الرياض تحتضن المستقبل
السبت الماضي كان يوما مميزا..
وحالة التميز كانت حاضرة في كل من شهد حفل إطلاق السنة التحضيرية، أو صحب الأمير سلمان في الجولة على مشاريع جامعة الملك سعود العملاقة.
بدأت الجولة في كليات البنات، وهي بحق (مدينة داخل مدينة)، مقدر لها أن تستوعب في حدود 30 ألف طالبة، والإمكانات التي توفرها المدينة سوف تحقق نقلة كبرى جديدة لتعليم المرأة وتلبي توجهات الجامعة المستقبلية، حيث تتجه الجامعة لتكون مؤسسة تعليمية تضع البحث العلمي في أولوياتها مما يهيئ البيئة التعليمية لإعداد الطلاب ليكونوا مشروع علماء وباحثين ومخترعين.
الجولة شملت وادي الرياض للتقنية والذي يخطط له لأن يكون من البوابات الرئيسة للاقتصاد والمعرفة في المملكة، وكذلك شملت الجولة مشروع إسكان الأساتذة والطلاب والذي تم تصميمه عمرانيا وحضريا ليكون بيئة سكنية توفر كل الخدمات الضرورية التي تهيئ للأساتذة وعائلاتهم الأجواء المريحة والمحفزة للعمل.
أيضا شملت الجولة مشروع الأوقاف العملاق، وهو إضافة مهمة لمدينة الرياض، إذ سيكون مشروعا استثماريا يساعد الجامعة على استيعاب نفقات التشغيل والصيانة الرهيبة التي سوف تحتاجها المدينة العملاقة في العقود القادمة، ولعل الحكومة تساعد الجامعة في إتمام البرج الرئيس في المشروع والذي لم يجد التمويل الكافي، وما (تزرعه) الحكومة الآن سيكون استثمارا وطنيا يمتد أثره للأجيال القادمة.
الأمر المثير للإعجاب أن هذه المشاريع يجري إنشاؤها بصورة مكثفة ولساعات طويلة، ويتوقع أن تكتمل في غضون سنتين، والمشاريع المنفذة تعكس الإمكانات الكبيرة في الموارد البشرية التي تمتلكها الجامعة، حيث تقدم الآن الإنجاز المتميز في مجالات عديدة. الشيء المهم الذي لم يفت على أغلب من شهد الجولة هو (حجم الأراضي) التي مازالت بكرا، ومن يرى مشاريع الجامعة من خارج أسوارها يجزم بأن الجامعة استنفدت كل رصيدها من الأراضي.. وهنا يجب أن نسجل للتاريخ الحق في التقدير والإعجاب والامتنان لمن استشرف المستقبل وقدّر حق الأجيال القادمة، وقدر أهمية التعليم، وقدر أن الأرض (ثروة) وطنية للمدينة يجب أن تكرس لمصلحة الناس، بالذات في التعليم.
إن المسؤول الذي يفكر في المستقبل ويقدر الاحتياجات ويستعد لكل الاحتمالات، هو أيضا ثروة وطنية، هو كالأرض أو كالماء.. أو كالنفط، والذين خططوا وعملوا على أفكار وتصورات ومشاريع التنمية المستدامة قبل أربعة عقود، هؤلاء نتمنى أن تتبنى جامعة الملك سعود مشروعا وطنيا لتدوين تجربتهم في إدارة التنمية والتخطيط لها والتعامل مع تحدياتها، فتجربتهم الإدارية بما فيها من نجاحات وإخفاقات هي الأخرى ثروة وطنية، وتدوينها ضروري حتى تكون مادة تدرس للطلاب، ومرجعا للباحثين والعلماء.
ثمة فكرة أو اقتراح نسوقه إلى رائد التنمية والتحديث وذراع الحكومة في قيادة الإدارة في العاصمة، سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز، نتطلع إلى التوجيه للهيئة العليا لمنطقة الرياض لدراسة إمكانية تكوين (مدينة معرفية) تضم الجامعة وما يحيط بها من مشاريع عملاقة، كلها تصب أعمالها وأهدافها في مسار الأبحاث والعلوم بشكل رئيسي.
فهناك مشروع تقنية المعلومات الذي تنفذه «التقاعد»، وهناك هيئة الاستثمار، وهيئة الاتصالات والمواصفات والمقاييس، وأيضا هناك مبنى هيئة حقوق الإنسان، والذي سيكون مشروعا متميزا يضم مركزا للأبحاث ومعهدا للتدريب، وما سيوفر له من إمكانات سيكون رسالة حضارية عن مدى اهتمام المملكة بحقوق الإنسان، وهو اهتمام ينبع من العقيدة الإسلامية، وتدعمه ثوابت الدولة، وكل دارس للتاريخ يعرف أن الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ نجح في مشروع التأسيس لأنه كان يدرك أن تأليف القلوب وتجميع الناس ودفن نزاعات العنف والعدوان لا تأتي به القوة وحدها، إنما أساسه هو الرحمة والعطف والعفو عند المقدرة، والنظر إلى المستقبل، وهذه ثوابت حقوق الإنسان.
لقد كانت الجولة فرصة للتدبر والاعتبار.. لم تكن جولة تفقدية، بل جولة لاكتشاف المستقبل المعرفي والإنساني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي لمدينة تستعد لاحتضان المستقبل، وجولة كانت فرصة لقياس المسافات الحضارية لمشروع تحديث وبناء الإنسان.. جولة عززت فينا الثقة بالمستقبل، فالتعليم هو حاضن الحكمة ومهذب السلوك وجامع القلوب والعقول.. وهو حقل النفط الحقيقي.