ليكون الحوار الوطني أداة بناء الرؤية الوطنية الشاملة
تحدثت في مقالين سابقين عن ضرورة إيجاد رؤية وطنية شاملة للمستقبل، وحتى تكتمل الفكرة التي أرمي إليها بدا لي أن أناقش حقيقة أن الحوار الوطني إحدى أدوات توحيد الرؤية إن لم يكن من أهمها، لذا رغبت في استشفاف معنى الحوار الوطني وما المراد منه وهل هو يحقق الأهداف التي وضعت له، وقبل كل ذلك هل المنطلقات التي أعلنت للحوار هي القاعدة السليمة لبناء الحوار الذي يفترض أن يستمر ليحقق اللحمة الوطنية . فيما يلي نتيجة ما تبين لي وما أظنه أولى بالحوار الوطني حتى يحقق الغرض منه.
لأقف على حقيقة الحوار الوطني والذي يديره مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بدأت البحث عن رؤية الحوار أو رؤية المركز ولم أجد في مطبوعات المركز ولا منشوراته ما يوحي بوجود رؤية استشرافية للمستقبل تصف الصورة التي سيكون عليها المجتمع نتيجة لحواره بحيث تمثل هدفاً مشتركاً وغرضاً عاما لكل المتحاورين. هناك رسالة تستشف من وصف أهداف المركز وهي تقول «يسعـــى المركز إلى توفيـــر البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وفئاته (من الذكور والإناث) بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية» ومع ذلك نجد أن رسالة المركز، إن كانت تلك، تتمثل في توفير البيئة الداعمة للحوار وتضع أطرا لذلك الحوار الذي يدعمه المركز وهو ما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية. وهذه العبارة عامة وتحتمل الخلاف حولها بصورة كبيرة فالمصلحة العامة غير معرفة وهي تعبير يحتمل اختلاف المتحاورين خصوصاً أن المصلحة العامة تفترض تجانس المجتمع بصيغه الاجتماعية والاقتصادية والفكرية بحث تكون مصلحته واحدة وهذا غير صحيح وإلا ما فائدة الحوار إذاً؟ فالحوار لا يكون إلا بين متباين في واحدة أو أكثر من تلك الصيغ، إلا إذا كان يقصد بالمصلحة العامة أنها هي الوحدة الوطنية فهذا لاشك صحيح، ولكن ذلك يأتي في السياق التالي حيث تكون الوحدة الوطنية مبنية على العقيدة الإسلامية وهذه العبارة محددة، فجميع المواطنين السعوديين مسلمون ولن يقبل منهم غير ذلك. ومع غياب الاهتمام الواضح في صياغة الرؤية والرسالة هناك تعميم في الأهداف فالأهداف الثمانية التي وضعها المركز تمثل عناوين مشاريع أكثر من كونها أهدافا، فالأهداف يجب أن تكون محكومة بمعايير: التحديد، القياسية، القابلية للإنجاز، التحقق، الزمن، والمناسبة للغرض. والأهداف الثمانية تفتقد واحدا أو أكثر من تلك المعايير. مما يجعلها أهدافا مطاطة غير ثابتة التعريف والمعنى وهو ما يعوق تحقيقها ونوردها هنا كما هي مبينة في موقع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني:
أولاً: تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف.
ثانيًا: الإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء.
ثالثًا: معالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته.
رابعًا: ترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبًا للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا.
خامسًا: توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية.
سادساً: تفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة.
سابعاً: تعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج.
ثامنًا: بلورة رؤية استراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل مخرجات.
ليس الهدف من هذا المقال نقد أهداف مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ولا توجهاته ولكن وبحكم كون المركز إحدى أهم قنوات توحيد الرؤية الوطنية الشاملة، فلابد أن يتم التعرف على الإمكانات والقدرات والوسائل التي يمكن أن يوفرها لتحقيق هدف سام مثل ذلك، لذا ومن منطلق القناعة بما يتوافر للمركز من قدرات بشرية وإمكانات مادية وتسهيلات، أجزم أن المركز قادر على أن يكون صاحب الريادة في تبني تأسيس الرؤية الوطنية الشاملة، ولكن ليكون مؤهلاً لذلك بصورة مناسبة عليه أن يعيد صياغة الاستراتيجية التي يسير عليها فهي كما تبدو للمراقب من الخارج مشتتة وعامة التوجه وتفتقر إلى آلية تنفيذ التوصيات فما يصدر عن جلسات المركز الحوارية من توصيات لا تتعدى المحاضر التي كتبت عليها وليس لدى المركز أدوات أو وسائل لتفعيل أو ترسيخ تلك التوصيات، مما يفقد المصداقية بأهميتها أو فعاليتها، ثم إن أسلوب الحوار مازال محكوما بأطر تمنع حرية التعبير والتفاعل، وهذا ما تم استخلاصه من إفادات كثير ممن اشتركوا في جلسات الحوار الإعدادية والرئيسة.
لذا أقترح أن يقوم المركز أولا بوضع رؤية تبين ما يسعى إليه كهدف عام ويكون هذا الهدف جريئا في التعبير والصورة ثم يصوغ رسالة للمركز لا تقتصر على توفير البيئة بل على حماية حقوق المتحاورين في الاختلاف والتعبير وتبني التوصيات ومتابعة تنفيذ التوصيات ووضع آلية للتأثير في تغيير ما يلزم لوضع تلك التوصيات موضع التنفيذ. وإعادة صياغة الأهداف بحيث يمكن قياسها وتتبع مدى تحققها. وعلى مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وضع تعاريف محددة لما يمكن أن يؤثر في الحوار من معان فهناك حاجة إلى تعريف الحرية، والمواطنة، والعدل، والحق العام، والحق الخاص، والقيم العليا للمجتمع، والاحترام المتبادلة للخصوصية المذهبية، والعصبية، وغيرها من المعاني التي تؤثر في كيفية الحوار ومضمونه ونتائجه.
لاشك أن الحوار الوطني مطلوب لتوحيد الرؤية وتعميق الاعتقاد بوحدة المصلحة في بقاء هذا البلد متحدا بقوة الرابطة الوطنية التي تجعل كل فرد وعائلة وقبيلة ومنطقة تجد قوتها وحمايتها وسعادتها في سيادة الولاء للوطن الواحد والعمل على بنائه بكل جد وإخلاص.