هايتي بلد لا يعرف نهايات سعيدة .. والعالم يتكاتف لإعادة الحياة لسكانها
يئن رضيع تحت الأنقاض بينما تحاول مجموعة من رجال الإغاثة انتشاله، قبل أن تهتز الأرض من جديد فجأة كما حدث منذ الزلزال الذي دمر بور أو برنس. ويتراجع المنقذون بسرعة باستثناء جينويل أنطوان الذي يمسك بيد الطفل ويسعى إلى تهدئته.
ويقول هذا الرجل «لست أنا من يزيل الأنقاض بل يد الله الذي يحب الحياة وقادني إلى هذا المكان لإنقاذ هذا الطفل».
هذا المشهد تكرر في كل مكان في العاصمة الهايتية بعد أكثر من 24 ساعة على الزلزال الذي ما زال عدد ضحاياه مجهولا، وتحول وسط بور أو برنس إلى مخيم كبير للاجئين يبحث فيه آلاف الأشخاص عن المياه والطعام والأدوية.
وفي المنازل المهدمة، بقيت جثث القتلى في الوضع الذي كانت عليه عند وقوع الهزة المدمرة.. زوجان في قيلولة، فتيات تغطيهن الغبار، نساء فتحت أعينهن ذعرا.
وفي السيارات المدمرة، جثث متفحمة ما زالت في مكانها.
وعندما تنتشل الجثث من الأنقاض، تمدد في صفوف في الشوارع، مغطاة بأقمشة، في وضع يبكي أهل المدينة.
ووسط كل هذا الدمار، تصرخ امرأة «أنقذوني زوجي عالق هناك.. ساعدوني أعرف أنه على قيد الحياة».
وفي شارع سانت أونوريه وسط المدينة، يغطي الغبار رجلا علقت رجله في سيارة دمرها الزلزال، يحيط به جيرانه الذين لم يتمكنوا من انتشاله. ويبدو أنه أصيب بنزيف داخلي في الساق.
ويقول ولسون الذي يدرس علم الاجتماع «سيموت قبل أن يصلوا لانتشاله».
أما الناجون، فهائمون في الشوارع يحاولون انتشال جرحى بأيديهم.. لا سيارات إسعاف ولا فرق إطفاء ولا حتى رفوش.
وقد ضرب الزلزال قلب الدولة الهايتية كما يبدو من القصر الرئاسي الذي انهارت أجزاء كبيرة منه.
وقد استعاد بعض السكان جزءا يسيرا مما كانوا يملكونه في بيوتهم المدمرة لاقامة مسكن بدائي، بانتظار أن يصل أحد ما ليقدم لهم بعضا من المياه والأرز.
وتروي فرانشيسكا (14 عاما) وهي جالسة على الأرض وقد عصبت رأسها «انهار منزلي وقتل شقيقي باتريك وجريجوري ولم نعثر حتى الآن على جثتيهما».
وتضيف «الآن نتمنى أن نجد منزلا لننام فيه والله سيعيننا».
وأمضت مع 20 من أشقائها وشقيقاتها وأقربائها ليل الأربعاء الخميس في ساحة سان بيار مع آلاف الهايتيين الآخرين، بينما يكاد مصباح يدوي أو شمعة تضىء المكان.
ومنتصف الليل، نظم مئات الأشخاص مسيرة وهم ينشدون «المجد لله والخلاص قريب» وهو يضربون مرافقهم وركبهم بأيديهم، في مشهد من المرح بعيد كل البعد عن الدمار والجثث المتكدسة في الشوارع.
وبين هؤلاء المؤمنين صموئيل ماكسيليس (20 عاما) الذي يروي ما شهده عند وقوع الزلزال.
ويقول الشاب الذي يرى نفسه «بطلا» ويحلم بدراسة الطب في كوبا «كانت كتل الأسمنت تتساقط في كل مكان والناس يبكون. تسلقت مثل هر سطح خزان لأنقذ قريباتي. منزلي انهار».
والأكبر سنا يبكون وهم يفكرون في أبنائهم الذين قتلوا أو في أسرهم التي قطعت أخبارها.. فالزلزال أدى إلى قطع الخطوط الهاتفية أيضا.
وقال رودي باتيسيتا الرجل الثمانيني وهو جالس على باب ما كان منزله «ماذا فعل بلدنا لتحل به هذه المصيبة؟». مؤكدا أنه لن يغادر المكان قبل أن يتسلم جثتي ولديه المدفونتين تحت الأنقاض.
وعلى بعد أمتار منه، تغني مجموعة من النساء وهن يصفقن في جو من المرح يتناقض مع حزن المكان لكنه يذكرهن بأنهن نجون..
فجأة يبدو الذعر في أعينهن بينما تبدأ الأرض بالاهتزاز من جديد. وقالت إحداهن «هل تعتقدن أن الأرض ستزلزل بقوة من جديد؟».. فترد أخرى «الله وحده هو العالم» بذلك.
وفي شان دي مارس الجادة الشهيرة في بور أو برنس قرب القصر الرئاسي، يقول ميليان رودي الذي أمضى ليلته على الأرض مع زوجته وابنتيهما ولم يتناولوا أي طعام منذ 24 ساعة أن «هايتي أصبحت مجددا بلدا لا يعرف نهايات سعيدة».
#2#
ونصب اللاجئون الجائعون والجرحى خياما صنعوها من قطع أقمشة حصلوا عليها من هنا وهناك وهم يروون مآسيهم المتشابهة.. منازل دمرها الزلزال وأقرباء قتلوا أو ما زالوا عالقين تحت الأنقاض.. ولم تكن تنقص سوى شائعة باحتمال حدوث تسونامي، ليتدافع سكان بور أو برنس باتجاه مرتفعات بيتيون فيل ضاحية بور أو برنس.
وقالت سيدة تحاول الوصول إلى التلال مشيا على الأقدام «شعر الناس باهتزازات قوية وهبطت درجة الحرارة فجأة وأعلنوا أن المياه ترتفع».
وعلى الصعيد نفسه، تكاتفت دول العالم لمساعدة هايتي في مواجهة الزلزال الذي لم تشهده البلاد منذ عشرات السنين، وجاءت دهشة علماء الجيولوجيا من وقوع زلزال بقوة سبع درجات على مقياس ريختر دمر معظم أرجاء عاصمة هايتي بورت أو برانس لأن منطقة الكاريبي لا تعد من مناطق الزلازل النشطة.
وأوضح مركز المسح الجيولوجي الأمريكي أن الزلزال الأعنف الذي تتعرض له هايتي ومن بين أقوى الهزات الأرضية التي تشهدها المنطقة ككل.. وأن أقرب منافس جغرافي وقع عام 1946 عندما تسبب زلزال بقوة ثماني درجات في قتل مائة شخص في سامانا في جمهورية الدومينيكان التي تشترك في الحدود مع هايتي في جزيرة هسبانولا.
وقال مايكل بلانبيد المنسق المساعد لبرنامج المركز الجيولوجي الأمريكي لأخطار الزلازل « إن هايتي من الدول الفقيرة ولا توجد فيها مبان قادرة على مقاومة الزلازل وبالتالي نتوقع دمارا كبيرا وهائلا جراء هذا الزلزال».
وشكل الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي مأساة للأمم المتحدة التي انهار مقر بعثتها هناك مما أسفر عن قتل 16 من موظفيها وجرح 56 فيما اعتبر ما بين 115 و200 موظف في عداد المفقودين.
ونام سكان هايتي في العراء في المتنزهات والشوارع أمس، خوفا من توابع الزلزال الكارثي الذي سوى منازل ومبان حكومية بالأرض ودفن عددا لا يحصى من الأشخاص.
ويخشى من قتل عشرات الآلاف من الأشخاص في هايتي ويعتقد أن كثيرين لايزالون أحياء تحت الأنقاض بعد الزلزال، ولم تظهر إشارات إلى عمليات إنقاذ منظمة للمحتجزين تحت الأنقاض أو انتشال الجثث كما أن أطباء هايتي وهي أفقر دول نصف الكرة الغربي ليس لديهم المعدات اللازمة لعلاج المصابين.
وأعرب ناجون من الزلزال عن خوفهم من العودة إلى منازلهم غير المستقرة وناموا في مناطق مفتوحة حيث رددت جماعات من النساء أغان دينية تقليدية في الظلام وصلين من أجل الموتى.
ونام أجانب حول حمام السباحة في الفندق المتضرر وانتشر عشرات المصابين على الأرض خارجه. وهام عشرات الآلاف من مواطني هايتي المذهولين وهم ينتحبون في شوارع بورت أو برنس بعد يوم من الزلزال أملا في الحصول على مساعدة.
ولا تزال الجثث ظاهرة في أنحاء المدينة.. تحت الانقاض وعلى جانب الطرق وفي شاحنات تنقل إليها بينما وضعت جثث أخرى في ملاءات وأغطية. وسمعت أصوات صرخات من تحت الأنقاض. ومع استمرار تواسع الزلازل في العاصمة المدمرة حاول السكان إنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض وكافح رجال بمطارق لإزالة كتل أسمنتية بحثا عن ناجين.
وهتف شاب في وجه صحافيين باللغة الإنجليزية قائلا «هناك الكثيرون يموتون. نحن بحاجة إلى مساعدة دولية ... لا توجد إسعافات ولا غذاء ولا هاتف ولا ماء..لا شيء».
وقطعت الاتصالات العادية في المدينة وأغلق الركام والأشجار طرقا وتقطعت الكهرباء كما نقصت إمدادات الماء. وكانت إشارات المرور التي تعمل بالطاقة الشمسية هي مصادر الإنارة الوحيدة في شوارع بورت أو برنس.
وقال بركليز جان بابتيست وهو متحدث باسم الصليب الأحمر في هايتي إن إمدادات الدواء نفذت من المنظمة المعتادة على التعامل مع الكوارث في هايتي البلد الذي يعاني من الفقر والكوارث الطبيعية وانعدام الاستقرار السياسي.