيع السلع الكهربائية المغشوشة والمقلدة في الأسواق، سيساعد دون أدنى شك على ترشيد الطاقة الكهربائية، وسيحسن من كفاءة التشغيل، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي