عمل إيجابي: سياسات أبناء الأرض في الهند حية وبخير

يبدو أن الخطوة الحالية من جانب زعيم ماهاراشترا نافنيرمان سينا، راج ثاكراي، لإثارة مشاعر الإقليمية المتطرفة في ماهاراشترا من أجل الحصول على أرباح سياسية وفيرة وكأنها إعادة لما فعله عديد من السياسيين، بمن فيهم عمه، زعيم شيف سينا، بال ثاكراي، في الماضي. وبشكل عام، توضح الخطوة تصميماً مزعجاً وأنانياً من جانب السياسيين المخادعين في البلاد لاستغلال عواطف السكان العاديين لمكسب انتخابي. وفي أوقات أخرى، يجادل بالقول إن مثل هذه المشكلات هي تعبير عن شكاوى أصلية من جانب الشعب لتأمين نطاق أوسع للحصول على وظائف وفرص تعليمية في مقاطعة معينة.
على الصعيد النظري، فإن فكرة أبناء الأرض هي شكل من أشكال الإقليمية. والمطلب الأساسي لجميع حركات أبناء الأرض هو التدخل الحكومي – على شكل قوانين، وتنظيمات، وأنظمة إدارية – لتوفير الوظائف، والدخول إلى المؤسسات التعليمية لأفراد المجموعات العرقية المحلية. والمطلب المفضل لحركة أبناء الأرض تم بالأغلبية فيما يتعلق بأقلية، والمبرر الرئيس هو مركز المجموعة غير العادل – في التعليم، والتوظيف، والدخل – بالعلاقة مع المجموعات الأخرى في المناطق المدنية، أو الدولة ككل، ولا يرتبط بمسألة سبب تخلف المجموعة على الصعيد الاقتصادي، أو التعليمي، أو المهني، إلى الوراء.
إن الأمر المشوق هو أن مسألة تقديم معاملة تفضيلية أو عمل إيجابي أزعجت أذهان القادة الوطنيين في البلاد، حتى في وقت صياغة الدستور ذاته. فعلى سبيل المثال، في تقرير صادق عليه المؤتمر الهندي الوطني في عام 1938 حول وضع بيهار، تمت المجادلة بالقول إنه كان من العدل، والمناسب أن يحصل سكان مقاطعة ما على معاملة تفضيلية في مقاطعتهم من حيث الخدمات العامة والمرافق التعليمية. وعلى أية حال، فإن ما اتضح أنه لعنة التكامل الوطني في البلاد، بدا وكأنه تسييس القضية على أيدي السياسيين من أجل مكاسبهم السياسية الأنانية.
من الواضح تماماً، بناءً على ذلك، هو أن السيناريو السياسي لفترة ما بعد الاستقلال في الهند كان شاهداً على عدد من الحركات الإقليمية التي تسيطر عليها فكرة أبناء الأرض. وفي حين أن الأصل تأسس في حركة درافيديان في جنوب الهند، إلا أن القضية اكتسبت سمعة سيئة، ونسباً مخيفة مع نهضة شيف سينا في ماهاراشترا خلال ستينيات القرن الماضي. وبالمصادفة، كانت شيف سينا مدفوعة في الأصل بسبب الخوف من أن لجنة إعادة تنظيم الولايات ستأخذ بومباي، عاصمة ولاية بومباي المدمجة في ذلك الحين، في الوقت الذي كان خلاله يتم نقش غوجارات. وفي أعقاب ذلك بدأت شيف سينا بالاندفاع بواسطة شعار ماهاراشترا لمواطني ماهارشترا.
خلال العقود الأولى من فترة ما بعد الاستقلال، كان مثل هذا الإجراء الإيجابي يستنبط قوة معتبرة من القرار لتشكيل الولايات على أساس التجانس اللغوي. وحالما يتم الاعتراف بالتجانس اللغوي على أنه الأساس لتشكيل الولاية، بدأ المتحدثون باللغة المحلية يشعرون أن أولئك الذين يتحدثون بلغة مختلفة لا ينتمون إلى الولاية، وهم بناءً على ذلك أدنى مرتبة، بغض النظر عما نص عليه الدستور. ولكن في كل ولاية هندية، بما فيها الولايات الأكثر تجانساً لغوياً يعيش ضمن حدودها متحدثون بلغات مختلفة، لأنه على الصعيد التاريخي، انتقل السكان من منطقة من البلاد إلى أخرى بسبب الحروب، والمجاعات، والعداء الديني، وما إلى ذلك. وفي أحيان كثيرة، وجد أن المجموعات القبلية والمجموعات العرقية الأخرى التي تعيش في ولاية ما لعدة قرون، تتحدث بلهجات خاصة بها لا تفهمها المجموعات الأخرى. وهذا إلى جانب حقيقة أن لغة الولاية غالباً ما يتم التحدث بها بشكل مختلف في مناطق مختلفة من الهند.
