الإسلام والإعلام .. الخطاب الغربي معظمه خال من البعد الإنساني والحضاري للإسلام (2)
كيف ينظر الإعلام الغربي إلى الإسلام؟ وكيف يتم توصيف الإسلام في الإعلام الغربي؟ وهل ينظر الغرب بعين المنطق والعقل والعدل والإنصاف والمساواة عند تناوله الإسلام والمسلمين في خطابه؟ هذه أسئلة ذات أهمية فائقة، حاول الكثير من العلماء المشاركين في مؤتمر جامعة كولورادو الأمريكية الإجابة عنها.
ولأن الجلسات كانت مقتصرة على الحاضرين عدا المحاضرات العامة، فأطلب المعذرة من القراء لعدم ذكر أسماء العلماء والباحثين. شيء واحد باستطاعتي قوله في هذه الرسالة هو أنها تخص العلماء من غير المسلمين من الذين ألقوا أبحاثا عن ماهية العلاقة بين الإسلام والإعلام. حضرت معظم هذه الجلسات التي تحدّث فيها العلماء الغربيون عن الإسلام والمسلمين. يحزّ في قلبي القول إنها في مجملها أوصلت رسالة سلبية جدا من حيث تناولها الإرهاب والعنف في العالم. المستمع إلى ما قاله هؤلاء يخرج بنتيجة مفادها أن الإرهاب متأصل في العرب والمسلمين وأن دينهم – معاذ الله – يحثهم على ذلك.
كانت هناك عدة أبحاث تناولت خطاب جماعات إسلامية مثل منظمة المقاومة الإسلامية – حماس. والأكاديمي يحاول دائما البرهنة على وجهة نظره من خلال الاقتباس إن كان مباشرا أو غير مباشر. وهكذا عُرضت علينا صور ونصوص نتفت نتفا من المواقع الإلكترونية لهذه الجماعات تُظهر وكأن الإرهاب أمر ميتافيزيقي وتجريدي ينبت من تلقاء نفسه في الفكر العربي والإسلامي. الصور تُظهر المقاومين حاملين رشاشاتهم وعلى جبينهم عصائب كُتب عليه شارات «الله أكبر». والنصوص المقتبسة كانت منتقاة بدقة متناهية. ورغم أنها كُتبت لمخاطبة المتلقي ضمن البيئة والمحيط الذي يعيش فيه المقاومون، عُرضت وكأنها ذات صبغة عالمية وموجهة إلى الغرب والدنيا بأجمعها.
وما أثارني لا بل استفزني الطريقة التي عُرضت فيها صور المقاومين الفلسطينيين وأقوالهم وهم في طريقهم لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، أبشع احتلال عرفه العصر الحديث. المستمع يرى فيهم أنهم أناس يحبون الموت والقتل من أجل الموت والقتل فقط. وهكذا ركزّ هؤلاء الباحثون على أمور الميثولوجيا – أساطير وخرافات - التي نقلوها من المواقع الفلسطينية. ولاحظت بفزع كيف أن الحاضرين – ويؤسفني القول كان بينهم بعض المسلمين – استقبلوا برضا ملحوظ هذه الاستنتاجات. والجدير بالذكر أن الجلسات التي تناولت الإرهاب والعنف وعلاقتهما بالإسلام كانت تجذب أكبر عدد من المشاركين في المؤتمر.
فالقاعة التي تحدثت فيها عالمة برازيلية عن خطاب المقاومة الإسلامية حماس وكيف أن المنظمة – حسب استنتاجاتها– توظف الدين والميثولوجيا لتشجيع ثقافة الموت كانت تغصّ بالمستمعين. وهكذا برهن هؤلاء الباحثون – أو هكذا تلقى دراساتهم المستمعون – أن العنف والإرهاب طبيعة عربية وإسلامية لا تاريخ لهما ولا سبب ولا علة. العرب والمسلمون، ولا سيما الذين يقاومون الظلم والطغيان، إن كان من قبل الأجانب أو طغاة محليين، يفعلون ذلك تلقائيا لأن العنف والإرهاب منغرسان في النفس العربية والإسلامية. يا للهول!!!
وأبحاث كهذه كانت تحصل على مديح كبير من رؤساء الجلسات وأغلبهم من العلماء الغربيين. دون قصد منهم طبعا ولكن بسبب طريقة الإلقاء والتأثير الذي تحدثه الصورة والاقتباسات إضافة إلى الوضع العام في الإعلام الغربي الذي ربما لم يبق مكرمة للعرب والمسلمين. وهذا ما لمسناه من خلال الأسئلة التي كانت تثار من قبل المستمعين والتي غالبا ما كانوا يبتدئونها بمدح الباحث واستنتاجاته.
وانتظرت كثيرا أن يطرح أي من الحاضرين مبادرة تفند نظرية أن العنف والإرهاب متأصلان في العروبة والإسلام. عندها ضاق صدري، وبدأت أسأل: هل ميل العرب والمسلمين للعنف والإرهاب، كما تقولون، لا سبب ولا علة له؟ ألم تسألوا أنفسكم كيف ولماذا نشأ هذا الميل وما الأسباب والدوافع الكامنة وراءه؟ هل وضعتم أنفسكم محلّ الذين تتهمونهم بالعنف والإرهاب؟ هل تعتقدون أن الفلسطيني الذي يفجر نفسه يفعل ذلك دون دافع يجبره على ذلك؟ ما الفرق بين العربي أو المسلم الذي يقتل نفسه وأشخاص أبرياء آخرين معه وبين الجاسوس الأمريكي، الضابط في سي آي إي، الذي يضغط على زر وتطير طائرة دون طيار وتغير على قرية آمنة وتفتك صواريخها وقنابلها بأطفال ونساء وشيوخ القرية إن كان في العراق أو أفغانستان؟ هل تعلمون أن الأول يقاوم الظلم الواقع عليه ويحارب على أرضه والثاني محتل وغاز يحارب آلاف الأميال بعيدا عن أرضه؟ أي دراسة لا تتناول الدافع وراء العمل الذي نقوم به، أفرادا وجماعات، مهما كان هذا الدافع، تكون دراسة ناقصة. كل واحد باستطاعته تبرير دافعه. وهذه ليست مهمتنا كأكاديميين. مهمتنا هي تبيان الدافع وترك التبرير للمتلقي.
وصارت كلمة «موتيفيشن» التي تعني الدافع، بحمد الله، جزءا من خطاب المؤتمر.
وحتى نلتقي في رسالة أخرى عن مؤتمر الإسلام والإعلام في الجمعة القادم أستودعكم الله.