أعمال الأمير سلطان الخيرية

يتسابق أهل اليسار والجاه والسلطان على عمل الخير في مجتمعاتنا الإسلامية من خلال الصدقات وتكوين المؤسسات الخيرية طمعا في المثوبة الأخروية. وتندرج هذه المؤسسات في تراثنا الفقهي تحت باب الوقف. وقد عرفت المجتمعات الإسلامية نوعين أساسيين من الأوقاف باعتبار الجهة المستفيدة منهما: الوقف الخيري، والوقف الأهلي أو الذري. أما الأول فقد عرف قبل الإسلام، إلا أن النوع الثاني (الذري) هو اختراع إسلامي محض، كما أقرت بذلك موسوعة أمريكانا (مجلد 11 صفحة 646). فلم تعرف القوانين الغربية الوقف الذري إلا في النصف الثاني من القرن العشرين. كما عرفت المجتمعات الإسلامية فكرة امتداد الوقف من المؤسسة الدينية إلى البر العام الذي يطول الخدمات الاجتماعية وتقديم المنافع والسلع، منذ عهد النبوة. سواء ما اتخذ منها شكل الوقف الاستثماري، أو وقف الخدمات العامة، أو الوقف الذري. وقد ابتكرت هذه الفكرة في الإسلام على غير مثال معروف يحتذى. حيث جاءت من فيض النبوة، ثم استكملت بفعل الصحابة رضوان الله عليهم، حتى انتشرت بين أجيال المسلمين.
وقد توسعت هذه الأوقاف وقامت بأدوار عظيمة في تاريخ مجتمعاتنا الإسلامية حتى بلغت في عصر الازدهار العباسي ثلث الأراضي الزراعية في أكثر من بلد إسلامي. كما تعددت أغراضها وتوسعت لتشمل إقامة دور العلم والمكتبات، والإنفاق على الطلبة والأساتذة ورعايتهم غذائيا وصحيا، وإقامة المصحات وتوفير مياه الشرب وفتح الطرق وإقامة المعابر والجسور ورعاية الفقراء والمساكين والأطفال والأيتام وأبناء السبيل بل شملت حتى الخدم والطيور.
وبلغة اليوم الاقتصادية تمثل مؤسسات الوقف الخيرية قطاعا ثالثا - بجانب القطاع الحكومي والخاص - فهي مؤسسات لها أهداف اجتماعية خيرية كالمؤسسات العامة، بيد أنها تدار بأساليب القطاع الخاص في الإدارة، فتجمع بذلك محاسن القطاعين الحكومي والخاص. ومن هذه المؤسسات وأحدثها وأكبرها في مجتمعنا مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية. وهي مؤسسة تهدف إلى رعاية الإنسان وتأهيله من خلال توفير الرعاية الاجتماعية والصحية، والتأهيل الشامل للمعوقين والمسنين من الجنسين. وإيجاد دور للنقاهة والتأهيل والتمريض وتوفير الإمكانات البشرية والتجهيزية والإكلينيكية على مستوى عال من الكفاءة والقدرة. ومن أهدافها أيضا العمل على نشر الوعي بضرورة استخدام وسائل ومستلزمات الرعاية المنزلية والاجتماعية للمعوقين والمسنين، وتوفير الأجهزة التعويضية والمساندة التي تساعد المعوقين والمسنين على التكيف مع ظروفهم، ووضع جميع الإمكانات والوسائل المساعدة للتخفيف عن معاناتهم، وتوفير الإمكانات اللازمة لإجراء الأبحاث في مجال الخدمات الإنسانية التي تقدمها هذه المؤسسة. كما تقوم أيضا بالدراسات الأكاديمية والتطبيقية المتصلة بالإعاقة والشيخوخة المبكرة وأمراضها ومعرفة أسبابها والعمل على تلافيها. وهي تعنى بشكل عام بالعمل العلمي والثقافي لمصلحة المجتمع.
وخلال العام المالي الماضي 2008 - 2009 شهد أداء المؤسسة ثباتاً ونوعية شملت برامجها كافة. ومنها المساهمة الفاعلة في بناء الإنسان، عبر الاهتمام بدعم البحث العلمي والتعليم المتخصص والمنح البحثية، وتطوير منظومة الرعاية الصحية في المملكة، وكذلك تبني قضية الإعاقة والتصدي لأسبابها وتحجيم آثارها وتوفير رعاية متكاملة للمعوقين، وإحداث نقلة في التنمية المجتمعية من خلال برنامج الإسكان الخيري، وتطوير مؤسسات العمل الخيري، ودعم الأبحاث والمؤتمرات والإصدارات العلمية، وتحديث الأنظمة والتشريعات ذات العلاقة بقطاعات إنسانية وخدمية وخيرية وتقديم المساعدات للأفراد، وتسخير التقنية في مشاريع خدمية وتنموية، وكذلك مساندة جهود الدولة في التواصل الحضاري، إضافة إلى العمل على تصحيح الصورة الذهنية عن المملكة والعالمين العربي والإسلامي، ودعم المشاريع الإنسانية في عديد من الدول العربية والإسلامية.
وتحتفي بلادنا هذه الأيام بعودة ولى عهدها معافى بحمد الله ليواصل مسيرته في النهوض بها والإشراف على استمرار تقديم خدمات مؤسسته الخيرية وتوسيعها ليعم خيرها أرجاء البلاد. فمرحبا بعودة سموه وحمدا لله على نعمائه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي