قرد هيفا.. ووهم يارا!

في الفن منطقة اسمها الوهم، ظاهرها لامع وجوفها الظِلال. وهي موجودة في كل نوع من أنواع الفنون المحررة للوجدان.. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الغناء، الموسيقى.. وحتى الكاريكاتير!
شخصياً، كنت لأستغرب كيف يمكن للأوساط الطربية أن تستوعب صوتاً كهيفاء وهبي ويارا في الوقت ذاته! لولا أنني منذ درست نصوصاً لأدباء مطلع القرن الـ 20، بت أعلم الحقيقة التالية:
هيفاء هي الحقيقة.. ويارا هي الوهم!
كيف؟
هيفاء نموذج للحقيقة التي تتكرر باستمرار، أما الوهم فهو الزائر المتقطع الذي يحضر ويجلب معه جَـلـَبَـتـُه الداخلية للذات ولقلة من المهتمين القابعين في دائرة ضيقة. هذه هي فرضيتي التي أحاول من خلالها أن أبقى متصلاً مع حلم إثباتها في مرحلة دراسية ''استبعاثية'' قادمة!
ما علينا، نعود للحقيقة (هيفاء) وما جاءت به أخيرا من ''قرد نوبي'' في مفردات أنشودتها التي ''تشندشت'' بها بعد أن صاغ كلماتها شاعر حيناً ومغنٍ أحياناً اسمه مصطفى كامل واضعاً عنوان ''بابا فين'' مدخلاً لأطفال العالم العربي عليها!
يقول جاري أبوعلي، عن كاتب الكلمات المعرّف سابقاً، أنه فشل في أن يكون مغنياً.. ويبدو أن ''استفشل'' ذاته في أن يكون شاعراً! وأرى أن في رأي الجار شيئاً من القسوة، حيث إن الرجل موجود ومنتجاته تباع بشكل جيد، بمقاييس السوق، كما أن الرجل يجتهد كثيراً في توفير ما تحتاج إليه بعض الآذان من مفردات متهمة بالرومانسية والشجن حتى ''إِحزانٍ'' آخر!
الأنشودة الجديدة، كما يعلم الكثير منكم، سببت مشكلة أكبر من مشكلة ''الواوا'' في زمن سابق من عطاءات ''الحقيقة'' (هيماء وهفي)! فقد طالت المسألة وشمّخت حتى أصبحت موضوعاً للنقاش في البرلمان، وفي رواية أخرى مجلس الشعب، وأرى أني مضطر إلى تحميل المسألة بعداً شخصياً هنا لأقول أن للإخوة النوبيين كل العذر في شكاواهم ومطالباتهم برد الاعتبار. فذهنية الطفل لن تعمل بمعزل عن الصورية في تطبيق واقعها، وكل طفل نوبي في المدرسة سيتساءل عن سر النظرة التي يرمقها به زميله ''غير النوبي''، ومن هنا وجب توعية الكبار لنقل وعيهم هذا، إن حدث، إلى أبنائهم وتنبيههم إلى وجوب احترام الآخر!.. وفي كل الأحوال، أرى أن ما أثير من جدل حول ''الأستنشودة'' حقق لها حضوراً كبيراً ونجاحاً خارقاً لن يتم محو أثره بسهولة.
جزئية صغيرة تخصني في الموضوع، وددت أن أطلعكم عليها، أزعم فيها أن المجتمع المصري لم يعرف هذه النبرة العنصرية الحادة في تاريخه الحديث أو القديم. ولو صح ما نقل عن بعض وسائل الإعلام من أن ابنة الشاعر ''الأسمر'' مصطفى تنادي عروستها ''السمراء'' باسم ''القرد النوبي'' وأنه وظف العبارة في الأغنية بعد أن استعارها من قاموس طفلته دون أن ينبهها أحد لخطورة ما تقول.. لوجب الوقوف عند تعريفنا للعنصرية ودرجاتها في بلاد غير منطقة الخليج التي اشتهرت بنزعتها القبلية!
انتهت المساحة... وربما يكون للحديث بقية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي