المسؤول ينفي والصحفي يؤكد
أصبح الإعلام إحدى أهم الوسائل التي يمكن من خلالها معرفة الأحداث وما فيها من تفاصيل، وأصبح الإعلاميون بصفة عامة والصحفيون بصفة خاصة من الأدوات المهمة التي تسهم في تعريف أفراد المجتمع بتفاصيل الأحداث كيف حدثت ومتى حدثت ومَن المسؤول عنها، وفي كل يوم تعرض لنا الصحف عديدا من القضايا التي تبرز جوانب مختلفة من الأحداث اليومية، ويقوم الصحفي بعرض هذه الجوانب من خلال مشاهداته أو من خلال ما يحصل عليه من معلومات من أطراف القضية، وأحياناً يحرص الصحفي على أن يضيف وجهة نظره إلى الخبر، كما يحرص على أن يوثق التصريحات التي يحصل عليها سواءً من خلال التسجيل الهاتفي أو من خلال ما يصله من بيانات من المسؤولين أو من خلال ما يسمعه أثناء اللقاءات العامة.
والعلاقة بين الصحافة بشكل خاص والمسؤولين بشكل عام علاقة مهمة ويجب أن يتم بناؤها بشكل صحيح يقوم على الاحترام والتقدير والصدق ويبتعد عن المصالح الشخصية أو المواجهات الفردية أو غيرها من الأمور التي قد تحدث بين الصحفي والمسؤول نتيجة التعامل المتواصل، والذي يحرص على الصحفي خلاله على أداء عمله والحصول على المعلومة من مصدرها ومن ثم نشرها للناس، كما يحرص المسؤول على أن يقدم المعلومة الصحيحة والتي من شأنها أن تسهم في تعريف الناس بالحقائق.
وما يحدث اليوم بين بعض الصحفيين وبعض المسؤولين أمر يدعو للأسف فالخلاف مستمر ومتواصل، كل يحرص على أن ينتصر لرأيه والضحية في نهاية المطاف هو القارئ الذي يقرأ التصريح وكأنه حقيقة ما تلبث أن تصبح وهما بعد أن ينفي المسؤول ذلك التصريح في اليوم الذي يليه، وعندما يتم التحقق من الأمر يؤكد الصحفي أن المعلومة نشرت بموجب ما لديه من وثائق تؤكد تصريح المسؤول، وفي المقابل يؤكد المسؤول في أنه لم يذكر ما نشر، وأن الكلام الذي نُشر تم تحريفه. وهكذا تتواصل كل يوم مثل هذه القصص مما جعل القارئ في حيرة من أمره، كما أسهمت في جعل العلاقة بين المسؤول والصحفي علاقة متوترة يشوبها حذر دائم، الأمر الذي جعل بعض المسؤولين يحرصون على تجنب الصحفيين وعدم الرد على اتصالاتهم والإجابة عن استفساراتهم.
ولذلك فإنني أعتقد أنه يجب أن يكون هناك نظام واضح وبيّن يستقي الصحفي من خلاله المعلومة بشكل منظم ويقوم بتوثيقها ونشرها بشكل لا يوجد فيه أي شبهة أو مأخذ عليه، وفي المقابل فإن المسؤول يجب أن يكون واضحاً في تصريحاته دقيقاً في كلماته بحيث تقدم بشكل لا يقبل التأويل. وعلى هذا الأساس فإننا نحتاج إلى وضع تصور نعمل من خلاله على تطوير كلا الطرفين، فالمسؤول يجب أن يتدرب على كيفية استقبال الصحفيين وكيفية الإجابة عن استفساراتهم وكيفية التعامل معهم وتقديرهم والتجاوز عن أخطائهم والعمل على استيعابهم والحرص على تزويدهم بالمعلومات المطلوبة بشكل واضح ودقيق وعدم تهميشهم أو تجاهلهم أو الانتقاص منهم. كما يجب على الصحفي أن يراعي ظروف المسؤول العملية ويقدر ارتباطاته ويختار الوقت المناسب لمقابلته أو الاتصال به والأسلوب المناسب، وأن يتحلى بالمصداقية والأمانة والإنصاف وألا يعمد إلى الإثارة والانحياز لرؤية معينة، بل يجب أن يجعل الحق نصب عينيه، كما يجب عليه أن يعمل على تطوير مهاراته وقدراته وأسلوب تحريره للمادة الصحفية لتكون واضحة وبينة وتعكس الواقع الصحيح.
إن تأزم العلاقات بين الصحفيين والمسؤولين لن يؤدي إلى فائدة، بل سيجعل المجتمع يعيش في حيرة من أمره وفي تخبط ولن يستفيد المسؤول من ذلك وفي الوقت نفسه لن يستفيد الصحفي أيضا، وخير للطرفين أن يعملا من أجل مصلحة المواطن بحيث تقدم له المعلومة الصحيحة بطريقة صحيحة.