لكن لا يمنع أي من هذا نهضة حركة أبناء الأرض، وعلى وجه الخصوص في المدن الأكبر حجماً التي توجد فيها عموماً عدة لغات، ويشغل فيها «الغرباء» مناصب عالية بشكل واضح في الحكومة، والصناعة، والأعمال التجارية، والتجارة، والإعلام، والترفيه. وربما تتم مهاجمة شركاتهم، ومتاجرهم، ومطاعمهم، وبيوتهم، ويتم تخريبها في بعض الأحيان لإثارة الرعب في أذهان «الغرباء» المقيمين في الولاية، وكذلك لإحباط أية هجرات مستقبلية. وهناك مطالب بأن تكون حصة الأسد من الوظائف التي يتم توليدها في أي شركة، أو مصنع، محجوزة للسكان الأصليين، حتى حين تكون تلك المؤسسات قد أسستها حكومة الهند. غير أن تخصيص أماكن محجوزة «للسكان الأصليين» في المستويات الوظيفية الأدنى من الشركة يبدو منطقياً، حيث إن مثل تلك الوظائف لا تتطلب مهارات عالية، ومن غير المجدي اقتصادياً جلب أشخاص من أماكن بعيدة لكي يشغلوها. ولكن حين تكون الخبرة الفنية العالية مطلوبة، فليس من مصلحة المؤسسة تعيين أشخاص غير مؤهلين، أو بتأهيل متدنٍ. ولكن حركات أبناء الأرض أصبحت مشحونة بالعواطف بدرجة عالية، وانخفض صوت المنطق ليصبح صوتاً في العراء.
من المحتمل في السنوات المقبلة، حين يزداد عدد المدن، وتصبح المدن القائمة أكبر حجماً بكثير، أن يصبح الصراع بين «السكان الأصليين» و «الغرباء» أكثر حدة وسوءاً.
إحدى الوسائل لمعالجة هذه المشكلة هي التعزيز السريع للتنمية الزراعية في المناطق، وعلى وجه الخصوص الجافة منها التي يهاجر منها في العادة عدد كبير من الناس الفقراء للغاية، ومن مستويات اقتصادية، وسلاسل اجتماعية متدنية للغاية. ربما تجدر الإشارة هنا إلى أن المشكلة الحالية في البلاد سببها جزئياً على الأقل الإهمال الكبير للتخطيط العائلي منذ أيام نهرو. وعلاوة على ذلك، فإن المحاولات السيئة لفرض عمليات التعقيم للناس خلال سنوات الطوارئ (1975 – 1977) جعلت التخطيط العائلي أمراً غير شعبي للغاية، حيث إن الأحزاب السياسية تبتعد عنه. والنتيجة النهائية هي أن قضية ذات أهمية قصوى لعافية البلاد يتم مسحها تحت السجادة. والظاهرة المهمة الأخرى هي ظهور هويات مجموعات جديدة عند المستوى شبه الوطني.
من الضروري أن نتذكر هنا أن ظهور الوطنية في أي بلد يتميز بالوعي المتزايد لكل نوع من أنواع هوية المجموعة. وفي واقع الأمر، فإن أي فكرة مهمة في الهيكل الاجتماعي تجد التعبير عنها، ولكن لا يبدو أن هناك فهماً كافياً لهذه الحقيقة. وعلى أية حال، فإن الأمر غير الشائع إلى حد كبير هو إنكار شرعية جميع الولاءات الأدنى مستوى في الفكرة الخاطئة بأنها مناهضة للوطنية. ولا يسود الفهم بأن الهويات سياقية: ففي سياق واحد يكون المرء فرداً في منطقة، بينما في سياق آخر يكون متحدثاً باللغة، أو يتبع اعتقاد ما، ومواطناً في الولاية – الدولة. وحين يتم اعتبار الولاءات الأدنى مستوى فقط على أنها أكثر أهمية من الولاء للدولة، هناك يكمن سبب القلق الفعلي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي