الإعفاء الضريبي لا يصدر إلا بموجب مرسوم ملكي
أبدأ بتكرار ما كتبه الزميل خالد أحمد عثمان عن الضرائب بقوله ''لا تفرض الضرائب والرسوم في جميع دول العالم إلا بموجب قانون يصدر طبقا للإجراءات التشريعية المعمول بها في الدولة. وقد أخذت بهذه القاعدة السعودية ونصت عليها الأنظمة السابقة لمجلس الوزراء وأقرها ونص عليها النظام الأساسي للحكم، حيث جاء نص المادة (20) من هذا النظام على النحو التالي:
(لا تفرض الضرائب والرسوم إلا عند الحاجة، وعلى أساس من العدل، ولا يجوز فرضها، أو تعديلها، أو إلغاؤها، أو الإعفاء منها إلا بموجب نظام). كما نصت المادة (69) من النظام الأساسي للحكم على أنه لا تصدر الأنظمة ولا تعدل إلا بموجب مراسيم ملكية، كما قررت المادة (18) من نظام مجلس الشورى أن الأنظمة لا تصدر ولا تعدل إلا بموجب مراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الشورى، كما قررت المادة (20) من نظام مجلس الوزراء أن تصدر الأنظمة وتعدل بموجب مراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الوزراء''. وعليه فإقرار الضريبة أو تعديلها أو إلغاؤها أو الإعفاء منها لا يكون جائزاً نظاما إلا بموجب اتباع الآلية المقررة بموجب النظام الأساسي للحكم كقاعدة دستورية يجب الالتزام بها حرفيا في كل ما يتعلق بالضرائب. وهذا يستوجب أن يصدر تعديل نظام الضريبة بموجب آلية تعديل الأنظمة المتوجة بمرسوم ملكي.
فالإجراء القانوني المتعلق بجوهر التكليف المالي عنصر جوهري في العملية القانونية ولا يمكن إغفاله مهما كان الداعي ومهما كان سمو النتيجة والمقصد وإلا انتفى مبرر وضع ضوابط إجرائية قانونية. وفي موضوع الضرائب هو قيد دستوري لا يجوز مخالفته على الإطلاق وفقا لنص المادة (20) من النظام الأساسي الواضحة كل الوضوح في منع التعديل أو الإعفاء دون اتباع الإجراءات النظامية المقررة بموجب النظام الأساسي وغيره من الأنظمة الأساسية (نظام مجلس الشورى ونظام مجلس الوزراء). إذ إنه من المعلوم بداهة أن القواعد الإجرائية أو الشكلية لا تقل أهمية عن القواعد الموضوعية ولهذا تنظر القضايا عادة من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع، والطعن شكلا مسبب كاف لإقفال القضية أو القرار الإداري، كاشتراط اتباع إجراءات تمهيدية تسبق اتخاذ قرار ما أو تسبيب ذلك القرار أو الاعتراض خلال مدة محددة أو التصويت بنسبة محددة نظاما على نظام أو لائحة... إلخ. فلو على سبيل المثال لم يتمكن أي نظام من الحصول على النسبة المقررة وفقا لنظام مجلس الشورى فلن يرى الضوء، بالمثل لو تم تخويل إدارة حكومية لإصدار لائحة تنفيذية وقامت جهة أخرى بإصدارها لكان ذلك مثل عدمه. والقرار الإداري مثل ذلك، فإذا لم يتم اتباع النص القانوني المنظم لعملية استصدار القرار جاز الطعن في القرار.
والنظام الأساسي للحكم لم يشترط اتباع تلك الإجراءات من باب الاستحسان بل نصه آمر قاطع واضح لا يجوز مخالفته، وهو ما يحقق المصلحة العامة لأن فرض الأعباء المالية أو المساس بها يؤثر بشكل جوهري في المراكز المالية للمعنيين بها، كما أن الشأن الضريبي والإعفاء من الضريبة يعني بشكل أو بآخر انتقاصا من الخزانة العامة سيتم تعويضه بشكل آخر، وهو ما يدخل في المعادلة المستثمر الأجنبي أو خزانة الدولة أو مرفق أو خدمة عامة، وهو أمر جوهري لا يمكن المجادلة في ثقله وبالتالي فليس الأمر هامشيا أو ثانويا قد يترتب على التمسك به تعطيل لمصالح كبرى بل هو أمر جوهري عدم الالتزام به تعطيل لمصلحة كبيرة ارتأى المشرع وجوب معالجتها وفق أطر محددة -ومجرد النص عليها في النظام الأساسي كفيل بتقرير ذلك. ومن ثم فلم يترك النظام الأساسي الأمر الضريبي – إقرارا وتعديلا وإعفاء - مفتوحا للاجتهاد بل ضبطه بإطار يصدر بـ ''مرسوم ملكي''.
إن التعامل مع الضرائب أمر مهم جدا ويجب الالتزام الحرفي بالنصوص القانونية المنظمة لها، ويتعاظم هذا الالتزام إذا كان النص عليه مصدره نص من نصوص الأنظمة الأساسية العليا في الدولة. وعليه فحزمة الإعفاءات التي تبحث أو التي صدرت للمستثمرين الأجانب (كتقديم حزمة من الإعفاءات الضريبية أو ''الخصومات'' الضريبية، عبر تقرير منح المستثمرين الأجانب خصما ضريبيا قدره 50 في المائة دون استصدار مرسوم ملكي بذلك التعديل – أو الإعفاء) تبدو في حاجة إلى بيان يجلي الضبابية المحيطة بالإجراء المخرج لها، فالموضوع يمس أهم النصوص الدستورية في المملكة الواجب رعايته حتى لو كان الثمن الإجرائي مرهقا أو طويلا أو مكلفا فتلك النصوص لم توضع للإثقال على الناس بل وضعت لحماية مصالح عامة كبرى يجب التقيد بنصوصها.