متى نكون مصدرين؟

من المتعارف عليه في السوق المحلية, وخصوصا في أوساط رجال المال والأعمال أن مفردة تصدير تعني تصدير منتجات ذات طابع استهلاكي، بمعنى أن هناك منتجا جاهزا للاستهلاك يتم تصديره، أو منتجا ثانويا كمادة خام يتم تصديره ليدخل مع عناصر أخرى في البلد المصدر له في إنتاج منتج جاهز للاستهلاك. وحقيقة هذا ما هو شائع لدى كثير عن التصدير، حديثنا هنا هو ليس عن مفردة التصدير تلك بعينها، وليس عن ذلك التصدير، ولكنه عن تصدير من نوع آخر، تصدير نتمناه ينطلق من هنا من المملكة عاجلا غير آجل، التصدير الذي أتحدث عنه هنا هو تصدير التجارب والأفكار. ذلك النوع من التصدير والذي دعاني للتحدث عنه هو التجربة الماليزية في المصرفية الإسلامية، وتصديرها لها. ففي ظل تنامي المنافسة حاليا بين الدول لجذب الاستثمارات في مجال المصرفية الإسلامية، نجد أن ماليزيا أصبحت مقصدا لتلك الدول للاستفادة من تجربتها الثرية في هذا المجال، والتي أصبحت رائدة فيه, سواء من حيث العلماء، أو الباحثين، أو حتى من خلال مراكز التدريب المتخصصة، والخبرات العريضة في هذا القطاع . فتلك التجربة الماليزية أصبحت تصدر للعالم أجمع، وذلك من خلال التعاون مع عديد من المؤسسات التعليمية، والبنوك والجامعات أو غيرها من المراكز ذات العلاقة بالمصرفية الإسلامية. بل وعلاوة على ذلك أصبحت مركزا لإنتاج وابتكار منتجات مصرفية متوافقة مع الشريعة الإسلامية قابلة للتصدير والتطبيق في الأسواق العالمية. ماليزيا لم تقف عند تصدير تجربتها فقط, بل فتحت أبوابها للمصارف الإسلامية، ووفرت البيئة الاستثمارية الجاذبة لها، وخير مثال على ذلك وجود مصارف إسلامية كمصرف الراجحي، وبنك قطر الإسلامي، وبيت التمويل الكويتي على أراضيها، فلولا وجود بيئة استثمار صحية لديها لما كانت رؤوس الأموال تتسابق لها ليكون لها قصب السبق من ذلك السوق المتطور والمتنامي في الوقت نفسه.
ذلك النوع من التصدير لم يكن من الممكن تصديره لو لم يكن هناك بيئة صالحة للفكر والإبداع، فتلك التجارب والأفكار التي تصدر للعالم ما هي إلا نتاج طبيعي للاستثمار في العنصر البشري والذي استطاع أن ينتج ويبتكر أفكارا وتجارب ذات قيمة عالية وفي الوقت نفسه ذات طلب عالمي وقابل للتصدير، فبعد أن كان أكثر من 70 في المائة من الماليزيين وتحديدا عند عام 1970 دون مستوى الفقر، وبعد سنين لا تعد طويلة في عمر الشعوب استطاعت ماليزيا أن تكون مثلا يحتذى به، وتؤخذ تجاربها أنموذجا قابلا للتطبيق في العالم، فهنيئا لها. ولعلي أختم بسؤال حيوي ومهم، ألا وهو، هل لدينا أفكار وتجارب ثرية قابلة للتصدير؟ أعتقد أنه هدف يجب أن نسعى إلى تحقيقه ليس على المدى البعيد، بل على المدى القصير، والقصير جدا، وخاصة إذا ما أردنا أن نترك أثرا إيجابيا وبصمة في هذا العالم المتنافس على الإبداع والابتكار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي