طاقة الرياح: الآفاق المستقبلية بعد قمة كوبنهاجن لتغير المناخ

إن قمة كوبنهاجن لتغير المناخ انتهت دون أن تحقق النتيجة المتوخاة من انعقادها، المتمثلة بوضع آلية لمعاهدة ملزمة قانونيا بديلة لبروتوكول كيوتو. بدلا من ذلك، كل ما تم الاتفاق عليه بعد ذلك وإعلانه هو ما يعرف باتفاق كوبنهاجن، الذي اعتبره كثيرون مجرد نص سياسي مبهم أو مجرد إعلان نوايا لا أكثر. كما أن اتفاق كوبنهاجن يبدو خطوة بعيدة عن أي اتفاق قانوني قوي وملزم أكثر من كونه خطوة نحو معاهدة قوية وملزمة في عام 2010.
بالرغم من الإخفاق في قمة كوبنهاجن لتغير المناخ، إلا أن اقتصاديات العالم الرئيسة تتبنى سياسات الطاقة الخضراء في محاولة منها للحد من انبعاثات الكربون في الجو من محطات توليد الطاقة الكهربائية. طاقة الرياح تعد اليوم واحدة من أبرز هذه السياسات التي تقود النمو في مجال الطاقة الخضراء.
إن تقنيات صناعة طاقة الرياح الحديثة بدأت في عام 1979 مع بداية إنتاج توربينات الرياح من جانب عدد من المصنعين الدنماركيين أمثال Kuriant، Vestas، Nordtank وBonus. وكانت التوربينات المصنعة في ذلك الوقت تعتبر صغيرة قياسا بالحجوم المصنعة اليوم، حيث كانت قدراتها من 20 إلى 30 كيلو واط. الطاقة الكهربائية المنتجة من توربينات الرياح عادة تجمع على نطاق واسع من عدد كبير جدا من التوربينات الهوائية وتربط بالشبكة الكهربائية الرئيسة، وهذه تعرف بمزارع الرياح. في حين تستخدم توربينات الرياح الفردية لتوفير الكهرباء للأماكن المعزولة. أما طواحين الهواء الصغيرة فتستخدم مباشرة كطاقة ميكانيكية لرفع المياه أو لطحن الحبوب. لقد حصل نمو كبير جدا في إنتاج الطاقة من الرياح بين عامي 2000 و2007، حيث ازدادت الطاقة الكهربائية المنتجة عالميا من توربينات الرياح من نحو 18 جيجاواط إلى تقريبا 94 جيجاواط خلال هذه الفترة، وهذه تمثل زيادة مقدارها أكثر من خمسة أضعاف. على الرغم من أن الرياح تنتج نحو 2 في المائة من مجموع الطاقة الكهربائية المنتجة في العالم فقط، إلا أنها تمثل نحو 19 في المائة من إنتاج الكهرباء في الدنمارك، و9 في المائة في كل من إسبانيا والبرتغال، و6 في المائة في كل من ألمانيا وإيرلندا.
ومن المتوقع حاليا أن تنمو الطاقة الكهربائية المنتجة من طواحين الرياح أكثر من 155 في المائة، من نحو 94 جيجاواط في عام 2007 لتصل إلى 240 جيجاواط بحلول عام 2012. تعتبر الولايات المتحدة اليوم من أكبر منتجي الكهرباء في العالم من طاقة الرياح، لكن كما هو الحال في عديد من اقتصاديات العالم الرئيسة، الصين أيضا تحاول أن تتوسع في هذا الجانب.
الولايات المتحدة فقط أخيرا تصدرت العالم في إنتاج الطاقة الكهربائية من طاقة الرياح، حيث بلغت الطاقة المنتجة من الطواحين الهوائية في عام 2008 فيها نحو 25 جيجاواط، متجاوزة بذلك ألمانيا في هذا المجال. 
كما أن قدرة الولايات المتحدة من طاقة الرياح من المتوقع أن تكون قد وصلت إلى 30 جيجا واط بحلول نهاية العام الماضي، لكن لن يمضي وقت طويل قبل أن تبدأ الصين في منافستها في هذا المضمار، التي تضاعفت فيها الطاقة الكهربائية المنتجة من طواحين الرياح في عام 2008 من نحو ستة جيجاواط في 2007 لتصل إلى 12 جيجاواط، حسب المجلس العالمي لطاقة الرياح.
إن الولايات المتحدة والصين والهند تركز على طواحين الرياح على اليابسة، بينما شمال غرب أوروبا وخصوصا في المملكة المتحدة تحرز تقدما كبيرا في توسيع طاقة الرياح من المنصات البحرية في بحر الشمال. حيث دخلت بريطانيا أخيرا في سلسلة من الاتفاقات مع بعض كبار شركات الطاقة في أوروبا من أجل تنمية طاقة الرياح بحلول عام 2030 من مزارع الرياح البحرية، حيث من المتوقع أن تصل طاقتها مجتمعة إلى نحو 32 جيجاواط. في المدى القصير جدا، تتوقع رابطة طاقة الرياح الأوروبية أن قطاع طاقة الرياح البحرية سيشهد نموا يقدر بنحو ثلاثة أضعاف في عام 2010، حيث من المتوقع أن تضاف جيجاواط واحدة من الطاقة الإنتاجية الجديدة من الرياح، الجزء الأكبر منها في المملكة المتحدة.
على الرغم من معدلات النمو الكبيرة في قطاع طاقة الرياح، إلا أن اهتمام شركات النفط والغاز العالمية بطاقة الرياح ليس كبيرا، حيث في المقابل ركزت هذه الشركات في الآونة الأخيرة على مصادر الطاقة البديلة من الوقود الحيوي. بعض الشركات النفطية العملاقة ولا سيما بريتيش بتروليوم وشيفرون، تنشط في الولايات المتحدة في إنتاج طاقة الرياح على الشواطئ، كما أن معظم شركات النفط الرائدة حققت نجاحات محدودة في مجال توليد الطاقة الكهربائية بواسطة الرياح في السنوات الأخيرة.
كما هو الحال مع عديد من تقنيات الطاقة البديلة والمتجددة الأخرى، التكاليف والتمويل لا يزالان يمثلان تحديا كبيرا لقطاع طاقة الرياح، خاصة لمشاريع طاقة الرياح البحرية، مثل الطاقة الشمسية. طاقة الرياح تتطلب تمويل ودعم القطاع العام والحكومات لتتمكن من المنافسة اقتصاديا. إن تكلفة بناء طواحين الرياح البرية تقريبا 1.23 مليون يورو (1.74 مليون دولار) لكل ميجاواط، في حين أن تكاليف طواحين الرياح البحرية تكون ضعفين أو ثلاثة أضعاف هذا المبلغ أي نحو ثلاثة ملايين يورو لكل ميجاواط حسب عمق المياه، حسب المجلس العالمي لطاقة الرياح. معظم البلدان الأوروبية تعطي ضمانات وإعفاءات إلى مجهزي طاقة الرياح ضمن التعريفات الجمركية، حيث إن المملكة المتحدة تلزم المجهزين لمصادر الطاقة بتوفير كمية معينة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، أما الولايات المتحدة فتقدم إعفاءات من ضريبة الإنتاج.  
يبقى السؤال، هل طاقة الرياح هي خضراء 100 في المائة؟
إن طواحين الرياح لا تستهلك وقودا لمواصلة عملها، ليس هناك أي انبعاثات غازية ملوثة للهواء مباشرة منها نتيجة توليد الكهرباء. لكن محطات توليد الطاقة باستخدام طواحين الرياح تحتاج إلى موارد صناعية متنوعة لتشييدها. فعملية تصنيع طواحين الرياح وبناء المحطات تحتاج مثلا إلى الحديد والصلب، الألمنيوم، المواد الأسمنتية وغيرها من المواد التي تحتاج عملية تصنيعها ونقلها إلى استخدام الطاقة، والتي عموما تكون من مصادر الطاقة الأحفورية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي